علاجُ القُلوبِ .
إذا أردتَ - يا عبدَ اللهِ - شفاءَ قلبِكِ ، وعَافِيَتَكَ ، فعليكَ بصدقِ اللجُوءِ إلى اللهِ ، والإكثارِ مِنَ النَّوافِلِ ، وبسحّ الدُموعِ ، والصَّلاةِ بالليلِ والناسُ هجوعُ ، ودواءُ قلبِكَ أيضاً بِملازمةِ الأذكارِ ، وصُحبةِ الأخيارِ ، فإنّهم خيرُ مُعينِ بعد الله على شفاءِ القلبِ السقيمِ ، وسلوكُ الصِّراطِ المُستقيمِ قال تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) (الكهف : 28) .
يقولُ ابنُ القيم - رحمه الله تعالى- : ومن أسبابِ حياةِ القلُوبِ الإقبالُ على اللهِ ، وتَعظِيمْهِ ، وتَدَبُّرُ الوحيِ بشقيه القرآنِ والسُنَّةِ ، والشوقُ إلى اللهِ والإنابةِ إليهِ ، والندمُ على المعاصي ، والحذرُ من الوقوعِ فيها ، ومخالفةُ هَوى النَّفْسِ ، والاستعدادُ للآخرةِ ، وصُحْبَةُ الصَّالِحِينَ .
ومن أسبابِ موتِ القُلوبِ الغَفلةُ عَنِ اللهِ ، وإيْثَارُ مَحبوبِ سِوَىْ اللهِ وتركُ اغتذاءٍ بنافعٍ ، وتركُ الدواءِ الشَّافِيْ ( الوحيُ ، وذكرُ الله ) وكثرةُ الضِّحكِ ، وأما حقيقةُ مرضِ القُلوبِ ، فهي فُقدانُ الإخْلاصِ لله ، والحُبِّ لَهُ ، وجامعُ أمراضِ القُلوبِ اتباعُ الهَوَىْ ، نسألُ اللهَ أنْ يُحيَ قلوبَنَا بنُورِ مَعرفتِهِ ، وذكرِه ، وشكرِه، فحياةُ القَلبِ وإشراقُه مادةُ كُلِّ خَيْرٍ ، وموتُهُ وظُلْمُتُهُ مادةُ كُلِّ شَرٍّ ا.هـ
واحِرسْ قَلْبَكَ ـ أخي المسلم ـ أنْ يَتسلَّلَ إليه الشيطانُ بشُبهَةٍ خبيثةٍ ، أو شَهوةٍ مُحَرَّمَةٍ ، أو آفةٍ مُفسدَةٍ ، أحذرْ الغَفلةَ والغافلين .
قال الله تعالى : ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف : 28) .
وسُئل بعضُ العلماءِ عن عِشقِ الصُورِ فقال : ( قلوبٌ غَفلت عن ذكرِ اللهِ فابتلاها اللهُ بعُبُودِيَةِ غَيرِه ) فالقلبُ الغافلُ مأوى الشَّيطانِ ، يقولُ الحسنُ - رحمه الله - : ( المؤمنُ قوَّامٌ على نفسِه، يُحاسِبُ نَفسَهُ لله ، وإنَّما خَفَّ الحِسَابُ يَومَ القيامةِ على أقوامٍ ، حاسبوا أنفسَهم في الدنيا ، وشَقَّ الحِسَابُ على أقوامٍ يومَ القيامةِ ، أخذوا هذا الأمرَ على غَيرِ مُحَاسَبَةٍ ، فحاسبوا أنفسَكم رحمَكم اللهُ وفَتِشُّوا في قلوبِكم ) .
الاهتمامُ بأعمالِ القُلوبِ :
كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَهتمُّ بالأعمالِ الظاهرةِ ، وهذا أمرٌ حسنٌ ، ومطلوبٌ ، ولكن هؤلاءِ يَغفلُونَ عن أصلِ هذهِ الأعمالِ ، ومادتِهَا ، وهي الأعمالُ القلبيةُ ، فهذه الأعمالُ هي الأصلُ وهي الأهَمُّ ( إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أعمالِكُمْ ، ولا إلى صُوَرِكُمْ ، ولكنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكم ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَةٌ ، إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجسدُ كُلُّهُ ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وهي القَلبُ ).
ومن ثَمَّ فتأمل معي - رعاك الله - هذا الحديثَ العَظيمَ ، والذي من خلالِه نَعرفُ أهميةَ أعمالِ القُلوبِ ، أخرج الإمامُ أحمدُ بِسَنَدٍ صحيحٍ عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه- قال : "كنَّا جلوساً عند رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- فقال : ( يَطلعُ الآنَ عليكم رجلٌ ، من أهلِ الجَنََّةِ ، فطلعَ رجلٌ من الأنصارِ تنطِفُ لحيتُه من وُضوئِه ، قد علق نعليه بيده الشمالِ ، فلما كان من الغَدِ قال النِّبِيُ - صلى الله عليه وسلم- مثلَ مقالتِه أيضاً ، فطلعَ ذلك الرجلُ على مثلِ حالِه ، فلما قام النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم- تَبِعَهُ عبدُ اللهِ بن عمروٍ ـ أي تَبِعَ ذلك الرجلُ ـ فقال : إني لاحية أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً .. فإن ربت أن تردني إليك حتى تمضي قال نعم ... قال أنس فكان عبدُ الله يُحَدِثُ أنّه باتَ معه تلكَ الثَّلاثَ الليالِيْ ، فلم يَرَهُ يقومُ من الليلِ شيئاً ، غير أنّه إذا تَعَارَّ مِنَ اللَّيلِ ذَكرَ اللهَ - عز وجل - وكبَّر حتى نامَ لصلاةِ الفَجرِ ، قال عبد الله : فلما مَضتِ الثلاثُ الليالِيْ ، وكِدْتُ أنْ أحتقرَ عملَه : قلت : - يا عبد الله- لم يكنْ بيني وبين أبي أيُّ غَضَبٍ ، ولا هِجْرَةٍ ، ولكنْ سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- يقول ثلاثَ مَراتٍ ، ( يَطلعُ عليكم الآنَ رجلٌ مِنْ أهلِ الجَنَّةِ ) ، فطَلعْتَ أنْتَ ، فأرَدْتُ أنْ أَوِيَ إليك فأنظرَ عَمَلكَ فأقتدِيَ بِكَ، فلم أرك عَملتَ ثمةَ عملٍ، فما الذي بلغك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما هو إلا ما رأيتَ !! فلما وَلَّيتُ دعاني ، فقال : ( ما هو إلا ما رأيتَ غيرَ أنِّي لا أجدُ في نفسِي لأحدٍ من المُسلمِينَ غشاً ، ولا حسداً على خيرٍ أعطاه اللهُ إيَّاه!!! فقال عبد اللهُ : ( هذه التي بلغت بك)
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله - : ( لا يَخلو جَسدٌ من حَسَدٍ فالكريمُ يُحصيْهِ ، واللئيمُ يُبْدِيْهِ ) فاللهَ اللهَ بأعمالِ القُلوبِ ، والحذرَ الحذرَ مِنْ مَعَاصِيْهَا
إشكالٌ ودفعُهُ :
إنَّ بعضَ النَّاسِ عندَه فهمٌ خَاطيءٌ ، ومن ذلك أنَّك إذا حدثتَ أحداً ونصحتَهُ بالالتزامِ بالسُنَّةِ الظاهرةِ كاللِحيةِ مثلاً ، أجابَكَ قائلاً : المُهِمُّ القلْبُ ، والحديثُ يقولُ : ( إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى صُورِكم ، ولكنْ يَنظُرُ إلى قلوبِكم ) ... والتَقوى هاهنا …. ويُشيرُ إلى قَلْبِهِ ..
فنقولُ لهؤلاء .. هذا فهمٌ خاطئٌ ، نعم المُهمُّ والأصْلُ ، صَلاحُ القَلبِ وصَلاحُ المَظْهَرِ مع خرابِ البَاطِنِ لا ينفعُ ، لكن نقولُ : إنَّ صَلاحَ القَلبِ لَهُ عَلاماتٌ ، ومن أشدِّ وأهمِّ علاماتِه صَلُحَ الظَّاهِرُ: يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله )
إذاً صلاحُ الظاهرِ دليلٌ على صلاحِ القَلبِ ، وفسادُهُ نتيجةُ فسادِ باطنِهِ ، …
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ،،،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- والاستزادة انظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لأبن القيم ، وبهجة قلوب الأبرار للسعدي، والقلب في القران للشنقيطي ، وتوجيهات وذكرى لابن حميد 4/78 .
انظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لأبن القيم
من اطلاعاتي
التعديل الأخير تم بواسطة يمامة الوادي ; 2007-10-08 الساعة 1:39 PM.
|