الموضوع: النار الخفية
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2007-09-07, 7:03 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي

أخي الشاب العزيز:

قد تقول: إني أشعر بالسعادة حينما أمارس المعصية!.

لكن هل سألت نفسك: ثم ماذا؟! ماذا بعد سعادة ساعة؟! ماذا بعد نشوة لحظة؟! ألا تعلم أن هذه السعادة كسحابة صيف أو خيال طيف:

أحلامُ نومٍ أو كظلٍّ زائلٍ ** إنّ اللبيبَ بمثلِها لا يُخْدَعُ
أليس الموت بعد هذه الشهوات؟!.

أليس الموت هادم اللذات؟!.

إذن: فما قيمة هذه السعادة التي سيعقبها ندامة؟!.

ما قيمة السعادة التي سيعقبها تعاسة؟!.

يقول الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ). [الرحمن: 26- 27].

وليت الأمر توقف عند الموت! إذن لهان الأمر - وما هو بهين ورب الكعبة - ولكن الشأن كل الشأن: ماذا بعد الموت؟!:

ولو أنا إذا متنا تركنا ** لكان الموت غاية كل حي

ولكـنّا إذا متنا بعثنا ** فيسأل ربنا عن كل شيء

يقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ). [آل عمران: 185].

يقول الله تعالى: (وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً). [الفرقان: 68- 69] لا يكتفي بالعذاب فقط بل يصاحب هذا العذاب ذلٌ ومهانة، وخزي وندامة!.

فيا لله، ما أشده من موقف حينما تقف بين يدي الواحد القهار، العزيز الجبار، فيقول لك:

يا عبدي لم عصيتني في يوم كذا وكذا؟!.

لم فعلت الزنا في يوم كذا وكذا؟!.

لم جلست في المقاهي و الاستراحات تنظر إلى الحرام؟!.

لم جلست مع زملائك تشاهد الأفلام؟!.

فيا لله، ما أشده من موقف رهيب عصيب!.

وأشد من ذلك: حينما تريد أن تتنصل من ذنوبك؛ ولا ترضى بالأشهاد إلا من نفسك، فتخونك أعضاؤك التي كنت تعتمد عليها لتشهد لك؛ فإذا بها تشهد عليك!.

يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). [يس: 65] ويقول سبحانه: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). [النور: 24].

فالأفخاذ تشهد، والأيادي تشهد، والجلود تشهد، فرحماك يا إلهي، ثم رحماك.

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟!.

قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!.

قَالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ؛ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ؟!.

فيَقُولُ: بَلَى.

فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي!. فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا.

فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ؛ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ".

يقول قتادة رحمه الله: "ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه سبحانه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية".



أخي الشاب:

يا من أعطاك الله فطرة طيبة، ونفساً زكية: أتحب أن تلقى الله تعالى وأنت متلبس بتلك المعصية؟!.

أتحب أن تلقى الله تعالى وأنت أمام القنوات المفسدة؟!.

أتحب أن تلقى الله تعالى وأنت جالس مع فتاة لا تحل لك؟!.

أما تخشى سوء الخاتمة التي فزع منها الصالحون، وبكى لأجلها المؤمنون؟!.

يروى أن رجلا عشق شخصاً، فاشتدَّ كلَفُه به، وتمكنَ حبه من قلبه، حتى وقع مرض، ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشخص عليه، واشتد نِفارُه عنه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما، حتى وعده بأن يعوده، ففرح، واشتد فرحهُ، وانجلى غمه، وجعل ينتظره للميعاد الذي ضُرب له، فبينما هو كذلك؛ إذ جاءه الساعي بينهما، فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، ورغبتُ إليه وكلمته، فقال: إنه ذكرني وفرح بي، ولا أدخل مُدخل الريبة، ولا أعرض نفسي لمواقع التهم، فعاودته، فأبى وانصرف، فلما سمع البائس؛ اسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول في تلك الحال:

يا أسَلْمُ يا راحةَ العليلِ ** ويا شفاءَ المُدْنَفِ النحيلِ

رضاكَ أشهى إلى فُؤادي ** من رحمةِ الخالقِ الجليلِ

فقلت له: يا فلان، اتق الله! قال: قد كان!.

فقمتُ عنه، فما جاوزتُ بابَ داره حتى سمعتُ صيحةَ الموت.

فعياذاً بالله من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة.([4])

بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.