بعض طرق و أساليب الشيطان الرجيم في إضلال بني آدم :
للشيطان الرجيم طرق و أساليب تكاد لا تعد و تحصى لإضلال بني آدم و هذه الأسليب تختلف بحسب دين والفرد و قربه أو بعده عن الله تعالى ، ومن هذه الأساليب ما يلي :
أولاً – زخرفة الباطل : وجعله يتزين بثوب يشبه الحق ، يقول ابن القيم عليه رحمة الله تعالى : كم فتن بهذا السحر من إنسان و كم حال به بين القلب و بين الإسلام و الإيمان و الإحسان ! و كم حال به بين القلب و بين الإسلام والإيمان و الإحسان ! و كم جلا الباطل و أبرزه في صورة مستحسنة ، و شنع الحق و أخرجه في صورة مستهجنة ! ولم يهرج من الزين على الناقدين ، و كم روج من الزغل على العارفين .
فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة و الآراء المتشعبة و سلك بهم من سبل الضلال كل مسلك و القاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك و زين لهم عبادة الأصنام ، وقطيعة الأرحام ، ووأد البنات ، ونكاح الأمهات .
ووعدهم بالفوز بالجنات ، مع الكفر بصفات الرب تعالى و علوه و تكلمه بكتبه و وضعهم ذلك في قالب التنزيه وترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس وحسن الخلق معهم ، والعمل بقوله : عليكم انفسكم )) و الاعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في قالب التقليد و الاكتفاء بقول وهو أعلم منهم ، و النفاق و الآدهان في دين الله في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بين الناس ) .[11]
و من تغرير الشيطان الرجيم أن يسمي الأمور المحرمة بغير مسمياتها الحقيقية فيسمي السحر والشعوذة علم الفلك و علم الروحانيات و يسمي الشياطين روح علوي ليضل الناس و يخرجهم عن دينهم المتين إلى عبادة الشيطان الرجيم .
ثانيا – السحر والشعوذة :
و هو مما يضل به الشيطان الرجيم أبناء آدم البسطاء أو ضعيفي العلم و الإيمان .
قال تعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {102} . سورة البقرة .
فالساحر يدعي أنه يتصل مع الجن العلويين و أنه يستطيع أن يوكل خادم من الجن لحماية شخص أو للإضرار به أو بغيره .
كما يدعي الساحر زورا و بهتانا أن يرصد فلانا ليحميه من ضرر معين أو شخص معين أو حتى أي ضرر أو أي شخص ، كما يستطيع أن يضر أي إنسان بأنواع شتى من الأمراض و البلايا عن طريق الجن العلوي أي الجن المسلم بحسب ما يدعي و يزعم .
عن جابر رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكن في التحريش بينهم ).[12]
و التحريش هو زرع الفتن و الخصومة بين العباد ألا ترى الساحر كيف يوحي و يقنع المتصل به أن سبب قلة رزقه هو السحر و أن الفتاة لم تتزوج بسبب السحر و أن فلان أصابه البلاء الفلاني بسبب السحر و السحر هو سبب كل شيء و طبعا السحر لا يأتي هكذا بل بسببو السبب هو أن فلان أو علان من الأقارب و الجيران هم الذي سحروا فلان أو فلانة فتقع الفتن و الخصومات أو على الأقل الشكوك و المعاتبات .
ما مدى إمكانية ظهور الشيطان الرجيم للإنسان :
ورد إلينا عن طريق الصادق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن الشيطان الرجيم و جنوده قد يأتون عن طريق الوسوسة و قد يأتيه بطرق أخرى فقد يتراءى له بصورة إنسان ، وقد يسمع صوته ولا يرى جسمه أو قد يتشكل بصور غريبة و مختلفة حية أو جامدة و ربما تنطق على لسان إنسان يسميه الحرة الوسيط فتدعي أنها من ملائكة الرحمن أو تزعم أنها من أولياء الله الصالحين و عباد الله المقربين .
و في كل ذلك قد تحدث بعض الناس و تخبرهم بالكلام مباشرة أو تتلبس و تتحدث على لسانهم و قد تكون الإجابة بواسطة الكتابة على الورق أو ما شابه و كل هذا من اجل فتنة المسلم عن دينه و عن ربه عز وجل .
بل قد تقوم بأكثر من ذلك ، فتحمل الإنسان و تطير به و تنقله من مكان إلى مكان بعيد بيد أنها لا تقوم بأمثال هذه الأعمال إلا مع كبار أوليائها الذين تمادوا بالكفر والفسوق الضلال و الإضلال .
و ربما تجد و لي الشيطان فيه من حيث الظاهر البر والتقوى و الحرص الشديد على الخير و لكنه في الحقيقة عدو من أعداء الله تعالى و غمام من أئمة الضلال و الكفر .
و من أمثال ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى عن الحلاج حيث قال : و كان صاحب سيمياء و شياطين تخدمه أحيانا ، كانوا معه ( بعض أتباعه ) على جبل أبي قبيس ، فطلبوا منه حلاوة ، فذهب إلى مكان قريب و جاء بصحن حلوى ، فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان باليمن حمله شيطان تلك البقعة ) .
وقال عليه رحمة الله في موضع آخر : ( و أنا أعرف من تخاطبهم الشجر و الحجر ، ونقول هنيئاً لك يا ولي الله فيقرأ أية الكرسي فيذهب ذلك ، وأعرف من يقصد صيد الطير ، فتخاطبه العصافير و غيرها و تقول خذني حتى يأكلني الفقراء ، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنسان و يخاطبه بذلك .
و منهم من يكون في البيت المغلق ، فيرى نفسه خارجه ، وهو لم يفتح ، والعكس ، وكذلك في أبواب المدينة ، وتكون الجن قد أدخلته و أخرجته بسرعة يتصورون بصورة صاحبه ، فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله ) .
و قد روى شيخ الإسلام روايات كثيرة عن أمثال هؤلاء الضلال المضلين و حكاياتهم مع الشياطين في مجموع الفتاوى و جامع الرسائل فلينظر من أحب النظر لأخذ العبر .[13]
لذلك قال الليث بن سعد عليه رحمة الله تعالى : لو رأيت صاحب بدعة يمشي على الماء ما قبلته ) .[14]