فلابد لك من معرفة صفة الله تعالى ثم التركيز فيها بقلبك والشعور بها! ثم تحسس أثرها في قلبك
ما التغير؟ ثم تعبد بها! كيف؟
ثم ادعه بها سبحانه ! سله بكل اسم هو له! ثم
انظر بماذا تشعر!
وجدت نفسك حين فتحت أنوار الكتاب وفهمت أنه ليس كلاما فصيحا فقط!
وصار صاحبك القرءان وفهمت ما لم يفهمه صحبك من حقوق وواجبات
من حقائق باهرات ..
فهناك حق العبودية بكل صفة له سبحانه! على كل مخلوق...فلو تيقنت!
وتعمق وترسخ لديك العلم بقدرته،
وبأن مقاليد الأمور وملكوت كل شيء والحياة والموت والرزق والنفع والمنع بيده !
وترسخ فيك كل هذا , فالنتيجة ستكون شعورا باطنيا راقيا عاليا عميقا محركا لك !
بالخضوع الداخلي والخارجي ، ويبدأ الأثر في تصرفاتك واختياراتك وطريقك وعملك ومواقفك !
واستغلالك لأوقاتك!
ولو لم يظهر ؟
وجزعت مع الصدمة؟
أعيذك من هذا
وأوصيك بالصدق وإتباع القول والعمل
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل
وهذا الأثر هو الثمرة الظاهرة ومعه تأتي الطمأنينة والإنابة والمحبة, وهي الثمرة الباطنة.
فالحياة الداخلية لقلبك – التي تختلف عن النبضات في غرفة العناية المركزة-
بيقينه وثقته وتعلقه برضوانه سبحانه ستثمر حماية القلب من الأمراض ومن الهلاك!
من الجزع والطمع والشح والهلع!
من الخواء والقلق والتوتر والذعر...
من الحزن المرضي والفرح الهوسي !
وستثمر ظاهرا حفظ البدن والأعضاء عن الدنايا والرزايا والموبقات والمفاسد !
لأنه سيصير شغوفا بالترقي مزدريا للتولي
وطالب النور مبصر مصون !
أما القانع بجهله الوالغ في غيه :
إذا أنتَ لم تُعْرِضْ عنِ الجهل والخَنَا ... أصبتَ حَليماً أو أصَابَكَ جاهل
وتثمر كذلك حفظ اللسان عن اللغو والثرثرة! نتيجة حرصك على رضا مولاك ويقينك بصفاته ،
وأن الله معك بعلمه وشاهد عليك، وخبير بما في صدرك ،
( بذات الصدور) و بما (تخفي الصدور ) ! و( يعلم خائنة الأعين! )
فلو علمت وثبت لديك بالنظر والتدبر ويقين الفطر أنه رزاق وأنه وحده يتحكم في كل شيء والأسباب
تعمل بأمره وتقف بأمره
فلن تكون هناك ذلة منك لأحد غيره
وهذا منتهى العز في الدنيا والآخرة
ومن مقتضاه أنك لن تخاف الموت وأنت صحيح !
بل تحب الشهادة:
من كان يكره أن يلقى منيته ... فالموت أشهى إلى قلبي من العسل
وبالمثل يقينك بصفات الغنى والكرم والرحمة والإحسان والجمال سيثمر أملا كبيرا وتعلقا
وحبا وجوا من البهاء والسناء والطمع في رحمته وأعمالا بأعضائك مبعثها أملك ورغبتك وتطلعك.
ومبعثها الحب والشوق لرؤية الخلاق العليم! الذي هو جميل ويحب الجمال!
وبيانه يناديك في الكتاب كأنما هو قائل لك :
أنا خلقتك وسأعينك!
ولو أخطأت سأتسامح معك لآخر لحظة في عمرك فتب إلي أتب عليك
وتعلم سبيلي أرفعك درجات عاليات !
ويأخذك القرءان كأنما نزل لك ولحالتك،
ويدرك كل فكرة تنبت فيمسكها!
ثم ينتقل للتي تليها بمجرد ما تقفز لذهنك،
وكل شعور يعالجه ويداويه! وأنت منبهر من العرض والمحتوى والتسلسل!
ومن الكشف عما بك ويجعل أنفاسك تتلاحق ...
وأنت نائم ترجو الموت الرحيم بحق :
لا تترك الذكر!
(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فتعلم من القرءان كيف تحفظ طاقتك وقلبك وعقلك وفكرك وثروتك،
ولا تستجد بها، ولا تشغف بالأمل، ولا تتهلف لاهثا...
اصبر لأمر الله ، في نومك ومرضك وكفاحك ونضالك،
ويومها ......يومها عين يقين! وتحقق تمام المعنى:
(يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون)
والمعنى متحقق يقينا من الأن
لكن تلك ساعة المعاينة ولمس الحقيقة وشهود النظر للرب تبارك وتعالى،
كما ترى القمر ليلة البدر
لطالما سمعت نداء كتابه ودعاءه وقرأت كلامه
وتفكرت وءامنت بيقين معيته لك وإحاطته بك
اليوم
تراه
اليوم تدخل الباب
باب الجنة!
الرحمة في الدنيا :
ليست بأن يقتلوك بحقنة مسممة أو ينزعوا عنك خرطوم الهواء !
ومفهوم الرحمة ليس فقط الفرج المادي ,
فالدنيا ليست منتهى الأمل وغاية المنى!
(أمرا من عندنا ...رحمة من ربك ...) سورة الدخان
هذا وهو صلى الله عليه وسلم
في جوع وظمأ وحصار وتعب وسخرية من السفهاء،
وليست من حكماء يريدون إقناعا! وهي سخرية مرة المذاق
وتكذيب من الكذابين الفجار! وهو الأمين!
فكيف يكون حسك لو لقيت هذا؟
أهذا أم نومتك في العناية المركزة؟
سبحان الله
إن كل من يتحقق من مسألة الموت الرحيم طبيبا كان أو مريضا لهو في غيبوبة وليس المريض
إن كان غافلا عن القرءان
كأن الحق يناديك :
هذا هو الامتحان ..مقامك في الأرض
..وسأكون معك ...
(فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون)
فليس معنى أنك عبد صالح أو نبي!
أني سأخرق لك السنن دوما
بل سر وسأكون معك
أنت في الامتحان
وأنا معك، ومحيط بك، وفوق كل شيء
والجزاء عندي
والنتيجة من أمري
لا تقلق
سبحان الله...
(فأسر بعبادي ليلا )
نصيحة مادية عادية
وسط الظلام والهواء والبرد والحر وكل خطر
سر
وأنا معكم
فوضوا الأمر
توكلوا علي
وثقوا بي
والجزاء لدي...
أحبابي
تعلمنا من سلفنا أن كل شيء في الدنيا قرض مسترد، ونحن محفوفون بالموت،
ولا نحفظ أنفسنا من الآفات بسبيل ، ولا وجودنا بيدنا،
بل نحن عبيد مأمورون متصرف فيهم ! لا ملاك!
ليس لنا تأثير ولا ملك حقيقي! ففيم الاعتراض؟
(أمن يجيب المضطر)!
المضطر من نفذت أسبابه/
فماذا تعلم المؤمن من السعي بين الصفا والمروة وانتهائه بمعجزة فوران بئر زمزم؟
حين تسعى وتنفذ أسبابك لا تيأس!
هذا هو الدرس ..
لم يتعلمه هؤلاء الموتى الأحياء
ينتحر الكافر حين يعجز ويضيق أو ينهار مجنونا مكتئبا!
والمؤمن لا يفعلها !
اسع وفوض واعلم أنها قد تقف قدرا!
وقد تثمر العطلة قدرا!
مولاي وربي وخالقي :
مهما كان فالحب لك باق، وأقبل البلاء، لكن أسألك العافية.. رضاك أغلى من كل شئ ...
د. إسلام المازني