سؤال : كيف تكون عبداً شكوراً ؟
الإجابة :
(1) بهذه العبادة التى دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى قيام الليل . مَن مِنا يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ؟ بل مَن مِنا يقوم الليل أصلاً ؟!! إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
(2) الدعاء : وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم أعنّى ولا تُعن علىّ وأنصرنى ولا تنصر علىّ وأمكر لى ولا تمكر بي وأهدنى ويسر الهُدى لي وأنصرنى على من بغى علىّ وأجعلنى شاكراً – وفى رواية شكّاراً – لك ذكّاراً لك رهّاباً لك مطاوعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيباً ، رب تقبل توبتى وأغسل حوبتى وأجب دعوتى وثبّت حُجتى وأهدِ قلبى وسدد لسانى وأسلل سخيمة صدرى ( فى المسند والترمذى ) ، وعلّم صلى الله عليه وسلم معاذاً دعاءً عظيماً فقال : يا مُعاذ إنى أحبك فلا تنسى أن تقول فى دبر كل صلاة :" اللهم أعنّى على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك " .. قال سليمان عليه السلام " رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ "
(3) العلم بأن الشكر يحفظ النعم ويزيدها ، قال تعالى { ولئن شكرتم لأزيدنكم } ولذلك يسمون الشاكر ( الحافظ ) أى الحافظ للنعمة ، فهو ( الحافظ للنعم الموجودة والجالب للنِعَم المفقودة ) قيل) الشكر قيد الموجود وصيد المفقود ) قال عمر بن عبد العزيز ( طيِّب نِعَم الله بشكر الله ) وقال ( الشكر قيد النِعَم ) وقال مطرف بن عبد الله ( لئن أعافى فأشكر أحب إلىّ من أن أُبتلى فأصبر ) .
(4) التحدث بنعم الله ، قال تعالى { وأما بنعمة ربك فحدّث } وذلك بأن يرى أثر نعمة الله عليك بغير مخيلة ولا سرف . قال صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أنعم على عبدٍ بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده " جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له : هل لك من مال ؟ قال : نعم . قال : من أى المال ؟ قال : من كل المال قد ءاتانى الله من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا أتاك الله مالاً فليُـرَ عليك .
قال السلف : [ لا تضركم دنيا شكرتموها ] فإذا أظهرت نعم الله عليك وأنت شاكر فلن يضرك بإذن الله . وقد ذمّ الله الإنسان الكنود قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود } قال المفسرون : هو الذى لا يشكر نعم الله . قال الحسن : إنه الذى يعد المصائب وينسى النعم ، وقيل : من كتم النعمة فقد كفرها ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها .
(5) أن تراعى هذا المشهد ، فهذه نعمة تستوجب شكراً آخر . دخل رجل على عمر رضى الله عنه فسلم عليه [ فقال : كيف أنت ؟ فقال : أحمد إليك الله . قال : هذا أردت منك ] وقال رجل لشهل بن عبد الله [ دخل لص بيتى وأخذ متاعى . فقال له : اشكر الله تعالى ، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك ماذا كنت تصنع ؟ ] وعن ابن عمر قال : [ لعلنا نلتقى فى اليوم مراراً يسأل بعضنا عن بعض ولم يُرد بذلك إلا أن يحمد الله ] أى أن غرض السؤال الدفع لحمد الله . قال أحد السلف [ يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تُنعم علىّ ثم ترزقنى على النعمة شكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة ] وقال ابن القيم فى تهذيب مدارج السالكين [ ومن تمام نعمته سبحانه وعظيم بره وكرمه وجوده محبته له على هذا الشكر ورضاه منه به وثناؤه عليه به ومنفعته وفائدته مختصة بالعبد لا تعود منفعته على الله وهذا غاية الكرم الذى لا كرم فوقه يُنعم عليك ثم يُوزعك شكر النعمة ويرضى عنك ثم يُعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سبباً لتوالى نعمه وإتصالها إليك والزيادة على ذلك مها .. ]
(6) نسبة النعمة للمُنعم : فلا يقول حصلت عليها بذكائى أو بعملى أو بجهدى ، فلا بد من رد الأمر الى الله ومن هذا وقوع المطر فنجد البعض يقول : هذا لنوة كذا ، فى الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم تروا ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادى من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب " رواه أحمد ومسلم وغيرهما . قال تعالى { وما بكم من نعمةٍ فمن الله } .
(7) أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم ، وهذه عبادة عظيمة يشترك فيها الأعضاء السبعة ، وفى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسُره خرَّ لله ساجداً شاكراً له عز وجل ، ولما جاء الى أبى بكر خبر قتل مُسيلمة : سجد لله شكراً ، فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه .
سؤال : نحن نعيش فى نعم كثيرة : لنا أعين نُبصر بها وآذان نسمع بها وأصوات نتكلم بها وغير ذلك كثير . فهل يُشرع لنا أن نسجد دائماً ؟
الإجابة : لا بالطبع ، وذلك لأننا نتبع السُنة فى أعمالنا ، والسُنة السجود عند حدوث نعمة متجددة ، فالمشروع السجود بتجدد النعم مثل إذا أتاك خبر يسُرك أو نجّاك الله من عدو أو مصيبة .. إلخ ، فالسجود للنعمة المتجددة يُذكّر بالنعمة المستدامة ، والنعمة المتجددة تستوجب عبادة متجددة ، ولأن طروء النعمة يُسبب بطر وأشر ، فلذلك شرع السجود وهو أن تجعل رأسك ( أعلى ما فى جسدك ) تحت وأسفل إظهاراً للخضوع والذل لرب العالمين وكسر النفس فلا تبطر بالنعم ، ولذلك فإنك تجد أهل الجهل عند حدوث فرحة أو نعمة يصيحون ويفعلون المعاصى ويشعرون بالخيلاء والعُجب ، ومثال ذلك ما يحدث عند الزواج فهذه نعمة عظيمة لكن عند حدوثها تجد الكثير لا يشكرون بل يفعلون المعاصى بإسم الفرح وأنها ليلة العُمر فكل شئ مُباح ، ونسوا قول رصول الله صلى الله عليه وسلم :" صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " حديث حسن ، وهو من أدلة تحريم المعازف .
(8) تذكر أن هذه المصيبة أخف من أعظم منها ، قال عبد العزيز بن أبى رواد : رأيت فى يد محمد بن واسع قرحة ، وكأنه رأى ما شق علىّ منها ، فقال لى : أتدرى ماذا لله علىّ فى هذه القرحة من نعمة ؟ لم يجعلها فى حدقتى ولم يجعلها فى طرف لسانى أهون أنها صارت فى يدى فهذه نعمة تستدعى الشكر عليها وينبغى السجود شكراً لله .
(9) الإعتناء بالنعمة والمحافظة عليها : وخاصةً مافيه رفعة للدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحسن الرمى ثم تركه فقد ترك نعمة من النعم " ، وفى رواية " من ترك الرمى بعد أن علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها " حديث صحيح ، فهذه نعمة لأنه يُعين على الجهاد ويرفع به الدين . .
ومن ذلك الإعتناء بفضلات الطعام وإطعامها للدواب أو الطيور ، فإن من كفران النعمة أن تُلقيها فلا يستفيد منها أحد وإن كان ولابد فأجعلها فى لفافة بعيداً عن القمامة لعلّ أحد يستفيد منها .
(10) أن تشكر الناس على إحسانهم إليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " صحيح ، وحديث " أشكر الناس لله أشكرهم للناس " .
(11) النظر الى النعمة والتفكر فى وجود ضدها الذى كان موجوداً من قبل ، مثال النظر إذا كان ذاكراً لله على الدوام أيام كان غافلاً لاهياً ، وإذا كان قارئاً أيام كان لا يقرأ ، وإذا كان له أبناء صالحين أيام أن لم يكن له أولاد ... إلخ
سؤال : ماهى أسباب تقصير العباد عن شكر نعمة الله ؟
الإجابة : لم يُقصّـر الخلق شكر نعمة الله إلا بسبب الجهل والغفلة ، فلا يُتصور شكر نعمة بدون معرفتها ، وإن عرفوا ظنوا أن الشكر عليها هو أن يقول بلسانه ( الشكر لله ) ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة فى إتمام الحِكَـم التى أُريدت بها وهى : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغفلة الناس وجهلهم لا يعدون ما يَعُـم الخلق فى جميع أحوالهم نعمة ، لذلك لا يشكرون على جملة ما يجدون من نعم الله التى تفضل بها على خلقه لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع الأحوال ، فما يجدونه غير مختص بهم لا يعدونه نعمة ، ومن ذلك تجدهم لا يشكرون نعمة الهواء ، ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع عنهم الهواء لماتوا ، ولو سلّط على الهواء بعض الناس لمنعوه غيرهم وتحكموا فيه ، وهذا مثال للغفلة والجهل إذ صار أيضاً شكرهم موقوفاً على أن تُسلب عنهم النعمة ثم تُرد إليهم فى بعض الأحوال وقد لا تُرد فتجد البصير لا يشكر نعمة البصر إلا أن يفقده فيشعر بالنعمة التى كان فيها ، فإذا أُعيد إليه بصره أحسّ بالنعمة وشكرها ، ومثل هذا مثل عبد السوء يُضرب دائماً فإذا تُرك ضربه ساعة : شكر ، وإن تُرك ضربه أصلاً غلبه البَـطر وترك الشكر ، فأنظرى ما تجديه من نفسك وأختارى ما ترضيه لها ..
كما أنه من الغفلة التى جعلت الناس لا يشكرون هو إعتقادهم أن المال هو النعمة التى تستوجب الشكر وما عداه ينسونه ، كما رُوى أن بعضهم شكا فقره الى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة إغتمامه بذلك فقال له : [ أيسـرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفاً ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أما تستحى أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً ؟ !! ]
ودخل ابن السماك على الرشيد فى عِظَـة فبكى ودعا بماء فى قدح ، فقال : [ يا أمير المؤمنين لو مُنِعْتَ هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفديها ؟ قال : نعم . قال : فأشرب ريّـاً بارك الله فيك ، فلما شرب قال له : يا أمير المؤمنين أرأيت لو مُنِعْتَ إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدى ذلك ؟ قال : نعم .. قال : فما تصنع بشئٍ شربة ماءٍ خير منه ؟ ] وهذا يُبين أن شربة ماءٍ عند العطش أعظم من مُلك الأرض ، ثم تسهيل خروجها من أعظم النعم ، وفى هذا إشارة الى النعم التى يغفل عنها الكثير .
ومن النِعَم التى تستدعى شكر الله ليل نهار لكن أيضاً للغفلة والجهل كثير إلا من رحم ربى لا يفعلون وهى أن جعله الله مؤمناً لا كافراً ، وحياً لا ميتاً ، وإنساناً لا بهيمةً ، وصحيحاً لا مريضاً ، وعاقلاً لا مجنوناً ، وسليماً لا معيباً وأن الله ستر مساويه حيث أظهر الجميل وستر القبيح فما من أحدٍ إلا وهو يعرف بواطن نفسه ولو كشف الغطاء عنه لأفتضح على رؤوس الأشهاد ، وكان البعض يقول : [ لو كانت للذنوب رائحة لأبى الناس أن يَلقونى فى الطرقات ] .. فما أعظمها من نعمة وهى ستر الذنوب والمعاصى عن سائر العباد .