و أنقل لكم تجربة حصلت مع الكاتب المعروف أحمد عز الدين البيانوني ذكرها في كتاب الإيمان بالملائكة و قد نقلتها بتصرف من كتاب عالم الجن والشياطين للدكتور عمر سليمان الأشقر :
يقول البيانوني : لقد شغل استحضار الأرواح المزعوم أفكار الناس في المشرق المغرب ..... و قد دعيت أنا إلى ذلك ، من قبل هذه الأرواح المزعومة و ظهر لي أنها كذب ودجل و خداع على أيدي شياطين تتلاعب ، غرضهم من ذلك تضليل الناس و خداعهم ، وموالاة من يواليهم ... ) .
ثم يتابع البيانوني فيقول : ( عرفت منذ أكثر من عشر سنوات رجلاً يزعم أنه يستخدم الجن في أمور صالحة في خدمة الإنسان و ذلك بوساطة وسيط من البشر .... و قد جاءني الوسيط ذات يوم يبلغني دعوة فلان و فلانة من الجن لحديث هام لي فيه شأن عظيم .... و كان أو أساليب الخداع التي سلكت معي ، أن طريقة استحضار الجن استغفار و تهليل و أذكار مما يجعل لأول وهلة ، يظن أنه يتحدث مع أرواح علوية صادقة طاهرة ....
دخلت بيت الوسيط و خلونا معاً في غرفة ، وجلس هو على فراش و بدأنا نستغفر الله و نهلل حتى أخذته إغفاءة ، وإذا بصوت خافت يسلم صاحبه علي و يظهر حفاوته بي و حبه و يعرفني بنفسه أنه مخلوق ، ليس من الملائكة و لا من الجن و لكنه خلق آخر وجد بقوله تعالى : ( كن ) فكان ...... و أخذ يثني علي ، ويقول : إنهم سيقطعون كل علاقة لهم بالبشر و سيكتفون بلقائي ، لأني على زعمهم صاحب الخصوصية في هذا العصر و موضع العناية من الله تعالى و أن الله تعالى هو الذي اختارني لذلك ...... و تكررت اللقاءات و في كل لقاء تتجدد الوعود الحسنة و النفع العظيم الذي تلقاه الأمة على يدي ..... و قد زارني فيما زعموا أفراد من الملائكة ، و أفراد من الجن ، وأبو هريرة رضي الله عنه من الصحابة و طائفة من الأولياء .......
و بشروني بزيارة والدي و لما كان الموعد المنتظر كلفوني أن أقرأ سورة الواقعة جهراً و قالوا سيحضر والدك بعد لحظات و اسمع ما يقول ولا تسأله عن شيء .....
و بعد دقائق جاءني من زعم أنه أبي فسلم علي و أوصاني أن اعتني بالوسيط و أهله و أن أرعاه رعاية عطف و إحسان ، إذ لا مورد له من المال إلا من هذا الطريق ...............
و كان العجيب أن لهجة المتحدث شبيهة إلى حد ما بلهجة الوالد ..... و أخذت أتساءل في نفسي لم أوصوني أن لا أسأله عن شيء ؟ ! في الأمر سر ولا شك !
السر الذي انكشف لي آنذاك أنه ليس بوالدي و لكنه قرينه من الجن الذي صحبه مدة حياته وأوصاني أن لا أسأله عن شيء حتى لا يفضح أمره ......
ثم سلكوا معي في لقائي مع الآخرين ، أن لا يعرفوني بأسمائهم إلا عند انصرافهم فيقول أحدهم : أنا فلان ، ويسلم و ينصرف على الفور .
فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه و هو مشهور بالعلم ، فأبحث معه في إشكال علمي ، لعجز عن الجواب و انكشف الأمر .....
و لم تنزل تنكشف لي الحقيقة على مهلها مرة بعد مرة حتى تحقق عندي أن الأمر كذب و بهتان و دجل و طغيان لا أساس له من تقوى و لا قائمة له من دين .
فالوسيط حليق اللحية ، تارك للصلاة و لا يأمرونه بها و هو يأكل أموال الناس بالباطل ولا مورد له إلا من هذا الطريق الخبيث .
ثم حاولت هذه الشياطين بعدما انكشف لي أمرها أن تسلك طريق التهديد فلم يزلزل ذلك من قلبي شيئاً و الحمد لله )[15].
و بعد أن أوردت هذه القصة الحقيقية على سبيل المثال و في كتب أهل العلم الكثير من أمثالها التي تبين جزء يسير من أساليب و طرق الشيطان الرجيم لإفساد الدين وأهله .
فالحقيقة أن الذي يزعم أنه يتصل بالأرواح سواء قال أنها علوية أو سفلية أنه ساحر أو مخدوع عن طرق الشياطين وجنوده لإفساد هذا الدين القويم و أهله الصالحين .
فما هي أسلحة المسلم في حربه مع الشيطان و جنوده :
لا شك أن الله تعالى قد وهبنا أسلحة عديدة في حربنا مع الشيطان وجنوده و أوليائه وهي أسلحة فعالة و فتاكة أيضاً ومن هذه الأسلحة :
أولاً - الاعتصام بالله و بكتابه و سنة رسوله : لكي نحمي أنفسنا من مكائد الشيطان الرجيم و من جنوده وأوليائه لابد لنا من التمسك بكتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و على منهج و فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، فإذا تمسكنا بذلك حصنا أنفسنا من الشيطان وشروه ،
قال تعالى : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{153} سورة الأنعام .
و قد شرح رسولنا الكريم هذه الآية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال : " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال : " هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلي ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون.( فإذا اتبعنا ما جاء من عند ربنا من أصول وفروع فحللنا ما أحل لنا و حرمنا ما حرم علينا عصمنا الله تعالى من الشيطان الرجيم ومن فتنه لذلك قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{208} سورة البقرة .
ثانياً – عدم الغفلة عن ذكر الله تعالى : فالشيطان لا يصول ولا يجول إلا في البيت الخرب ، فلا تجعل صدرك بيتا خرب بل عمره بذكر الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } سورة الرعد ، الآية28 .
فإذا ما داوم المسلم على ذكر الله فسيكون بقوة الله قوي أمام أي فتنة أو هجوم من الشيطان وجنوده و أوليائه .
عن بن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ). قال الشيخ الألباني : صحيح
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولاقوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ) قال الشيخ الألباني : صحيح
ثالثاً – التوبة الاستغفار : إذا وقع المسلم في ذنب أو مكيدة من مكائد الشيطان فليسارع إلى التوبة الصادقة النصوحة .
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) سورة الأعراف ، الآية 201.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال إبليس وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ) [16].
و بعد كل ما قلت ونقلت أختم مقالتي هذه بهذه الفتوى المباركة التي تغني عن كثير مما قلت أو نقلت أو غفوت أو قصرت أو أخطأت :
الحمد لله
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد..
ما تبثه هذه القنوات من علم السحر والشعوذة والكهانة من أعظم المنكرات ومن أعظم الفساد ، وإضلال الناس .
وهي علوم تقوم على الكذب والدجل ودعوى علم الغيب بما يدعونه من النظر في النجوم والطوالع كما يقولون ، أو مما يتلقونه من أصحابهم من شياطين الجن ، وقد لا تكون لهم خبرة في هذه العلوم الشيطانية ولكنهم يدعونها كذباً وزوراً لكسب المال ..وهذه العلوم لا تروج إلا على الجهال والمغفلين وضعفاء الدين..وقد ذم الله السحر والسحرة والكّهان كما قال الله تعالى : ( وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ، وقال : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) ، وقال تعالى في سحرة فرعون : ( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى كاهنا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ) وجاء في السنن : ( من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل عليهم بواسطة الهاتف الحكم واحد . وعلى هذا فيجب الحذر من مشاهدة هذه البرامج فمشاهدتها ولو لمجرد الفرجة حرام وأما الاتصال على أصحاب هذه البرامج لسؤالهم ففيه الوعيد المتقدم . ويجب على أولياء أمور الأسر منعهم من مشاهدتها أو الاتصال على هؤلاء السحرة والمشعوذين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ..) . ويجب على المسلمين التناصح والحذر والتحذير من التواصل مع هذه القنوات التي هَمَّ أصحابها كسب المال ولو من الحرام .. بل وأكثرهم يقصد الفساد والإفساد ، فنقول : حسبنا الله ونعم الوكيل .
الموقعون :
فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك.
فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
و الحمد لله رب العالمين
الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
حلب – سورية 19/ جمادى الآخرة / 1428هـ الموافق لـ 4/7/2007م
-------------------------------------------------
[1] - تلبيس إبليس ، ص 33.
[2] -تلبيس إبليس ، ص 33
[3] - تلبيس إبليس ، ص34.
[4] - المرجع السابق .
[5] - موسوعة الإجماع للسعدي ، ج2/553.
[6] - موسوعة الإجماع ، ج2/554.
[7] - المرجع السابق .
[8] - آكام المرجان ، ص 8.
[9] - مجوع الفتاوى ، ج4/233.
[10] - البداية والنهاية ، ج1/67. و أورد الشيخ ناصر الدين هذا الحديث بهذا اللفظ : ( وإن المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر تخريج السيوطي : (حم الحكيم ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان) عن أبي هريرة. تحقيق الألباني : (ضعيف) انظر حديث رقم: 1772 في ضعيف الجامع .
[11] - إغاثة اللهفان ، ج1/130.
[12] - قال أبو عيسى هذا حديث حسن و قال الشيخ الألباني : حديث صحيح .
[13] - مجموع الفتاوى ، ج11/300. جامع الرسائل ، ص 190 و ما بعدها .
[14] - تلبيس إبليس ، ص 34.
[15] - عالم الجن و الشياطين ص 121و ما بعدها بتصرف .
[16] - رواه أحمد والحاكم من طريق دراج وقال الحاكم صحيح الإسناد قال الشيخ ناصر الدين : حسن لغيره .