أمير الأعضاء
نعم : إنَّهُ الأميرُ ...أميرُ الأعضاءِ ... (ألا وإنَّ فيْ الجَسدِ مُضْغَةً إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجَسدُ كُلُّهُ، وإذا فَسدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهيَ القَلْبُ) .
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ - رحمه الله تعالى- : (وخُصَّ القلبُ بذلك ؛ لأنّهُ أميرُ البدنِ ، وبصلاحِ الأَمْرِ تَصْلُحُ الرَّعَيةُ ، وبِفسادِهِ تَفْسُدُ ، وفيهِ تَنْبِيْهٌ على تعظيمِ قدرِ القَلبِ ، والحَثِّ على صَلاحِهِ) .
نعم : إنَّهُ قَلبُكَ يا عبدَ اللهِ .
مَحَطُ نَظرِ الإلهِ .... ومَنْبَعُ العَمَلِ، ومُحَرِكُهُ، وأصلُهُ، وأَسَاسُهُ المُخَاطَبُ بأوامِرِ اللهِ جلا وعلا .( إنَ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أعمالِكُمْ ولا إلىْ صُوَرِكُمْ ولكنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوْبُكُمْ ) .
ولهذا فأيُّهَا الأخُ ... وأيَتُّها الأختُ : هذهِ وقفةٌ مُحَاسبَةٍ مَعَ النَّفْسِ ، بلْ مع أعزِّ شيءٍ في النَّفْسِ ، مع ما بِصَلاحِهِ صلاحُ العَبْدِ كُلِّهِ، ومَا بفَسَادِهِ فَسَادُ الحالِ كُلِّهِ ، وقفةٌ مَعَ مَا هُوَ أولَىْ بالمُحَاسَبَةِ ، وأَحْرَى بالوَقَفَاتِ الصَّادِقَةِ يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يَسْتَقِيْمُ إِيْمَاْنُ عَبْدٍ حَتَّىْ يَسْتَقِيْمَ قَلْبُهُ)
ويقولُ الحَسَنُ رَحمَهُ اللهُ : ( دَاوِ قلبِك؛ فإنَّ حَاجةَ اللهِ إلى العبادِ صَلاحُ قُلوبِهِمْ ، ولنْ تُحِبَّ اللهَ حَتَّىْ تُحِبَّ طَاعَتَهُ ) .
أيُّها المُحِبُّ :
مَنْ عَرَفَ قَلْبَهُ عَرَفَ ربَّه ، وكَمْ مِنْ جَاهِلٍ بِقَلبِهِ ، ونَفْسِهِ ، واللهُ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ ، يقولُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : ( هَلَكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْبٌ يَعْرِفُ المَعْرُوْفَ ويُنْكِرُ المُنْكَرَ ) .
إذاً لا بُدَّ في هذا مِنْ مُحَاسَبةٍ تَفُضُّ تَغَالِيقَ الغَفْلَةِ ، وتُوقِظُ مَشَاعِرَ الإِقْبَالِ عَلَىْ اللهِ في القَلبِ ، واللِسَّانِ والجَوَارِحِ جَمِيْعاً، مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ فَحَيَاتُهُ كُلُّهَا - واللهُ هُمُومٌ فِيْ هُمُوْمٌ ، وأفكارٌ وغُمُومٌ ، وآلامٌ وحسراتٌ .
أيُّهَا الأخُ النَّحِيْبُ :
إنَّ في القَلْبِ فاقةً ، وحاجةً لا يَسُدُّهَا إلا الإقبالُ على اللهِ ، ومَحَبَتُهُ ، والإنابةُ إليه .. ولا يَلمُّ شَعْثَهَا إلا حِفظُ الجَوَارِحِ ، واجتنابُ المُحَرَّمَاتِ ، واتقاءُ الشُّبُهَاتِ .
وإنَّ مَعرفةَ القَلبِ مِنْ أَعْظَمِ مَطْلُوبَاتِ الدِّيْنِ ، ومِنْ أَظْهَرِ المَعَالِمِ في طَرِيْقِ الصَّالِحين مَعرفَةٌ ، تَسْتَوجِبُ اليَقْظَةَ لخَلَجَاتِ القَلْبِ وخَفَقاتِه، وحَركاتِهِ ولَفتَاتِهِ ، والحَذرَ مِنْ كُلِّ هَاجِسٍ ، والاحْتِيَاطَ مِنَ المَزَالِقِ والهَوَاجِسِ ، والتَّعَلُّقَ الدائمَ باللهِ ، فهو مُقَلِّبُ القُلُوبِ ، والأبصارِ، جاء في الخبرِ عندَ مُسلمٍ - رحمه الله - منْ حَديثِ عبدِ اللهِ بن عَمْروٍ - رَضيَ اللهُ عنهما- قال: سَمعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقولُ: ( إنَّ قُلوبَ بَنِيْ آدمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبِعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ - عزّ وجلَ- كقَلْبٍ واحدٍ يَصْرُفُهُ حيْثُ يَشاءُ ) .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا على طَاعَتِكَ )
ولا يَنفعُ عندَ اللهِ إلا القلبُ السليمُ : ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء89 ( الشعراء : 88/89) .
يقولُ الحافظُ ابنُ رَجبٍ في جامعِ العُلُومِ والحِكَمِ ( والقَلبُ السَّلِيمُ هو السَّالِمُ مِنَ الآفاتِ ، والمَكْرُوهَاتِ) .
وقال ابنُ القَيمِ - رَحِمَهُ اللهُ : وقد اخْتَلَفَتِ عِبَاراتُ النَّاسِ في مَعْنَى القّلْبِ السَّلِيْمِ ، والأَمْرِ الجَامِعِ لذلك أنَّه الذي قد سَلِمَ مِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ تُخَالِفُ أمرَ اللهِ ونَهْيَهُ ، ومِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُعَارِضُ خَبَرَهُ ، فَسَلِمَ مِنْ عُبُودِيَّةِ مَا سِوَاهُ ، وسَلِمَ مِنْ تَحْكِيمِ غَيْرِ رَسُولِهِ ، فَسَلِمَ مِنْ مَحَبَةِ غَيْرِ اللهِ مَعَهُ ، ومِنْ خَوْفِهِ ، ورَجَائِهِ ، والتَّوَكُلِ عَليهِ ، والإنابةِ إليهِ ، والذُّلِ له ، وإيثارِ مَرْضَاتِهِ في كُلِّ حالٍ ، والتَباعُدِ عَنْ سُخطِهِ بِكُلِّ طَرِيْقٍ ، وهذا هو حَقيقةُ العُبُودِيَّةِ، التي لا تَصْلُحُ إلا للهِ ، سُبْحَانَهُ وتَعالى وحْدَهُ ، فالقَلْبُ السَّلِيْمُ هُوَ الذِّيْ سَلِمَ مِنْ أنْ يَكونَ لِغَيْرِ اللهِ فِيْهِ شِرْكٌ بِوَجْهٍ مَّا ..