عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2007-08-17, 2:41 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
الضابط الثالث: مراعاة أثر الاسم أو الكنية أو اللقب على صاحبه، أو على من كان له به صلة. ويمكن بيان ذلك فيما يلي:

أولاً: أن للاسم أو اللقب أو الكنية أثراً على صاحبه؛ وهذا أمر جاء به الشرع في صور عديدة منها:
الأولى: ما جاء في أثر ذلك في الاقتداء والتأسي والموالاة، ولهذا كان الصالحون من الأمم السابقة يسمون بأسماء أنبيائهم، والصالحين منهم؛ فعن المغيرة بن شعبة _رضي الله عنه_ قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون: "يا أخت هارون"، وموسى ٌبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدمت على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سألته عن ذلك، فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم" رواه مسلم؛ وفي حديث آخر مرفوع: "تسموا بأسماء الأنبياء" رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، وهو مما يحتج به بشواهده. وفي الصحيحين أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم".

الثانية: ما جاء في أثر ذلك في استساغة معنى الاسم أو اللقب أو الكنية، وقد يؤدي إلى التلبس بما يدل عليه؛ فقد غير النبي _صلى الله عليه وسلم_ اسم بنت الفاروق _رضي الله عنه_ من (عاصية) إلى (جميلة) كما في صحيح مسلم. ومنه ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن زينب كان اسمها (برّة)، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ (زينب). ومنه ما جاء من أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سأل (حزناً) - جد سعيد بن المسيب - فقال: (ما اسمك؟) قال: اسمي حزن. قال: بل أنت سهل). قال: ما أنا بمغير اسماً سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد. رواه البخاري.

الثالثة: ما جاء من أثر ذلك في حسن الجواب أو بشاعته، التي ربما أوقعت بعض الناس في التطير وسوء الظن بالله _عز وجل_؛ ومنه ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو. فلا يكون، فيقول: لا".

ثانياً: أن للاسم أو اللقب أو الكنية أثراً في حق من كان عرف واشتهر به. وذلك من جهة الإساءة إلى من اشتهر به.

وقد منع بعض العلماء تسمية القرى والمدن بأسماء الأنبياء؛ لِما فيه من " تعريض هذه الأسماء لمَا لا يلِيقُ بقَدْرهم، ومَنزلتهم، في مثل ما لو اشْتَجَرَ خلافٌ، أو وَقَعَتْ مُنافَسات بين أهل ومكان تلك القرى، فقد يقع في قرية، أو قرى منها مُوبِقَاتٌ، ومُنكَرات، فتُنْسَب إلى اسم النبيِّ أو الرسول الذي عُرفت به، أو سُميت باسمه القرية، أو يَسُبُّ أهل قرية، أهل قرية أخرى، وكل منهما قد تُسمَّى باسم نبيٍّ أو رسول، فيَتناول السب والأذى اسم كلٍّ مِن القريتين وهو اسم نبي أو رسول ".
و يظهر نحو ذلك في تسمي بعض الكتاب – في المنتديات - باسم عالم كبير، ويعرض اسمه وعلمه للأذى والاحتقار ممن يردون (يعقِّبون) على المتسمي بذلك.

ومن يتسمى بذلك فئتان: أهل خير، يفعلون ذلك من باب حب هذا العلم العالم؛ ولكنهم - مع ما في ذلك من تزكية النفس، وأكده بعض مشايخنا - يتسببون في تعريضه للإساءة والتنزيل من قدره، ومسبة ذوي الأهواء ممن يغيظهم ذكره، ولو فيما يكتب من الردود والتعقيبات؛ فتجده يطرح موضوعاً، ويأتي من يناقشه ويصفه بعبارات لا تليق بعوام المسلمين فضلاً عن علمائهم؛ كما تجد بعض من لا خلاق له من المتعصبة، يستخدم مثل هذه المعرفات بأسماء العلماء والمحققين في التدليس؛ فتجده ينسب إلى العالم ما لم يقله، فإذا ضيق عليه في البحث، قال: إنما قصدت فلاناً صاحبنا في المنتدى! فأي جرأة على العلم وأهله يورثها السماح بمثل هذا التسمي؟!

والفئة الثانية: قوم يعرِّفون أنفسهم بأسماء علماء الإسلام وقادة الأمة أو كناهم أو ألقابهم التي اشتهروا بها، وذلك للنيل منهم ومن علمهم، والاعتداء على الثوابت الشرعية باسمهم؛ فقد رأينا من يتسمى بأسماء الفضلاء ويأتي بمقولات لا يقبلها عامة المسلمين فضلاً عن غيرهم؛ ويكون في طروحاته على عكس من عرَّف نفسه باسمه أو كنيته أو لقبه من أهل العلم والفضل.

وعلى كلٍّ ففقه الأسماء والكنى والألقاب في الشريعة عظيم الحِكم؛ وقد نبه إلى ذلك عدد من العلماء منهم ابن القيم في مواضع، منها قوله: "لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:

وقلما أبصرت عيناك ذا لقب *** إلا ومعناه إن فكرت في لقبه"

(زاد المعاد: 2/336).

فإذا علم أن هذا الاسم سيعرف به من تسمى به، ويلازمه و يرتبط بشخصيته، وقد يسبب له من الضيق والإحراج ما يجعله يضيق به مستقبلا؛ علم شأن هذا الضابط، وأهمية مراعاته. فينبغي تقليب الاسم أو الكنية أو اللقب على وجوه عدة، في ذاته، و معانيه وإيحاءاته، ومدى مناسبة الكنية إذا تكنى بها، واللقب إذا تلقب به؛ وعند الحيرة ينبغي له أن يستشير من يثق به في ذلك.

والخلاصة: أن الأمر مضبوط في شريعة الله، وأن الأصل في التسمي والتكني المشروعية والجواز؛ ما لم يتضمن ذلك أمراً محذوراً في الشرع، فحكمه حينئذ المنع، إما تحريما إن كان المحذور من باب المحرمات على اختلاف درجاتها، كالتعبيد لغير الله تعالى أو تعظيم الكفرة والملحدين والفجرة والظالمين والفسقة، أو الترويج لأفكارهم وشعاراتهم ومعتقداتهم، وإما كراهة إن كان المحذور من باب المكروهات، كتضمنه تزكية للنفس أو قبحا في المعنى. والله تعالى أعلم.