|
* لذا أسأل نفسي وإياكمُ –أحبَّتِي- لو كنتم من أهل هذه الحالةِ, وجاءتْكَ أمنيةٌ بعيدة المنالِ في تقدير رب العزة والجلال,
وهي: أريتَ لو كتبَ لكَ في هذه الحياةِ عُمُران ما كنتَ فاعلاً بِهِمَا؟
أعني بهما هدفانِ وعملان سميَّان لا غيرهما, وقبلَ أن تجيبَ فاصدق القول أولاً في نفسكَ, ثم اصدق القولَ مع غيرك, حتى أبشِّركَ ببشارةٍ قد ينتبه لها الفطِنُ, وقد يغفو عنها من لا يعرف تجارة الرابحِ الزكِن, هذا وقد قيلَ فيما غبَر: لتعرِف حجم عقلِ المرء سلْه عن أمنيته!
قد قالَ رجالٌ:
* لو كانَ لي عمرانِ : لجعلتُ الأول في (سبيلِ العلمِ والدعوةِ) والآخر في (سبيل قضاء حوائج الخلق) .
* لو كانَ لي عمرانِ : لجعلتُ الأول في (سبيل الجهادِ سبيلِ الله) والآخر في (سبيل إعانةِ المساكينِ والفقراء) .
* لو كانَ لي عمرانِ : لجعلتُ الأول في (سبيلِ التخصُّص بعلمِ الحديث) والآخر في (سبيل التخصص بعلوم العربية).
-
__ وإنِّي راجٍ لكلِّ مسلمٍ صدقَ في دينِهِ أن يجعلَ أهدافه ساميةً, وأن يكثرَ منها ليتخيَّر أجملها, لا أن يلجَ ولوجَ العفِنِ الصعب, فيتمثَّل –ويمتثلَ- أهلَ الدنيا في أمانيهم وتمنياتهم, فواللَّه إنكَ لتجدُ هؤلاءِ أكثرهم أماني وأقلهم أعمالاً, وفي المقابلِ تجدُ الصادق العامل أقلهم أمانيَ وأكثرهم أعمالاً.
- وقد حذرنا رسول الله من التدني في الأماني والأحلام، والاستسلام للعجز والكسل، ففي الحديث عنه قال عليهالصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم،وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر).
- وعلى الصاحبِ أن يصبو بين عينيهِ مقالتين رائقتين مرموقتين:
ما كلُّ ما يتمنَّى المرء يدركُهُ *** تجرِي الرياح بما لا تشتهي السفن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
يريدُ المرءُ أن يؤتى مناهُ *** ويأبى الله إلا ما يشاء
* وهذا ليسَ من هذَرِ الكلام ولا من دعِِتِه, بل آثارهُ قد يرومُ لها مآثر, ونِتاجُهُ قد يتوجُ بها رجالٌ عوالج, فإني أجد ثمارَ هذه المحاسبةِ أمورًا:
(الأول) بُغيةِ الثوابِ والجزية في قصدِ البَنيَّة, فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً) وهذا من كرمِ الله وفضلِهِ, فكيفَ بمن سعى لها وعزم؟
(الثاني) تحصيلُ البُغيةِ من مفضِي العطيَّة (جلَّ جلاله), فما يدري متمنٍ ألَّو باركَ الله في عمرِهِ, ورزقه من مناياهُ في أجلٍ ما تمناه في أجلين, (وما ذلك على الله ببعيد).
(الثالث) إنشاءُ الطويَّة لتحقيق الأهداف الرضيَّة, فإنَّ العبدَ مطالبٌ باستحداثِ الأفكارِ والنوايا, فكمْ من بليَّة أوقعتها في منيَّة, وكم هنيَّة أنشأها صادقُ النيَّة, ألا تعلمُ أنَّ إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري صنَّف صحيحه لأمنيةٍ تمنَّاها الإمام إسحاق بن راهوية حين قال بحضرةِ طائفةٍ (لو جمعتمْ كتابًا مختصرًا لصحيحِ سنةِ النبي صلى الله عليه وسلم؟) قال البخاري رحمه الله (فوقعَ ذلك في قلبي, فأخذت جمع "الجامع الصحيح").
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*واعلمْ أنَّ آخر الأمور هي المفترضةُ عليك, فما عندَكَ سوى أجلٌ واحدٌ فإن وجدتَ المنايا نائياتٍ عن فكرك ومفتكركِ بتحقيقها والسعي لتحصيلها؛ فاشغلْ نفسكَ بما به أنت ماض, واسعَ لتحقيق هدفٍ راض: تكن كمن حقَّت أهدافا؛ ونلْتَ آجالاً.
إذا غامرت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدليلُ على وجودِ أمثالِ ما قرَّرناهُ في عنواننا وهي التي أنعشتنا لكتابة هذا المقال؛ ما بوَّبه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد (باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا): عَن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ، إِلاَّ الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ ».
ورواهُ في موضعٍ آخرَ بلفظِ: « مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، إِلاَّ الشَّهِيدَ ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى ».
وَروَى البخاري رحمه اللَّه: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّى لأُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا» . فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلاَثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
* يالله! كم من متمنٍ صدَق فوجدَ ما نوى ونال كلَّ ما تمنَّاه أو بعض ما تمنَّى, ولقد أحسن القائل:
لأستسهلنَّ الصعبَ أو أدركَ المُنى *** فما انقادتِ الآمالُ إلاَّ لصابرِ
* [الأحلام تعد نقطة البداية لأي نجاح يسعى لتحقيقه الإنسان الطموح، وهي من أبرز العوامل لأي إنجاز قد يتحقق:
وما نيل المطالب بالتمني *** بل أول النيل التمني
وهذه دعوة للتمسك بالأمنيات والأحلام بعد دراستها دراسة واعية، فما قيمة المرء بغير أمنياته وتطلعاته، فما فقد الإنسان قيمته حتى فقد أحلامه،واستسلم وسلمها لواقعه، تاركًا له الفرصة كي يعيد صياغة نفسه وفق الظروف والأحوال، وهذه آفة شباب الأمة، تركوا أحلامهم بأيدي غيرهم يصوغونها ويرسمونها، فأصاب القلب من ذلك هم كبير, ولا تكن كالكسالى الذي يتمثلون بـقول القائل [لا مَن جَرِي لحقها ، ولا من نام فاتـته] اه.
* [واللهِ لنْ يدفَعَ المَنونَ..مالٌ ولا بَنونَ..ولا ينفَعُ أهلَ القُبورِ.. سِوى العمَلِ المبْرورِ..فطوبى لمَنْ سِمعَ ووَعى..وحقّقَ ما ادّعى..ونهى النّفْسَ عنِ الهوَى..وعلِمَ أنّ الفائِزَ منِ ارْعَوى..وَأنْ ليسَ للإنسانِ إلا ما سَعى..وأنّ سعيَهُ سوفَ يُرى] الحريري اه.
المصدر :http://saaid.net/arabic/499.htm
نفعنا الله واياكم
توقيع أٌميمه |
يارب مشتاقة للقاءك فلا تحرمنى من حسن الخاتمة..
لا اله الاأنت سبحانك اني كنت من الظالمين ...
لاتنسونا من صالح دعائكم ...
|
|