الفصل السابع
آداب الجماع
الشريعة الإسلامية الغراء بينت لنا أفعالاً وآداباً تتعلق بالجماع منها ما يستحب فعله ومنها ما يكره فعله:
* فمن الأفعال المستحبة ما يلي:
(1) يستحب للزوج حين يأتي أهله أن يقول كما أوصى رسول الله في الحديث الصحيح قال: " لو أن أحدكم أتى أهله وقال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن قضي بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبداً [رواه البخاري]
(2) يستحب الوضوء بين الجماعين لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا فإنه أنشط للعود )) [رواه مسلم وغيره]
(3) الوضوء قبل النوم لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة [رواه الشيخان] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال:((نعم. إذا توضأ)) [رواه الشيخان]
وفي رواية: (( نعم، ويتوضأ إن شاء )) وفي رواية: (( ثم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء )).
وعن عمار بن ياسر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمضمخ بالخلوف، والجنب إلا أن يتوضاء " [رواه أبو داود]
(4) جواز التيمم بدل الوضوء: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم. [البيهقي بإسناد حسن]
(5) جواز اغتسال الزوجين معاً: لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان [رواه الشيخان]
* ومن الأفعال المكروهة ما يلي:
(1) نشر أسرار الاستمتاع لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها " [رواه مسلم وغيره]
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم (انتهى من صلاته) أقبل علينا فقال: " مجالسكم. هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه، وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا وكذا؟ " فسكتوا، فأقبل على النساء فقال: " هل منكن من تحدث؟ " فجثت فتاة كعاب (أي شابة) على إحدى ركبتيها وتطالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع كلامها فقالت: والله إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن، فقال عليه الصلاة والسلام:" هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون " [رواه أحمد وأبو داود]
(2) تحريم إتيان المرأة في الدبر:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
. ومن الأحاديث التي تدل على تحريم ذلك:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت قال: " ما الذي أهلكك؟ " قال: حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئاً، فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: " أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة " [رواه النسائي والترمذي وحسنه]
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) [رواه أصحاب السنن]
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ملعون من يأتي النساء من محاشهن " أي أدبارهن [رواه أحمد وأبو داود]
لا شك أن إتيان الدبر فعل قبيح نهى عنه الشرع، فهو بجانب حرمته مضر بالجسم صحياً ونفسياً، لمخالفته للطبيعة البشرية يقول الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد):... فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ولم يخلق له، وإنما الذي هيء له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً، وأيضاً فإنه مضر بالرجل، ولهذا نهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرح خاصية في اجتذاب الماء ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي.. وأيضا يضر من وجه آخر وهو إحواجه إلى حركات متعبة جداً لمخالفته للطبيعة.. وأيضاً فإنه محل القذر والنجس فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه- وأيضاً فإنه يضر بالمرأة جداً، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية المنافرة... وأيضاً فإنه يحدث الهم والغم والنفرة عند الفاعل والمفعول، وأيضاً فإنه يسود الوجه ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب ويكسو الوجه وحشاً تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة.. وأيضاً فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بد.. وأيضاً فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح، وأيضاً فإنه يذهب بالمحاسن منهما ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودة بينهما ويبدلهما تباغضاً وتلاعناً... وأيضاً فإنه من أكبر أسباب زوال النعم. فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله. وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه فأي خير يرجوه بعد هذا؟ وأي شر يأمنه؟ وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه و لم ينظر إليه؟ ا هـ.
فعلى الزوجة أن لا تطع زوجها في هذا الفعل القبيح ولا تمكنه من ذلك لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " [رواه أحمد] وإذا فعلت ذلك كانت عاصية وشاركته في الإثم وأضرت بصحتها، لأن هذا الفعل القبيح يسبب تمزيق فتحة الشرج وخروج البراز بدون تحكم.
(3) تحريم إتيان المرأة الحائض والنفساء: لقوله تعالى: {يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولاتقربوهن حتى يطهرن }الآية [البقرة/222} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ". [رواه أصحاب السنن] لقد حرم الإسلام على الرجل إتيان امرأته زمن الحيض أو النفاس لمضرته على صحة كل من الطرفين،كما أثبت الطب الرباني ومن بعده الطب الحديث. جاء في تفسير المراغي: قد أثبت الطب الحديث أن الوقاع في زمن الحيض يحدث الأضرار الآتية:-
1- آلام أعضاء التناسل في الأنثى، وربما أحدث التهابات في الرحم وفي المبيض أو في الحوض تضر صحتها ضرراً بليغاً، وربما أدى ذلك إلى تلف المبيض وأحدث العقم.
2- أن دخول مواد الحيض في عضو التناسل عند الرجل، قد يحدث التهاباً صديدياً يشبه السيلان، وربما امتد ذلك إلى الخصيتين فآذاهما ونشأ من ذلك عقم الرجل، وقد يصاب (بالزهري) إذا كانت جراثيمه في دم المرأة.
3- وعلى الجملة فقرابها في هذه الفترة قد يحدث العقم في الذكر والأنثى، ويؤدي إلى التهابات أعضاء التناسل، فتضعف صحته وتكفي ضرراً، ومن ثم أجمع الأطباء المحدثون في بقاع المعمورة على وجوب الابتعاد عن المرأة في هذه المدة،كما نطق بذلك القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم خبير {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} ا هـ تفسير المراغي في قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض}.