وثمة مواقف أُخـر ظهرت فيها الشِّـدّة في التعامل مما يدلّ على أن الرفق واللين ليس هو التعامل السائد أو الحل الدائم .
حَـدّث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى حفصة ابنة عمر رجلاً فقال : احتفظي به . قال : فَغَفَـلَـتْ حفصة ، ومضى الرجل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا حفصة ما فعل الرجل ؟ قالت : غفلت عنه يا رسول الله فخرج . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قطع الله يدك . فَرَفَـعَـتْ يديها هكذا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك يا حفصة ؟ فقالت : يا رسول الله قلت قبل لي كذا وكذا ! فقال لها : ضعي يديك ، فإني سألت الله عز وجل أيما إنسان من أمتي دعوت الله عليه أن يجعلها له مغفرة . رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح .
وروى البيهقي مثل هذه القصة وأنها قعت لعائشة – رضي الله عنها –
والرجل المدفوع إلى حفصة – رضي الله عنها – إما كان أسيراً أو محبوساً ولم يكن له قيد .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل ، فنزعه فطرحه ، وقال :يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خُـذ خاتمك انتفع به . قال : لا والله لا آخذه أبدا ، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والنّـزع يدل على الشِّـدّة .
وعلى هذا سـار أصحاب النبي صلى الله عليه على آله وسلم في التعامل بقوّة وشِـدّة فيما يحتاج إلى الشدّة .
روى مسلم عن عمارة بن رؤيبة – رضي الله عنه – أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال : قـبّـح الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة .
وكان حذيفة بالمدائن فاستسقى ، فأتاه دهقان بقدح فضة ، فرماه به ، ثم قال : إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال : هن لهم في الدنيا ، وهي لكم في الآخرة . متفق عليه .
وهذا عبد الله بن عمر يُحدّث فيقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنوكم إليها .
فقال بلال بن عبد الله بن عمر : والله لنمنعهن !
قال سالم بن عبد الله بن عمر : فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟! متفق عليه .
ما رأيكم :
لو جاء مُدخِّـن تفوح منه روائح التدخين
أو جاء عامل ملابسه كلها زيوت أو دهانات
فأمسك بهم إمام المسجد أو المُحتَسِب ( رجل الهيئة ) ثم طردوا عن المسجد أو من المسجد !
ماذا يكون موقف المُشاهِد لذلك الموقف ؟؟؟
سيقول :
ما بالكم تُنفِّرون الناس !
إن منكم مُنفّرين
تعاملوا بلطف !
لا تُضيّـقوا على عباد الله !
ما كان الرفق في شيء إلا زانه .
وربما تلا الآية ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ )
لكن هذا الفعل أو التصرف هو ما كان يحدث في زمن النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
قال عمر – رضي الله عنه – : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخا . رواه مسلم .
يعني البصل والثوم .
قال بعض أهل العلم : وإنما يُخرجون إلى البقيع لأنه جهة المقبرة ، والموتى لا يتأذّون بتلك الروائح !
وينبغي التفريق في التعامل بين الجاهل الذي يحتاج إلى تعليم ، وبين المُعاند .
ويدلّ على ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه – ، وهو في صحيح مسلم .
والحديث مع شيء من فوائده طرحته في أحد المنتديات ، وقد وضعته في نهاية الموضوع خشية الإطالة أكثر مما أطلت .
فالحديث بتمامه وفوائده هنا :
حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه –
وما هذه إلا أمثلة لم أُرِد بها الحصـر .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم