سبحان الله ، ما كنت لأتصور ردود فعل الاخوات الطيبات في المسجد حينما علمن انني جديدة في الاسلام ، وكيف أنهن عاملنني باحترام شديد ، وبذلن ما في وسعهن لمساعدتي ، فكانت ثمرة جهودهن أنني ولله الحمد تعلمت الصلاة على الشكل الصحيح ، وكذلك تعلمت قراءة القرآن .
أول مرّة وقفت فيها بين يدي الله تعالى ، لم أستطع تكملة صلاتي من شدة البكاء ، يومها أبكيت جميع الحاضرات ، لم أكن لأصدق أنّ الصلاة صلة بين العبد وربّه إلا حينما جرّبت ذلك ، كنت أشعر أنّني بين يديه تعالى ، وعند سجودي ما كنت أودّ أن أقوم منه،يا الله كم أنا في نعمة ، أين كنت وأين أصبحت ، هذا من فضلك يا الله.
كل هذا واهلي لم يكن لديهم اي علم باسلامي ، وعندما بدأت الصلاة في البيت ، كانت امي قد سافرت الى والدي واخي في الهند ، وبقيت في هونغ كونغ لوحدي ، لذلك لم اواجه في حينها اي مشكلة في ممارسة الفرائض من صلاة وصيام.
ولكن بعد مرور اشهر من دخولي الاسلام ، أهدتني أخت لي في المسجد حجابا وطلبت مني أن أجربه ، حملته والاخوات يراقبنني بتلهف ،و وضعته على رأسي ، وضعت تاج المرأة المسلمة ، ونظرت لنفسي في المرآة ، هل هذه أنا؟ وسقطت دمعة حارة ، كيف لي أن انزعه بعد أن وضعته؟ هو فرض على كلّ مسلمة، وأنا اليوم عليّ أن آتي بكل الفرائض ، كيف لي ان انزع بيدي تاجا توّج رأسي ،لا ، منذ اليوم لن أخرج من غير حجاب أبدا ، بل منذ هذه اللحظة ،وقررت ارتداءه، وبارتدائي لتاج المرأة الاسلامي والذي هو شعار المرأة المسلمة ، كان بمثابة تصريح واعلان عن اسلامي للآخرين.
الحمد لله لا يوجد احد من عائلتي في هونغ كونغ ، ولكنني كنت أتهيّب من مقابلة أحد يعرفني ويعرف عائلتي ، فكنت كثيرا ما اكون مرتبكة وانا اسير على الطريق خوفا من مفاجأة احدهم لي ، وكنت على يقين ان المواجهة آتية لا محالة .
وذات يوم قابلت في طريقي صديقة اختي ،التي نظرت الي باستغراب ثم بامتعاض. لم اهتم لنظراتها ، ولم اكن لأهتم برأي احد ممن هم في هونغ كونغ ، أنا على يقين أنني على صواب ، وأنا فخورة بإسلامي، لكن اكثر ما كان يهمني هو ماذا ممكن ان يفعل اهلي عندما يعلمون باسلامي؟
بعد مقابلتي لصديقة اختي بايام قليلة ، اتصل بي والدي وطلب مني الحضور فورا للهند ، طبعا ، عرفت ما وراء طلبه هذا، خاصة انه صرّح أنّ عليّ الزواج بأسرع وقت من عريس هندوسيّ تقدم لي، وما كنت لأوافق على الذهاب ابدا ،كيف أذهب وأنا على معرفة بما يمكن أن ينتظرني هناك حين وصولي ؟ فوالدي ما كان ليتصل إلا بعد أن تناهى إلى مسامعه خبر دخولي للاسلام ، واعرف ما هي فكرتهم عن هذا الدين وعمن يدينون به. كان لا بدّ لي من الرفض ، ورفضي جعل والدي يتيقن أن ما سمعه كان صدقا ، ورفضت متعللة بالدروس وقرب الامتحانات ، ولكنه لم يكن ليقنعه جوابي هذا ، وقرر أن يأتيني هو.
قرار قدومه وقعت عليّ كالصاعقة ، يا رب... ماذا أفعل؟ أنقذتني من نارالكفر فانقذني من نار أبي.
واحترت في امري.. ماذا سأفعل الآن؟ وكيف سأواجهه؟ هل سيتقبل اسلامي؟ وماذا لو لم يتقبله؟
أسئلة كثيرة كانت تقضّ مضجعي وترافقني نهاري ، كنت أقوم الليل متضرعة إلى الله تعالى أن ينقذني ، ليس خوفا على نفسي ، لكن خوفا على إسلامي ، فقد كنت جديدة العهد به.
لم يستطع والدي العودة الى هونغ كونغ فور اتخاذه هذا القرار ، وهذا ما ترك لي فسحة من الوقت للتصرّف، وكنت قد سمعت عن اخت هندية كانت مثلي تدين بالهندوسية قبل اسلامها ، وحاولت سابقا التواصل معها ولكن لم اجد منها اي ردّ.
ولكن ، الله لطيف دائما وابدا بعباده المخلصين ، وعندما اشتدّت بي الأزمة وتفاقمت ، وشعرت ان لا ملجأ ولا منجى الا الى الله تعالى ، وصلني رد الاخت زوافيرة ، وكانت رسالة النجاة لي.
الاخت زوافيرة اخبرتني في رسالتها انها قد تركت هونغ كونغ وذهبت الى بريطانيا فارّة بدينها وبولديها ، حيث التحقت بالعمل كمشرفة في معهد اسلامي في نوتنغهام ، ودعتني الى القدوم اليها وحذرتني من مواجهة اهلي باسلامي . وهكذا كان ، حزمت ما خفّ من المتاع وهرولت مسرعة لبريطانيا ، كنت في سباق مع الزمن ،لذلك ، لم أنتبه إلى أنّ عليّ قطع تذكرة سفر ذهاب وإياب ، وإحضار مبلغ من المال يكون كافيا لاقامتي ، و ما ان وصلت مطار هيثرو حتى وجدت ان الامر لم يكن بهذه السهولة ، ورفض اعطائي تأشيرة دخول للبلد ، مع أنني املك جواز سفر من هونغ كونغ ، يخوّلني دخول بريطانيا متى اردت ، واعادوني من حيث اتيت، متحججين أنني ما أتيت إلى بريطانيا الا للبقاء فيها للأبد ، وحجتهم على ذلك عدم حيازتي لتذكرة العودة ، ناهيك عن أن المبلغ الذي أحمله لا يخولني الانفاق على نفسي اثناء اقامتي وكذلك شراء تذكرة العودة عند انتهاء الزيارة.
كيف لم انتبه إلى هذه الأمور قبل أن اخطو هذه الخطوة؟ كلّ هذا سببه السرعة بالهرب من مقابلة والدي. الآن علي العودة وقد تكون المواجهة.
مشاعر كثيرة انتابتني وأنا أنتظر في المطار قرار الرفض، مزيج من خوف وقلق واضطراب ، ناهيك عن التعب والساعات الطويلة التي امضيتها في المطار،وسؤال واحد يتردّد في خاطري الى اين اذهب ؟ والدي لابد ان يكون قد وصل هونغ كونغ الآن ،و عرف بهروبي ، فالله المستعان، والتجأت الى الله ، وسألته بتضرّع أن ينقذني مما أنا فيه ، ووصلت هونغ كونغ ولم يكن باستطاعتي العودة الى بيتي خوفا من مواجهة أبي، فهو لابدّ أنّه قد وصل البلد وعلم بهروبي ، وأظنّ أنّه بدأ البحث عني ، ولذلك كان لامفرّ من تغيير السكن ، فسكنت مع اخت مسلمة لمدة شهرين، وكنت خلال هذين الشهرين اخفي نفسي عن العيون بجلباب ونقاب .
ولم اعرف إلى متى سأبقى على هذا الحال ، وبقيت على اتصال مع الاخت زوافيرة ، التي كانت تشجعني على الثبات والصبر ، وأغرتني بمعاودة القدوم إلى بريطانيا ، لكن بعد تفكير وتدبر.
وفي شهر رمضان المبارك ، شاء الله تعالى لي أن أعاود الكرة ، والحمد لله رب العالمين ، توّجت محاولتي بالنجاح ، وها أنا الآن أدرس في هذه الجامعة ، وأسكن فيها ، وقد منّ الله تعالى عليّ بعطف الأخت الطيبة زوافيرة فكانت لي بمثابة الأم التي فقدتها ، وابنتها بمثابة الاخت الصغرى وابنها بمثابة الأخ.
الآن وأنا هنا أشعر ولله الحمد أن إيماني أصبح أقوى من الأول ، فلم أعد أكتفي بتلاوة القرآن كما كنت في هونغ كونغ ، بل بدأت أقرأ عن الاسلام وعن تعاليمه.
لا أستطيع الانكار أنني اشتاق كثيرا لأهلي ، وأنهم دائما ببالي وفكري ، وكثيرا ما أهتف ليلا منادية أمي ، لكن ...اسلامي هو الاهم ، والله سبحانه وتعالى يبتلي المسلم ، ويرسل العون . الله سبحانه وتعالى حرمني من الاهل الحقيقيين ، ولكنه عوضني بأهل في الاسلام ، معلماتي ، صاحباتي ، كلهن أهلي وأنا أشعر بينهن بالراحة والحب والامتنان، فالحمد والشكر لك يا الله على نعمتك ورحمتك ولطفك بي.
انا لن أنسى أهلي ، وان شاء الله تعالى سيأتي اليوم الذي استطيع فيه أن اواجههم باسلامي ، وان ادعوهم اليه واشرح لهم كم الاسلام رائع وليس مثلما كنا نظنه ويصورونه لنا .
لقد وجدت في الاسلام ما لم أجده في ديانتي السابقة وهذا مؤكد ، لأنه دين الله تعالى أما الآخر فهو دين الشيطان .
وجدت في الاسلام السلام والرحمة ، وحسن التعامل مع الآخرين ، وجدت فيه جواب كلّ سؤال قد يخطر على بال ايّ انسان ، وهذا طبعا لأنه من عند خالق الانسان وصانعه .
الاسلام كرّم المرأة ورفع من شأنها ، وان هو طلب منها لبس الحجاب والتستر فهذا لأجلها هي ولأجل مجتمع سليم ، وحضّ على الابتعاد عن الاختلاط وحافظ على الاسرة .
مهما تكلّمت عن الاسلام فسيبقى قليل قليل.
كلمة أخيرة : ارجوكم ، اسألوا الله تعالى لي الثبات ولأهلي الهداية ولعائلة الاخت زوافيرة بالتوفيق .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(قصة حقيقية).