* حكم النقد غير البناء:
النقد غير البناء أو تصيد عيوب الناس وزلاتهم لا يجوز ، وذلك لأنه لا يخلو أن يكون فيه واحدٌ من الأمور التالية :
1- الغيبةُ ربما يكون النقد غير البناء غيبةً ، وتعلمون حكم الغيبة ، فهي من كبائر الذنوب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : (( ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ )) قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ: (( إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ )) .
2- البهتانُ وذلك بأن تذكر عيوباً أو أخطاء ليست في المنقود فيكون بهتاناً.
3- تتبع عورات المسلمين والتجسس والتحسس وقد جاء في الحديث ((إنَّك إنْ تَتَبَّعْتَ عَوْرَاتِ المسلمين أَفْسَدْتَهُمْ)) أبو داود.
4- سوء الظن وقد قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)) (سورة الحجرات: 12) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) .
5- الحسدُ وتعلمون أنه يأكلُ الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطبَ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا)).
6- إيذاء المسلم والظلم له وقد جاء في الحديث: ((المُسْلِمُ أخُوْ المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَسْلِمُهُ)) متفق عليه .
وفي الحديث الآخر: ((المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُوْنَ مِنْ لِسَانِهِ ويَدِه)) متفق عليه.
7- احتقار المسلم والسخرية به وقد جاء في الحديث: ((المُسْلِمُ أخُوْ المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَحْقِرُهُ ولا يَخْذُلُهُ)) مسلم .
(( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ)) هل سمعت أيها الأخ الكريم لن تخرج من واحدة مما سبق إذا كان نقدُك من الصنف المذكور.
* مظاهـر النقد غير البناء
1- من مظاهر هذا العرض أن الناقد لا يهتم بالقضية محل النقد ، وإنما يركز اهتمامه على الشخص المنقود ، وليت تركيزُه على الجوانب الشخصية المتعلقة بالقضية المنتقده لهَانَ الخَطْبُ ، ولكن الذي يحصلُ أنه يتعرض لأمورٍ شخصيةٍ لا مدخل لها في القضية ، فهذا الشيخُ مثلاً جيدٌ لولا طريقةُ نطقه للحروفِ ، والشخصُ الفلاني - بمجرد خطأ بدر منه - يُتَكَلَّمُ فيه ، ويُؤْكَلُ لحمُهُ ، بل وتُنْشَرُ بما يُسمّى بملفِه الشخصيِّ السريِّ وهكذا.
2- التعرضُ للنيات : بحيث يربط بين الخطأ وبين قصد المخطئ ، فمثلاً أخطأ إنسانٌ في شيء ما فيأتي هذا المنتقدُ ، ويقول : هذا قصده كذا ، ويقصد من وراء خطئه كذا ، و يتدخل في نية الشخص ، ويحملها ما تحتمل وما لا تحتمل مع أنَّ النية لا يعلمها إلا الله.
3- ذكرُ الانتقادت من غير أدلةٍ أو مظاهر ؛ إنما مجرد مزاج ، بحيث يتهم فلاناً بالانحراف ، أو الانتكاس ، أو أي شيء آخر ، فإذا قيل له : ماذا لاحظت عليه ؟ كيف توصلتَ إلى هذه النتيجة ؟ لم يُبرِزْ لنا دليلاً أو مظهراً ، وإنما يقول : هذا حدس ، وتوقع وفراسة ، وفراستي لا تخطئ ، وربما أبرز لنا حججاً لكنها واهية جداً ، وربما بنى انتقاده على توقعات منه، وتحميله الكلامَ المنتقد أكثر مما يحتمل .
4- تتبعُ العثرات وتجميعها حتى يكونَ كالذباب ، لا يقع إلا على الجرح ، وهذه عادة بعض الناس ، يَغفل عن الحسنات ، ويكون همُّه تتبعَ الثغرات ، وتجميعَها ، ومثل هذا لو كان نقدُه بناءً لما حصر نفسَه في المعايب فقط.
5- تضخيمُ هذه الانتقادات ، وإعطائها أكبر من حجمها ، قد يكون الشيءُ المنتقدُ خطأ فعلاً ، لكنه لا يستحق كلَّ هذه الهالة الذي يعطيها إياه المنتقدُ ، ويمكن أن يُعالجَ أو يُنتقدَ بأيسرَ من ذلك ، لكن بعضُ الناس يتفنن في تضخيم جانب الخطأ، ويُعطيه أكبرَ مِنْ حجمِهِ، وهذا خطأ.
6- الإلحاحُ في علاجها، أو زوالِها بالكلية مع عدم التقديرِ لواقع المجموعة، قد تُوجَد بعض الأخطاء ، ولا يسلم أحدٌ من خطأ، فيأتي هذا المنتقدُ، ويثنها وهذا إلى هذا الحد جيدٌ. ولكن الذي يحصل هو أن يلح على زوال تلك الأخطاء، أو علاجها بسرعة، وربما كان بعض الأخطاء لا يُستطاعُ علاجُه ، أو إزالتُهُ بسرعة ، وإنما يحتاج إلى وقت وتدرج.
7- الحكمُ والتقويمُ من خلال هذه الانتقادات، وعدم الموازنة بينها وبين الحسنات، بعضُ الناس بمجرد أن يعلم خطأ عن فلان يصف هذا المخطئ من خلال هذا الخطأ ، وربما عدّه صفراً أو وبالاً على الأمة لمجرد هذا الخطأ، أو آخر مثله .
فمثلاً قد يخطئ عالمٌ في فتوى أو أكثر؛ فيُنتقََد عليها ويُردُّ عليه هذا الإشكال منه ، ولكن الإشكالُ عندما يُلغي هذا من قائمةِ العلماء ، أو من قائمة الأئمة لمجرد هذا الخطأ ، ثم تُجمَعُ أخطاؤُهُ ويُشهَر به ، وربما قيل : إنّه من الرزايا والبلايا التي أصيبت بها الأمة . لماذا ؟ لأنه أخطأ بعض الأخطاء ، ويُنسى دورُه وجهادُه ، وعلمه وما قدم للإسلام والمسلمين، لاشك أن هذا خطأ في النقد.
8- نشرُها والتلذذ بالتحدث عنها ، وإقناعُ الآخرين بوجودها ، لأنَّهُ ربما هو الذي انتقدها وأظهرها، فمتى بيَّن صحة نقده لا بد أن ينشر هذه الأخطاء ، ويتلذذُ بنشرها، ولو كان نقدُه بناءاً لم يشمت بأخيه ، ويفرحْ لأخطائه.
9- تحريضُ بعضِ الشباب على تصرفات معينة ، بحجة هذه الأخطاء المزعومة ، كأن يكون مع تجمع شبابي مع مجموعة ما ، فلأنه انتقد بعض الأخطاء كما يزعم ولم يُستجيب ولم تُعالج يبدأ يثير البلبلة في هذا التجمع ، ويبدأ محاولة تخريب هذه المجموعة إلى أحزاب ، ويستجلب المناصرين له ليناصروه في رأيه فإذا ما استطاع ذلك بدأ يحرضهم على التمرد ، وعلى المعارضة ولو كان نفده بناءاً لم يفعل مثل هذا.
10- التغافلُ عن عيوب نفسه ، والتماس المعاذير لنفسه ، لأنه اشتغل عن عيبه بعيوب الناس ، وإذا نُبِّهَ إلى خطأٍ عنده بدأ يفلسف هذا الخطأ، ويبحث له عن مخرج.
11- استغلال أي خطأ من المنتقَد ليدعم وجِهة نظره وصحة انتقاده ، لأنه انتقد أخطأ معينة ، وربما صنف المنتقد تصنيفاً معيناً، لذلك تجده يحاول إقناع الآخرين بصحة ما قال : وهذا يجعله يستغل أي خطأ ليبرهن الآخرين أن ما قاله عن هذا الشخص صحيح : فيقول لهم : انظروا أو اسمعوا ماذا قال هذا يدل على ما قلته لكم سابقاً وهكذا