" الفراشة المغرورة "
لا زال الأب والأم يشجعان من حين لآخر أسماء وبلال ليحفظا كلام الله تعالى ، فأحسن هدية
يقدمها الوالدان لأبنائهما تحفيظهما كتاب الله تعالى، وكان هذا الأمر يؤرق الوالدان : كيف يمكن أن
يعيش الإنسان فوق هذه البسيطة خمسون أو ستون أو أكثر من السنين ولا يحفظ أعز كلام وأغلاه
وأنفسه، وهو كلام الله تعالى،لذالك قرر الوالدان بمشاورة أبنائهما أن يحفظوا جميعاً القرآن الكريم
وأن يتنافسوا على حفظه، ووضعوا لذالك برنامجاً بسيطاً ولكنه مستمرا ف "أفضل الأعمال إلى الله
أفضلها وإن قل "، كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم .
وكان البرنامج العائلي كالتالي :
ــ حفظ ثمن من القرآن الكريم كل أسبوع.
ــ الإستظهار يوم الخميس.
ــ المراجعة الجماعية كل يوم الجمعة والإثنين.
ــ مضاعفة الحفظ خلال العطل.
ــ جائزة محفزة ومشجعة لمن حفظ خمسة أحزاب وتسلم الجائزة في حفل بسيط تقيمه الأسرة.
وبعد الإجماع والإتفاق الأسري على البرنامج قال الأب مستدركاً : ولكن إياكم ثم إياكم أن تفرطوا في
دراستكم ومقرركم الدراسي.
الأم : نعم فالدراسة وطلب العلم فريضة مقدسة.
أسماء : لن نخيب ظنكما بنا إن شاء الله.
بلال : إن شاء الله ، ولكن من أين نبدأ الحفظ؟
الأب : من سورة الفاتحة ثم البقرة...حتى نكمل حفظ القرآن كله بحول الله وقوته.
أسماء : بعد أن اتفقنا عله هذا الأمر العظيم فلننتقل إلى قصة اليوم.
الأب : وقصة اليوم عنوانها " الفراشة المغرورة ".
الأم : من خلال العنوان يتضح لنا جليا ما المستفاد من القصة.
بلال : نعم ، فمحور القصة خلق ذميم علينا تجنبه والإبتعاد عنه.
أسماء : إنه الغرور نعوذ بالله منه.
الأب : إستيقظت فراشة ذات صباح فرحة مسرورة مليئة بالحيوية والنشاط ، وأخذت تتحرك هنا
وهناك وتجري وتطير على غير عادتها ،ثم وقفت تتأمل في حسنها وجمالها وتفوقها على أقرانها
بأنواع من الألوان المختلفة : الأبيض والأحمروالأخضر والوردي والبنفسجي ،بل وكل الألوان.
نظرت إلى أقرانها باحتقار شديد وامتلأ قلبها بالغرور والكبر فأخذت تطير وتدور معجبة بنفسها مفتخرة
على صويحباتها، فقالت إحداهن : أراك اليوم فرحة كثيرة الحركة والنشاط على غير عادتك.
أجابت الفراشة المغرورة : وكيف لا أفرح وقد فضلني الله عليكن جميعا.
صاحت إحداهن متعجبة : ماذا تقولين يا أختي؟
الفراشة المغرورة : إنني أقول الحقيقة التي غابت عنكن جميعا، إنني أفضلكن وأجملكن وقد ميزني
الله تعالى عليكن بألواني الجميلة والرائعة.
قالت فراشة ثالثة : ويحك لا تكوني مغرورة فالشرف ليس بالألوان ،بل في الدين والمروءة والأخلاق.
أجابت : لا شك أنكن تحسدنني على ما أعطاني الله.
قالت أخرى : معاذ الله يا أختاه أن نحسدك ف "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
وتدخلت فراشة أخرى :عودي إلى رُشدك ولا تتركي الشيطان يُفسد عليك دينك وأخلاقك ويُبعدك
عن أخواتك .
الفراشة المغرورة : سوف أرحل عنكن وسأعيش وحدي فأنتن لا تُناسبن صُحبتي ولا تصلُحن
لمؤاخاتي .
قالت إحدى الفراشات : لا ترحلي أرجوك فنحن في حاجة إليك وأنت في حاجة إلينا ، نعيش معا
ونأكل معا ونفرح نلعب معا ونحن جميعا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمى .
أجابتها : كلا يا صاحبة اللسان الطويل أ،ا لست في حاجة إلى أحد فأنا الأفضل والأجمل .
قالت فراشة بعد صمت طويل : أختي الحبيبة إنه لا فرق بيننا إلا بتقوى الله وحُسن الخلق ولا شك
أن الشيطان هو من يُوسوس لك ويُريد أن يعزلك ويُبعدك عنا و " إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ".
أجابتها بسرعة البرق : كلا وألف كلا ألا ترون جميعا بأعينكم ألواني الزاهية الجميلة أأنتن عمياوات ؟
قالت إحدى الفراشات : إننا نرى كل شيئ يا أختاه ، إننا نرى ألوانك المُفضلة والرائعة والجميلة ،
ولكن لا تغتري بمظهرك ولا تتكبري على أخواتك ، بل ولا تتميزي على صُويحباتك في كل شيئ .
قال المغرورة وقد تملكها الغضب والإزدراء : سوف أرحل ولن تروني أبدا وستندمون جميعا على
رحيلي وفقدي .
قالت إحداهن : لقد نصحناك و :" الدين النصيحة " ولكنك للأسف لا تُحبين من ينصحك ومن يكشف
عيوبك .
قالت أخرى : إن أخاك الحق من ينصحك ومن يريك عيوبك ف:" المؤمن مرآة أخيه ".
طارت الفراشة المغرورة وحلقت في السماء وقد امتلأت غيضا وحنقا على أخواتها وصُويحباتها .
سكت الأب قليلا وهو ينظر إلى أبنائه وهم يستمعون إليه باهتمام وبإمعان فتابع حديثه الشيق قائلا
: ذهبت الفراشة المغرورة ولم تُودع أخواتها وصُويحباتها
اللواتي تركتهن حزينات متأسفات لحالها وعلى مصيرها المجهول .
أسماء : أين ذهبت يا أبي ؟
الأب : لقد رحلت وذهبت إلى مكان بعيد لتعيش بمفردها ووحدها فرآها طاشر جميل فقصدها واتجه
نحوها فسلم عليها وخاطبها قائلا : أنت وافدة جديدة على هذا المكان ؟
أجابت : نعم لقد وصلت توا إلى هذا المكان .
الطائر : ولكنك وحيدة هنا فأين أصدقائك ؟
أجابت : لقد تركتهن وهجرتهن لأنهن حسدنني على جمالي وأناقتي وألواني الزاهية فأنا أفضلهن
وأجملهن وأحسنهن ، فهل رأيت أيها الطائر الجميل في حياتك كلها فراشة جميلة مثلي ؟
قال الطائر : يا لك من فراشة مغرورة ، ثم انقض عليها وأرداها قتيلة .
بلال : إنها نهاية الغرور .
أسماء : ونهاية من لا يستمع إلى نصائح من يُحبه ويُحب له الخير .
الأم : الغرور أخو الكبر وهما خُلقان ذميمان وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنة
من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ".
الأب : لا يتبغي ولا يجوز للمسلم أن يكون متكبرا مغرورا ، بل يجب أن يكون متواضعا فلا فرق بين
عربي وعجمي ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى .
ثم أضاف الأب : لقد قال إبليس لما أمره الله تعالى بالسجود لآدم :" أنا خير منه خلقتني من نار
وخلقته من طين " ، فكان جزاؤه أن لعنه الله وطرده من رحمته وغضب وسخط عليه عز وجل ، وقد
قال قارون أيضا ناسيا فضل الله عليه :" إنما أوتيته على علم عندي " فخسف الله به وبداره الأرض .
بلال : ومن هو قارون يا أبي ؟
لقد قص الله تعالى علينا قصته في القرآن الكريم فقال عز وجل :" إن قارون كان من قوم موسى
فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة " .
أسماء : إذن فهو من قوم موسى عليه الصلاة والسلام .
الأب : أحسنت يا ابنتي ، وقد كان تاجرا ماهرا فرزقه الله ثروة وكُنوزا وأموالا ضخمة ، حتى إن مفاتيح
خزائنه وأمواله ثقيلة حتى على الرجال الأشداء الأقوياء.
بلال : سبحان الله العلي العظيم ، رجال أشداء أقوياء لا يستطيعون حمل مفاتيح الخزائن فكيف
بالأموال والكنوز الموجودة فيها .
الأب : ورغم ذلك يا ولدي فإن قارون لم يحمد الله ولم يشكره سُبحانه وتعالى ولم يعترف بأن الله
هو الرزاق الوهاب المُعطي المنعم سبحانه فأصابه الغرور والكبر.
قاطعه بلال : ولا شك يا أبي أن نهايته ستكون مثل نهاية الفراشة المغرورة .
الأب : نعم يا ولدي ، لقد نصحه رجال مؤمنون صالحون في ذلك الوقت وقالوا له : لا تعجب بما آتاك
الله من فضله ولا تكن مغرورا متكبرا على الناس واشكر الله على فضله ونعمه وتصدق على الفقراء
والمُحتاجين .
أسماء : في كل زمان وفي كل وقت يا أبي يوجد أهل الحق الذين ينصحون الناس ويدلونهم على
الخير .
الأب : نعم يا ابنتي فالخير لا ينقطع أبدا .
بلال : وما الذي حدث لقارون ؟
الأب : لقد نصحه قومه ولم ينتصح ، قال تعالى يحكي لنا هذا الأمر :" وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ولا تكن من
المفسدين " ، ولكنه أصر على غروره واستكباره وقال قولته الشهيرة :" إنما أوتيته على علم
عندي " .
وذات يوم خرج قارون على قومه في زينة عظيمة وملابس من حرير فاخرة وخدم وحشم مُلتفون
حوله ، وأبهة لا نظير لها ، فنظر إليه بعض ضعاف النفوس والقلوب الذين يُحبون زينة الحياة الدنيا
وقالوا :" يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم " ، وتمنوا أن يكون لهم ما عند قارون .
ولكن المؤمنين الصادقين والصالحين قالوا لهم : ما هذا الذي تقولون ، إن هذا الذي فيه قارون عرض
زائل من أعراض الدنيا :" والآخرة خير وأبقى " ، وبينما قارون يمشي متبخترا مزهوا بنفسه متكبرا
متغطرسا مغرورا خسف الله به وبداره وأمواله وكنوزه الأرض ، ثم استوت بعد ذلك الأرض وكأن قارون
ما كان موجودا فوقها أبدا .
بلال : سبحان الله ،كيف انشقت الأرض وابتلعت قارون وداره وكنوزه وأمواله؟
أسماء : إنها قُدرة الله فهو سبحانه لا يُعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو الذي يقول
سبحانه للشيئ كُن فيكون .
الأم : مرة أخرى نقول :" إنها نهاية الكبر والغرور وعدم التواضع والإعتراف بفضل الله ونعمه " .
الأب : وفي النهاية قال الذين تمنوا مكانه من قبل : إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ولولا لُطف الله
وإحسانه إلينا لخُسف بنا كما خُسف بقارون وأمواله وكنوزه .
وهنا انتهت قصة اليوم وخُتمت جلسة اليوم فهيا إلى النوم لنبدأ غدا يوما جديدا إن شاء الله تعالى .
وصل اللهم وسلم على الحبيب والحمد لله رب العالمين