عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 8  ]
قديم 2007-08-04, 2:08 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
صلة ابن أشيم:
كان من العبّاد، والمجاهدين المحتسبين، زوج العالمة العابدة، معاذة العدوية.
قالت معاذة العدوية: ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلا حبوًا، يقوم حتى يَفْتر في الصَّلاة.
وعن حماد بن زيد العبدي، أن أباه أخبره، قَالَ: خَرَجْنا في غزوةِ إلى كابل، وفي الجيش صلة بن الأشيم، قَالَ: فترك النَّاس عند العتمة ثم اضطجع، فالتمس غفلة النَّاس، حتى إذا قلت هدأت العيون، وثب فدخل غِيضة قريبًا منه، ودخلت في إثره، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح، قَالَ: وجاء أسدٌ حتى دنا منه، فصعدت في شجرة، قَالَ: أفتراه التفت إليه أو عذبه حتى سجد، فقلت: الآن يفترسه، فلا شيء! فجلس ثم سَلَّم، فقال: أيها السَّبع، اطلب الرزق من مكان آخر؛ فَولَّى وإن له زئير، أقول: تصدع الجبال منه، فما زال كذلك يصلي حتى إذا كان عند الصبح، جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله، ثم قَالَ: اللهم إني أسألك أن تجرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة، ثم رجع فأصبح، كأنه بات على الحشايا، وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.
وقد ضرب أعظم المثل في الصبر، والاحتساب - رحمه الله -.
عن ثابت البناني قَالَ: إِنَّ صِلَة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابن له، فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، فاجتمعت النِّساء عند امرأته معاذة العدوية، فقالت: مرحبًا إن كنتن جئتن لتهنئنني! فمرحبًا بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.

الربيع بن خُثَيْم:
المخبت الورع، المعترف بذنبه، المفتقر لربه، أحد العبّاد الزهاد.
وكان الربيع بن خُثَيْم: إذا دخل على عبد الله بن مسعود، لم يكن عليه إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه، فقال له عبد الله: يا أبا يزيد لو رآك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.
وكان - رحمه الله - عظيم الصبر، سريع الاحتساب.
خرج الربيع بن خُثَيْم يوما فلما انتهى إلى مسجد قومه، قالوا له: يا ربيع لو قعدت فحدثتنا اليوم، قَالَ: فَقَعَد، فجاء حجر فشجه، فقال: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف.
وكان الرَّبيع إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ يقول: أصبحنا ضُعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا.
وكان - رحمه الله - عظيم التأثر، سريع الاعتبار.
قَالَ إبراهيم التيمي: حدثني من صحب ربيع بن خُثَيْم عشرين سنة، أنه ما تكلم بكلام منذ عشرين سنة، إلا بكلمة تصعد، وما سمع منه كلمة عتاب.
وكان الرَّبيع بعدما سَقَطَ شِقه؛ يهادي بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله يقولون: يا أبا يزيد، لقد رخص الله لك، لو صليت في بيتك؟! فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي حي على الفلاح، فمن سمع منكم ينادي حي على الفلاح؛ فليجبه، ولو زحفًا، ولو حبوا.
وكانت أم الربيع بن خُثَيْم تنادي ابنها الربيع، فتقول: يا بني! يا ربيع! ألا تنام؟! فيقول: يا أمّاه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات؛ حق له أن لا ينام، فلمّا بلغ ورأت ما يلقى من البكاء، والسَّهر نادته، فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلًا؟ فقال: نعم يا والدة، قد قتلت قتيلًا، قالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى يُتحمل على أهله فيعفون؟ والله لو يعلمون ما تلقى من البكاء، والسَّهر بعد؛ لقد رحموك، فيقول: يا والده! هي نفسي.
وقالت ابنة الربيع للربيع: يا أبت لم لا تنام والناس ينامون؟ فقال: إن البيات في النار؛ لا يدع أباك أن ينام.
قيل للربيع ابن خُثَيْم: ألا ندعوا لك طبيبًا؟! قَالَ: أَنْظِروني فتفكر ثم قَالَ: " وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا " قَالَ: فذكر حرصهم على الدُّنيا ورغبتهم، وما كانوا فيها، وقال: قد كانت فيهم أطباء، وكان فيهم مرضى، فلا أرى المداوي بقى، ولا أرى المداوى، وأهلك النّاعت والمنعوت، لا حاجة لي فيه.
عن أبي وائل قَالَ: خرجنا مع عبد الله بن مسعود، ومعنا الرَّبيع بن خُثَيْم، فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النَّار، فنظر ربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفُرَات؛ فلمّا رأى عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية {إِذَا رَأَتْهُم من مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)} [سورة الفرقان: 12-13] قَالَ: فصعق الرَّبيع؛ فاحتملناه فجئنا به إلى أهله، قَالَ: ثم رَابطه إلى المغرب فلم يفق، ثم إنه أفاق؛ فرجع عبد الله إلى أهله.
وعن عبد الرحمن بن عجلان قَالَ: بِتُّ عند الرَّبيع بن خُثَيْم ذات ليلة، فقام يُصَلِّي فمر بهذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذين اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)}[سورة الجاثية: 21]
فمكث ليلته حتى أصبح، ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاءٍ شديد.
وكان الرَّبيع يقول: أكثروا ذكر هذا الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله، ولما احتضر الربيع؛ بكت ابنته، فقال: يا بنية، لم تبكين؟ قولي: يا بشراي أتى الخير.

عطاء بن أبي رباح:
الإمام العلم، فقيه الحرم، مفترش الجنبين لا يعبأ بالألم، الذي دَلَّ عليه ابن عمر لما نزل البيت مستلم.
عن سعيد بن أبي الحسن البصري قَالَ: قَدِمَ ابن عمر مكة، فسألوه. فقال: تجمعون لي المسائل؛ وفيكم عطاء بن أبي رباح.
قَالَ ابن جريج: كان المسجد فِراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن النَّاس صَلاة.
قَالَ الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك، وهو جالس على السَّرير، وحوله الأشراف، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبد الملك، قام إليه وسلم عليه، وأجلسه معه على السَّرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد ما حاجتك؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك، فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك، وقال: يا أبا محمد، إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قَالَ: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشَّرَف، هذا وأبيك السُّؤدد.
وعن عَطِاءٍ قَالَ: لو ائتمنت عَلَى بَيْتِ مَالٍ لكنت أمينًا، ولا آمن نَفْسِي على أَمَةٍ شَوْهاء.
قُلت -أي الذَّهبي: صدق - رحمه الله - ففي الحديث؛ "أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ.
وعن ابن جريج قَالَ: لَزِمت عطاء ثماني عشرة سنة، وكان بعد ما كبر وضعف، يقوم إلى الصَّلاة فيقرأ مئتي آية من البقرة، وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك.
قَالَ عمر بن ذر: ما رأيت مثل عطاء بن أبي رباح، وما رأيت عليه قَمِيصًا قط، ولا رأيت عليه ثوبًا يساوي خمسة دراهم.

الأسود بن يزيد:
كان مجتهدًا في العبادة، يصوم حتى يخضر جسده ويصفر، وكان علقمة بن قيس يقول له: لم تعذِّب هذا الجسد؟! فيقول: راحة هذا الجسد أريد، فلمّا احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قَالَ: مَالِي لا أجزع؟! ومن أحق بذلك مني؟! والله لو أتيت بالمغفرة من الله - عز وجل -؛ لهمني الحياء منه مما قد صنعته، إن الرجل ليكون بينه وبين الرَّجل الذنب الصغير، فيعفو عنه؛ فلا يزال مستحيًا منه. ولقد حجَّ الأسود ثمانين حجة.

طاوس بن كيسان:
الفقيه إمام أهل اليمن النُّجباء، طاوس الزُّهاد والعلماء.
عن داود بن إبراهيم، أن الأسد حبس النَّاس ليلة في طريق الحج، فدق النَّاس بعضهم بعضًا، فلمّا كان في السّحر ذهب عنهم؛ فنزل النَّاس يمينًا وشمالا، وألقى النَّاسُ أنفسهم فناموا، وقام طاووس يُصلِّي، فقال رجل لطاووس: ألا تنام فإنك نصبت الليلة؟ قَالَ طَاووس: وهَلْ يَنَامُ السَّحر.
وكان لطاووس طريقان إلى المسجد، طريق في السُّوق، وطريق آخر، فكان يأخذ في هذا يومًا وفي هذا يومًا، فإذا مرَّ في طريق السُّوق فرأى تلك الرؤس المشوية؛ لم ينعس تلك الليلة.
وكان طاوس يجلس في بيته، فقيل له في ذلك فقال: حيف الأئمة وفساد النَّاس.
قَالَ مجاهد لطاوس: يا أبا عبد الرحمن! رأيتك تصلِّي في الكعبة، والنبي - عليه السلام - على بابها، يقول لك: اكشف قناعك، وبين قراءتك، قَالَ: اسكت لا يسمعن هذا منك أحد، حتى تخيل إليه أنه انبسط من الحديث.
أتى طاوس رجلا في السحر، فقالوا: هو نائم، قَالَ: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر.
قَالَ رجل لطاوس: ادع الله لنا، قَالَ: ما أجد في قلبي خشية فأدعو لك.
توفي طاوس بالمزدلفة أو بمنى، فلما حمل أخذ عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب بقائمة السَّرير، فما زايله حتى بلغ القبر.

محمد بن واسع:
الإمام العامل، والخاضع الخامل، أدمى الحزن قلبه، ما قعد ولا قام مقام سوء حتى لقي ربه.
قَالَ سُليمان التيمي: ما أحد أحب أن ألقى الله بمثل صحيفته، مثل محمد بن واسع.
وعن ابن واسع: إن الرَّجل ليبكي عشرين سنة، وامرأته معه لا تعلم.
وقال جعفر بن سليمان: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة؛ غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع، كان كأنه ثكلى.
قَالَ حماد بن زيد: قَالَ رجل لمحمد بن واسع: أوصني، قَالَ: أُوصِيك أن تكون ملكًا في الدنيا والآخرة، قَالَ: كيف؟ قَالَ: ازهد في الدُّنيا.
وعنه قَالَ: طُوبى لمن وجد عشاء ولم يجد غداء، ووجد غداء ولم يجد عشاء، والله عنه راضٍ.
قَالَ ابن شوذب: قَسَم أمير البصرة على قرائها، فبعث إلى مالك بن دينار؛ فأخذ، فقال له ابن واسع: قبلت جوائزهم؟ قَالَ: سَلْ جُلَسَائي، قالوا: يا أبا بكر اشتر بها رقيقًا فأعتقهم، قَالَ: أنشدك الله أقلبك السّاعة على ما كان عليه قبل أن يجيزك؟! قَالَ: اللهم لا، قَالَ: أَيُّ شيء دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله محمد بن واسع.
قَالَ ابن عيينة: قَالَ ابن واسع: لو كان للذنوب ريح ما جلس إليَّ أحد.
قَالَ الاصمعي: لما صاف قتيبة بن مسلم للترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع، فقيل: هو ذاك في الميمنة، جامح على قوسه، يُبصبص بأصبعه نحو السَّماء، قَالَ: تلك الإصبع أحب إلي من مائة ألف سيفٍ شهير، وشابٍ طرير.
قَالَ ابن واسع وهو في الموت: يا إخوتاه تدرون أين يُذهب بي؟ والله إلى النّار، أو يعفو الله عني.
وقال: يكفي من الدُّعاء مع الورع، يسير العمل.
وعن محمد بن واسع، وقيل له: كيف أصبحت؟ قَالَ: قَرِيبًا أجلي، بعيدًا أملي، سيئًا عملي.
وقيل اشتكى رجل من ولد محمد بن واسع إليه، فقال لولده: تستطيل على النَّاس، وأمك اشتريتها بأربع مائة درهم، وأبوك فلا كثر الله في المسلمين مثله، وقيل: إنه قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ أَبْكَاكَ قَط سَابِق عِلْم الله فِيك؟!
وعن أبي الطيب موسى بن يسار، قَالَ: صحبت محمد بن واسع إلى مكة، فكان يصلي الليل أجمعه، يصلي في المحمل جالسا، ويومئ