2
المال والولد , والصحة والقوة , والجاه والسلطان . . تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله . فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان .
يبسط الله الرزق - مع رحمته - فإذا هو متاع طيب ورخاء ; وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة . ويمسك رحمته , فإذا هو مثار قلق وخوف , وإذا هو مثار حسد وبغض , وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض , وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار .
ويمنح الله الذرية - مع رحمته - فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع , ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله . ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء , وسهر بالليل وتعب بالنهار !
ويهب الله الصحة والقوة - مع رحمته - فإذا هي نعمة وحياة طيبة , والتذاذ بالحياة . ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي , فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح , ويدخر السوء ليوم الحساب !
ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته - فإذا هي أداة إصلاح , ومصدر أمن , ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر . ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما , ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان , ويدخربهماللآخرة رصيداً ضخماً من النار !
والعلم الغزير . والعمر الطويل . والمقام الطيب . كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال . . . مع الإمساك ومع الإرسال . . وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه . وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة .
والجماعات كالآحاد . والأمم كالأفراد . في كل أمر وفي كل وضع , وفي كل حال . . ولا يصعب القياس على هذه الأمثال !
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله ! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك . ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة . ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة . وثقتك بها وتوقعهافي كل أمر هو الرحمة . والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها . وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبداً .(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال . وجدها إبراهيم - عليه السلام - في النار . ووجدها يوسف - عليه السلام - في الجب كما وجدها في السجن .ووجدها يونس - عليه السلام - في بطن الحوت في ظلمات ثلاث . ووجدها موسى - عليه السلام - في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة , كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه . ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور . فقال بعضهم لبعض: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته).ووجدها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار . . ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها . منقطعاً عن كل شبهة في قوة , وعن كل مظنة في رحمة , قاصداً باب الله وحده دون الأبواب .
ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها . ومتى أمسكها فلا مرسل لها . ومن ثم فلا مخافة من أحد . ولا رجاء في أحد . ولا مخافة من شيء , ولا رجاء في شيء . ولا خوف من فوت وسيلة , ولا رجاء مع الوسيلة . إنما هي مشيئة الله . ما يفتح الله فلا ممسك . وما يمسك الله فلا مرسل . والأمر مباشرة إلى الله . . (وهو العزيز الحكيم). . يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك . ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك .
(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها). .
وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه , بلا وساطة وبلا وسيلة إلا التوجه إليه في طاعة وفي رجاء وفي ثقة وفي استسلام .
(وما يمسك فلا مرسل له من بعده).
فلا رجاء في أحد من خلقه , ولا خوف لأحد من خلقه . فما أحد بمرسل من رحمة الله ما أمسكه الله .
أية طمأنينة ? وأي قرار ? وأي وضوح في التصورات والمشاعر والقيم والموازين تقره هذه الآية في الضمير ?!
آية واحدة ترسم للحياة صورة جديدة ; وتنشىء في الشعور قيماً لهذه الحياة ثابتة ; وموازين لا تهتز ولا تتأرجح ولا تتأثر بالمؤثرات كلها . ذهبت أم جاءت . كبرت أم صغرت . جلت أم هانت . كان مصدرها الناس أو الأحداث أو الأشياء !
التعديل الأخير تم بواسطة أبو_إبراهيم ; 2007-09-12 الساعة 1:08 AM.
توقيع أبو_إبراهيم |
قال يحيى بن معاذ:
على قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك.
|
|