عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2007-09-04, 6:47 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي وأخيراً عرفت القيادة ؟
وأخيراً عرفت القيادة ؟
الكاتب : أبو عبد الله سعيد



القائد المسلم أول أوصافه : أن يكون له في الحياة الواقعية السائرة أثر وبصمة مشاركة .


فمما أكتشفه السلف أن المكانة القيادية نتيجة ، لها مقدمة من عمل . كما قيل : والناسُ أكيس من أن يُبرزوا رجلاً حتى يروا عنده آثار إحسانِ .


فالمنزلة القيادية لا تؤسسها رغبة مستشرف لها ، إنما هي مجموعة إنجازات ترفع صاحبها .
وقد تشفع وراثة أب ، أو تلمذة لعالم ، ولكنها تبقى مرجوحة ، وفي منزلة ثانية ، والأصل العصامية والإبداع والتكوين الذاتي .
وهو مفهوم أحمد بن سهل للقضية ، فعنده أن الرجال ثلاثة : سابق ، ولاحق ، وماحق .


فالسابق : الذي سبق بفضله ، واللاحق : الذي لحق بأبيه في شرفه ، والماحق : الذي محق شرف آبائه .


فالأول فقط هو الذي يتعالم من موطن قوة ، ويؤهل للصدارة ، لأنه قد وضع ختمه الخاص على منتوجه .


وأما الثاني فمكانته مجازية وتشفع له علاقته بذي شرف مضى . ونعوذ بالله من آخر لا يكتفي أن يكسل عن إضافة حتى يكون لما ورث هادماً ، وكذا النفس أحياناً إذا ارتكست ، لا يرضيها إلا أن تبالغ .


ويبدو عند التأمل أن اللاحق قد يرضى الهوينى إذا كان المبدع المؤسس حياً ، يستحي أن يتقدم بين يديه ، أو حتى أن يقارن أو يساوي ، لكنه إن رأى الساحة تشغر برحيل أبيه أو أستاذه : بادر للتعويض والحفاظ على وتيره الأداء العالي ، يحركه الشعور بالمسؤولية ، وارتفاع الحرج عنه إن احتل المقدمة ، وهو معنى ابتكره ( أرسطو ) يوم مات الإسكندر فقال : أيها الملك لقد حركتنا بسكونك .


فوراثة القادة لا تكون بنحيب ، فذلك شأن النساء ، ولا برثاء فذلك شأن الشعراء ولكن بنفضه وعزائم وحركة تتم ما بدأوه ، وتنشر ما أسسوه .


وهكذا تتحرك الحياة ، فهي في جزء منها : مجموعة مبادرات واستدراكات يتم بها اللاحق ما بدأه السابق ، ثم يزيد .


وبسبب هذه المتابعة استوى علم القيادة وتراكمت أعرافها ، فهو من علوم الخبرة التي تنمو ويكتب كل جيل سطراً في وثيقتها ، ويضيف كل قائد خطاً في صورتها ولوناً وظلاً ونوراً ، وتغدوا التجربة محوراً لتطوير مفادها وتوسيع آفاقها والتعريف بأخلاقها .
فمن فصاحة العربي قوله لما سُئل : له لك بالأمور ؟ فقال : ( إني لأنقض منها المفتول ، وأبرم منها المحلول ، وأُجيلها حتى تجول ، ثم أنظر فيها إلى ما تؤول ) .


وخلاصة ما يفتخر به ، أنه لا يلقي قوله على عواهنه ، ولا يدلي برأي قبل تعتيقه وتقليبه ، فهو يحلل ويركب ثم يرقب مستقرات الأمور بعد تحريكها ليجزم بالرأي النهائي ، وتلك هي أرفع الممارسات القيادية عند قوم يعقلون ، وبهذه الطريقة تتم صناعة القرار الجيد .
لكن طريق ذلك التشاور والمحاورة والمناظرة . إن اللبيب إذا تفرق أمره فتق الأمور مناظراً ومشاوراً .
حتى كاد التفرد أن يكون جهلاً ، وجزموا بتصنيفه عجزاً .
فقد تساءلوا : من العاجز ؟ فقيل : المعجب بآرائه ، الملتفت إلى ورائه .
والله أسأل أن ينفع القارئ والكاتب بهذه الكلمات .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مختارات من كنوز الدعاة