* لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: رغم ما ذكرته فضيلتكم من قائمة مطولة لكتب تفسير الأحلام، لماذا يظل كتاب ابن سيرين المعنون بـ (منتخب الكلام في تفسير الأحلام) بالذات هو الأكثر شهرة وتداولاً، لاسيما بين العوام ؟ وهل يستمد الكتاب شهرته من طبيعة محتوياته في اعتمادها على أصول مرجعية عقائدية وشعبية و أدبية... إلخ، بحيث أصبح الكتاب موضوعاً لكثير من الدراسات شرحاً أو تحقيقاً أو اختصاراً ؟
** في حقيقة الأمر، هناك كتب أكثر قيمة من كتاب ابن سيرين، وإن لم تنل ما ناله هذا الكتاب من الشهرة، لأن أصحابها لم تهييء لهم الظروف التاريخية والحياتية من الاحتكاك أو القرب من الحكام والأمراء وغيرهم من المشاهير، وذلك على النقيض من ابن سيرين الذي ذاع صيته بعد تفسيره لرؤى وأحلام بعض حكام عصره وأمرائه، وتحققها وفق تفسيره، الأمر الذي يعني بالنسبة لي أن القدر وحده هو الذي يرسم حظ الإنسان في الحياة، كما هو الموقف بالنسبة لي. فقد ذاعت شهرتي وعرفني الناس نتيجة لتسليط الأضواء عليَّ من خلال ظهوري على القنوات الفضائية، فضلاً عن تفسيري لرؤى الرؤساء والحكام والمشاهير عموماً. فربما يوجد من هو أجدر مني في هذا الأمر، لكنه مغمور لأن الحظ لم يحالفه.
* أتعني ما تقول: أم أنه تواضع منك ؟ لأنني قرأت في بعض الصحف المصرية عنواناً يقر بأنك أكفأ مفسري الأحلام والرؤى في العصر الحديث ليس على مستوى مصر فحسب، بل على مستوى الشرق الأوسط، فضلاً عن تزكية بعض أئمة وعلماء الأزهر وتأييدهم لك على شاشات التلفاز مثل الدكتور أحمد عمر هاشم، أستاذ علم الحديث والشيخ منصور عبيد الرفاعي وكيل أول وزارة الأوقاف والدكتورة عبلة الكحلاوي أستاذ الشريعة والدكتور جمال ماضي أبو العزايم أستاذ الطب النفسي.
** أشكر كل من زكاني، لكنني لا أستطيع أن أزكي نفسي، لأنني على يقين أنني بشر وأن القدر يلعب دوراً كبيراً في حياتناً.
كثيراً ما نقرأ في مقدمات الكتب التي تتناول تفسير الرؤى والأحلام، عن مسألة التوقيت ومدلولات هذا التوقيت، فهل يعني هذا أن لكل توقيت مغزاه في التفسير؟ أو بعبارة أخرى هل تختلف رؤيا الصيف عن رؤيا الشتاء، ورؤيا السبت عن الخميس، ورؤيا الليل عن النهار... وهلم جرة ؟
** أولاً: أود أن أؤكد أن تفسير الأحلام والرؤى فراسة وليس دراسة. قد تأتي الدراسة بعد الفراسة، وأعني بالفراسة: الموهبة والنورانية والشفافية التي يمن بها الله على المفسر أو المعبر فيتسنى له التفرقة بين رؤيا الصيف ورؤيا الشتاء، إذ من الصحيح أن تفسير الرؤيا والأحلام يختلف من وقت لآخر، ومن شخص لآخر بل أكثر من ذلك من بلد لآخر، وجميعها أمور ترجع بالدرجة الأولى إلى المفسر. وآية ذلك أن رجلاً ذهب إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وقال له: يا إمام رأيت نفسي أقطف سبعين ورقة من شجرة، فقال: سترتكب ذنباً وستجلد سبعين جلدة، وهو ما وقع فعلاً.
وبعدها تاب الرجل إلى الله وندم وأصبح عابداً ساجداً. وفي العام التالي رأى الرؤيا ذاتها، فذهب إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأخبره أنه رأى الرؤيا نفسها بأوصافها وأنه يخشى أن يُجلد مرة أخرى، فطمأنه قائلاً له: ستذهب إلى السوق وستربح سبعين ألف درهم، وهو ما تحقق للرجل بالفعل.
وعندما سُئل سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عن السر في ذلك رغم أن الرائي واحد والرؤيا واحدة متطابقة، أوضح أن الرجل حين أتاه في العام الأول كان ذلك إبان فصل الخريف حيث تتساقط الأوراق من الشجر، وعليه فسر الرؤيا بالذنب، أما في العام الثاني فقد أتاه الرجل في فصل الربيع حيث نمو الأوراق والشجر، فعبرها بالمكسب. ومفاد الكلام أنه صحيح تختلف الرؤيا من وقت لآخر ومن مكان لآخر ومن شخص لآخر، على حسب طبيعة هذا الشخص حاكماً كان أم محكوماً، إماماً أو مأموماً، صالحاً أو فاسقاً...
* هل تتضمن الرؤيا بعض الومضات أو الدلائل التي قد تكون مؤشراً على تحقق الرؤيا في توقيت بعينه كأن يكون المستقبل القريب أو البعيد أو اللحظة الآنية ... إلخ؟
** في الحقيقة، هذا نادراً ما يحدث، فحين أفسر الرؤيا لا أحدد توقيتاً لتحققها، وإن كان هذا لا ينفي أنني حال تفسيري لبعض الرؤى أحس قلبياً أنها وشيكة التحقق، بيد أنني لا أستطيع أن أضع معياراً بعينه أو وصفاً محدداً يمكن استقاؤه من الرؤيا، لأنها كما قلت أشياء تُحس ولا تُوصف.
وأضرب مثالاً على ذلك أنه في إحدى حلقات البرنامج بالتليفزيون، اتصل بي شخص يريد تفسير رؤياه ومضمونها أن السائل رأى في منامه أخاه الميت يقود سيارة ويرجع بها إلى الخلف فدهس نخلة فسقطت. فاعتذرتُ عن التفسير على الهواء من منظور أنها رؤيا خاصة، وطلبت من الرجل أن يتصل بي في منزلي بعد يومين، لعلمي أن رؤيته ستتحقق خلال اليومين. وسر امتناعي عن التفسير الفوري هو إشفاقي عليه من هول الصدمة. وبالفعل اتصل بي هذا الشخص بعد يومين وأخبرني بأنه قد وقع بالفعل ما أحجمت عن إخباره به وهو موت أخيه الآخر في حادث سير أليم.
* تُرى ما المؤشر في هذه الرؤيا الذي يفيد أن تحققها وشيك ؟ هل هو وجود الأخ الميت الذي يقود السيارة، أم السيارة ذاتها أم سرعتها أم وقوع النخلة ؟
** أستطيع القول أن وقوع النخلة في هذه الرؤيا بالذات بالنسبة للشخص الذي حدثني، تدلل على أن موت أخيه وشيك الحدوث.
* رغم ما قد ترمز إليه النخلة من دلالات القدم والأصالة والامتداد ... إلخ !!!
** قد تكون بهذه الدلالات في رؤيا أخرى ولشخص آخر.
* أفهم من ذلك أنه بمقدورك معرفة سمات من يحدثك دون أن تراه !!
** نعم، أستطيع من خلال نبرات الصوت تحديد هوية صاحبه وما إذا كان متزوجاً أم لا، عنده أولاد أم لا، خيراً أم شريراً، صاحب منصب أم من العوام. وليس هذا بمستغرب؛ إذ يوجد سند شرعي وهو قول الحق تبارك وتعالى في سورة فاطر (يزيد في الخلق ما يشاء) فمن الناس من زاده الله مالاً أو جمالاً أو ولداً أو بسطة في العِلم والجسم أو بسطة في معرفة علم الأصوات وفي معرفة أصول البشر من سيماهم.. ومعنى هذا أنني من خلال الرؤية أستطيع تحديد شخصية الإنسان كاملة، وكذلك من صوته عبر الهاتف دون رؤيته مصداقاً لقول الشاعر:
قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون
وعليه فإنني أؤكد مرة أخرى الإشكالية في تفسير الرؤى؛ إذ أن سقوط النخلة في السياق السابق يفيد موت أخو الرجل، بيد أن النخلة قد تعنى دلالة أخرى في رؤيا أخرى، وتأكيداً لما أقوله هو أن رجلاً ذهب إلى أبي سعيد الواعظ وقال له: رأيت في المنام أنني أستحم في بحر، فسأله عن طبيعة عمله فقال الرجل لماذا ؟ فرد عليه أبو سعيد قائلاً: لأنه إذا كان من يستحم في البحر حاكماً، ازداد حكمه، وإذا كان تاجراً ازدادت تجارته، وإن كان عالماً ازداد علمه، وإن كان فاسقاً تاب إلى الله، وإن كان من أهل العوام منَّ الله عليه بشيء يريده في نفسه أو يرغبه.
* رغم كل الأدلة والقرائن التي تجيز تفسير الرؤى والأحلام، ألا تخشى أن يتهمك البعض بادعائك معرفة الغيب ؟
** أنا لست دجالاً ولا مشعوذاً ولا ساحراً. والدليل على ذلك أنني لا أقول شيئاً من العدم، بل من خلال رؤيا أو حلم. وطالما أن الرؤيا وقعت مناماً، فإنها بذلك تعد غيباً، والرائي يحتاج - بطبيعة الحال - إلى مَنْ يفسر له ما رآه. ومن هنا أجاز الشرع تفسير الرؤى والأحلام.
* لقد لفت انتباهي أنك في تفسيرك تلجأ إلى التعميم لا التخصيص، كأن تقول لمن يستفسر سيأتيك رزق أو خير دون تحديد لنوعية أو ماهية هذا الرزق أو ذاك الخير، فما تعليقك ؟
** بمقدوري تحديد نوعية الرزق أو ماهية الخير الذي سيصيب الإنسان، بيد أن الوقت المحدد للبرنامج التليفزيوني لا يسمح بالاستفاضة، ناهيكِ عن كثافة عدد المكالمات التي أتلقاها أثناء البرنامج أو خارجه.
* ما تعليقك على جملة والله أعلم التي تختم بها تفسيرك لكل حلم أو رؤيا ؟
** تفسير الأحلام والرؤى يُعد نوعاً من الفتوى. والعالم أو المفتي عندما يُسأل في فتوى بخصوص الزواج أو الطلاق أو البيوع أو المعاملات... إلخ، يقول في نهاية فتواه (الله أعلم) رغم يقينه نظراً لاستناده إلى نصوص شرعية، لكنه ينسب الفضل إلى الله تبارك وتعالى القائل في سورة يوسف (وفوق كل ذي علم عليم). وحين أقول (الله أعلم) فإنني أسند العِلم لله سبحانه وتعالى حتى لا يأخذني الغرور والكبرياء ولكيلا يدخل إليَّ الشيطان وينفخ فيَّ الغرور بأنني أعلم وأعرف وأفهم.. ومن ثم فإنني أسند الأمور إلى خالقي. فكما يقول الشاعر:
وقل لمن يدّعي في العِلم معرفة تعلمت شيئاً وغابت عنك أشياء
* ثمة أمر لفت انتباهي وهو تحذيرك الدائم للمشاهدين من قراءة كتب تفاسير الأحلام، ألا تخشى أن يفهمك الآخر على أنك تحاول الاستحواذ على نجومية من نوع خاص، لاسيما وأننا نعيش في زمن لا تقتصر فيه النجومية على مشاهير الفنانين، بل امتدت إلى الشيوخ؟
** تحذيري نابع من أنني لا أخاطب فئة بعينها كفئة المثقفين مثلاً، بل أخاطب السواد الأعظم من البشر وكتب تفاسير الأحلام تتسم بتعدد وتنوع وتضارب دلالات الكلمة الواحدة، وعليه أخشى ألا يهتدى الشخص العادي إلى المدلول الصحيح لفحوى رؤياه وتختلط عليه المعاني. ولذلك أرى أن تحذيري للناس أمر في صالح الناس لأنني أود ألا يغلقوا عقولهم على دلالات قد تكون منبع قلق أو خوف لهم.
* كل الاحترام لرأي فضيلتكم، إلا أنني أخالفك الرأي، فالقراءة من وجهة نظري الأكاديمية البحتة تمثل زاداً فكرياً لا سبيل إلى إجهاضه أو إيقافه تحت أي بند أو ظرف، والقارئ لاسيما من الخواص، يتسنى له التوصل إلى تأويل رؤياه إلى حد ما، من خلال ربطه الدلالات المستوحاة من سياق الرؤيا وملابساتها بسماته الشخصية ووضعه الاجتماعي فضلاً عن الأشياء الأخرى التي أشرت إليها.
** نعم، قد يصل إلى تأويل جزئي، إلا أن التأويل الكامل يحتاج إلى مفسر أو معبر يتسم بالفراسة والشفافية، وأنا ما زلت عند رأيي لأن الشريحة العامة من الناس ليس بمقدورها الاستنباط، ومن ثم لا أريد أن أفتح باباً للناس
<<<يتبع>>>