عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 46  ]
قديم 2012-01-22, 2:10 AM
حنونة مكه
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية حنونة مكه
رقم العضوية : 122287
تاريخ التسجيل : 2 - 7 - 2010
عدد المشاركات : 3,773

غير متواجد
 
افتراضي
لقد قرر القرآن الكريم أن اﻷ‌رض كروية في أكثر من موضع وأعطانا أكثر من دليل. وقد نقل اﻹ‌مام القرطبي -رحمه الله تعالى- عن الضحاك في معنى التكوير: أي يلقي هذا وهذا على هذا، قال وهذا على معنى التكوير في اللغة وهو طرح الشيء بعضه على بعض. وقال الفخر الرازي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: "ثبت بالدﻻ‌ئل أن اﻷ‌رض كرة، فكيف يمكن المكابرة فيه؟!"، كما قال ابن حزم -رحمه الله تعالى-: "إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين ﻻ‌سم اﻹ‌مامة بالعلم رضي الله تعالى عنهم لم ينكروا تكوير اﻷ‌رض وﻻ‌ يحفظ ﻷ‌حد منهم في دفعه كلمة". وقد قرر ذلك أيضاً اﻹ‌مام اﻷ‌لوسي وابن القيم وابن تيمية رحمهم الله.

مقدمة تاريخية:

لقد قال اﻷ‌قدمون بكروية اﻷ‌رض، وعلى رأسهم علماء اليونان كـ "إيراتوستين" (276 ق.م.) و"أرسطو" (384 ق.م.) و"فيتاغورس" (569 ق.م.). فقد تمكن "إيراتوستين" من قياس تقريبي لمحيط اﻷ‌رض الكروي واعتقد نتيجة ذلك بأن هناك أرضاً مسكونة تقابل أرضه، وقد وصف العلماء المسلمون اﻷ‌رض بأنها كروية كما جاء في كتاب "المقدسي" (375 هـ) (أحسن التقاسيم في معرفة اﻷ‌قاليم) قوله: "فأما اﻷ‌رض فإنها كالكرة موضوعة في جوف الفلك، كالمحّة في جوف البيضة". وقال قبله مثل ذلك أيضاً ابن خرداذية (232 هـ) في كتابه (المسالك والممالك)، وقال بذلك اﻻ‌صطخري والبيروني واﻹ‌دريسي والحَمْوي وغيرهم كثير.

أما في أوروبا فلم يعتقد اﻷ‌وروبيون بفكرة كروية اﻷ‌رض، وكانوا يرون بأن نهاية البحر الذي يلي القارة اﻷ‌وروبية هو نهاية ﻻ‌متداد اﻷ‌رض، إﻻ‌ أن بعضاً من علماءهم وبعد اطﻼ‌عهم على علوم السابقين من المسلمين وغيرهم، رجحت عندهم فكرة كروية اﻷ‌رض، وتكرس هذا اﻻ‌عتقاد بعد قيام "كولومبوس" (1451 م) برحلته وقيام "ماجﻼ‌ن" (1480 م) بدورته حول اﻷ‌رض وكان ذلك بين عام (1518 و 1522 م).

ثم جاء الفيزيائي "اسحق نيوتن" ليقول بأن اﻷ‌رض شبه كروية، وأثبت ذلك حسابياً حيث وجد بعد تجارب فيزيائية قام بها على البندول أن قطر اﻷ‌رض عند خط اﻻ‌ستواء يزيد بنسبة (231/1) عن قطرها بين القطبين الشمالي والجنوبي.

ثم جاء القرن العشرون واستطاعت ثورة علم الفلك والمركبات الفضائية في منتصف هذا القرن من اﻹ‌جابة عن معظم التساؤﻻ‌ت حول كروية اﻷ‌رض وموقعها في هذا الكون، وأصبح معلوماً أن اﻷ‌رض شبه كروية تدور حول نفسها ونتيجة ذلك يحصل تتابع الليل والنهار على وجه اﻷ‌رض.

حقائق علمية:

1- سبقت الرحﻼ‌ت البحرية التي قام بها "كولومبوس" و"ماجﻼ‌ن" بين عام (1519 م) و (1521 م) صور اﻷ‌قمار اﻻ‌صطناعية في تحديد كروية اﻷ‌رض.
2- أظهرت الصـور التي التقطتها اﻷ‌قمار الصناعية منذ عام (1957 م) أن اﻷ‌رض شبه كروية مفلطحة عند القطبين (Oblate Spheroid).
3- يؤدي دوران الكرة اﻷ‌رضية حول مركزها إلى تقلب وتعاقب الليل والنهار عليها.

التفسير العلمي:

لم يشاهد اﻹ‌نسان اﻷ‌رض في شكلها الكروي وهي تسبح في الفضاء إﻻ‌ عندما أطلق العلماء الروس القمر اﻻ‌صطناعي اﻷ‌ول "سبوتنيك" عام 1957م، حيث استطاعوا الحصول على صور كاملة لكوكب اﻷ‌رض بواسطة آﻻ‌ت التصوير المرتبطة بالقمر اﻻ‌صطناعي. وكما ورد في الموسوعة البريطانية أن اﻷ‌رض شبه كروية مفلطحة عند القطبين (Oblate Spheroid) إذ أن اﻷ‌رض تنتفخ بصورة بطيئة جداً عند خط اﻻ‌ستواء وتتسطح في منطقة القطبين بفعل دورانها حول نفسها، فطول شعاع اﻷ‌رض عند خط اﻻ‌ستواء يساوي (6378 كلم) وشعاعها بين القطبين يساوي (6357 كلم)، والفارق الضئيل بين شعاعي اﻷ‌رض (21 كلم) جعلها تبدو كروية الشكل.

لكن علماء التفسير استنبطوا كروية اﻷ‌رض من آيات القرآن الكريم حيث قال تعالى: {ﻻ‌ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَﻻ‌ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وفي قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}، ومن هاتين اﻵ‌يتين يُعرف أن الليل والنهار يجريان في تتابع ﻻ‌ يسبق أحدهما اﻵ‌خر، وعليه فإما أن يكون التتابع في خط مستقيم أو في خط دائري، ولكن لو كان التتابع في خط مستقيم على وجه اﻷ‌رض فإنه لن يحدث إﻻ‌ ليل واحد أو نهار واحد، إذن فﻼ‌ بد أن يكون على شكل دائري. وقد أخبر تعالى بأن الليل ﻻ‌ يسبق النهار، وهذا المعنى القرآني ﻻ‌ يتحقق إﻻ‌ إذا كان الليل والنهار يوجدان معاً في وقت واحد على اﻷ‌رض، وهذا ﻻ‌ يحدث إﻻ‌ إذا كانت اﻷ‌رض كروية وكذلك قال علماء التفسير في قوله تعالى: : {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} بأن كور العمامة هو إدارتها واستدارتها حول الرأس، والتكوير ﻻ‌ يكون إﻻ‌ على سطح كروي والتكوير في اللغة هو طرح الشيء بعضه على بعض، ولعل هذا يوضح الحكمة في قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} حيث لم يقل يكور الليل ثم يكور النهار، فإن الليل والنهار موجودان معاً على اﻷ‌رض الكروية نصفها ليل ونصفها نهار، فالليل والنهار يكوران على بعضهما على سطح كروي هو اﻷ‌رض.

وفي قوله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} إشارة أخرى إلى أن الليل والنهار يقلبان والتقليب يعني الدورة بشكل دائري فلزم أن تكون اﻷ‌رض كروية.

ومما يؤكد كل ذلك قول الله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وقوله: {فَﻼ‌ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} فاﻵ‌يتان تدﻻ‌ن على كروية اﻷ‌رض، وكيف ذلك؟

· أوﻻ‌ً: إنه سبحانه وتعالى قرن المشرق بالمغرب أو المشارق بالمغارب مباشرة ولم يقل (رب المشرق ورب المغرب) أو (رب المشارق ورب المغارب) وذلك ﻷ‌ن الشروق والغروب يتمان في وقت واحد وهذا ﻻ‌ يمكن أن يكون إﻻ‌ على سطح كروي.

· ثانياً: تشير اﻵ‌ية الثانية إلى أن كل بلد له مشرق ومغرب وﻻ‌ يوجد مشرق واحد ومغرب واحد ﻷ‌ية دولة في العالم وإنما هي مشارق ومغارب وهذا يطابق تماماً مع ما اكتشفه علم الفلك الحديث، حيث وجد العلماء أن في كل جزء من الثانية نجد مشرقاً تشرق فيه الشمس على مدينة ما وتغيب عن أخرى، حيث أن زاوية الشروق تتغير من موقع ﻵ‌خر وكذلك زاوية الغروب، وهذا ما يدل على كروية اﻷ‌رض.

وهنا ﻻ‌ بد لنا من تسليط الضوء على أمر مهم، وهو قول الله تعالى في اﻵ‌يات التالية: {وَاﻷ‌َرْضِ وَمَا طَحَاهَا} وقوله تعالى: {وَإِلَى اﻷ‌َرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}، و {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ مَهْدًا} و{ وَاﻷ‌َرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} و {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ فِرَاشًا} و {وَاﻷ‌َرْضَ مَدَدْنَاهَا} و {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ بِسَاطًا} و {أَلَمْ نَجْعَلْ اﻷ‌َرْضَ مِهَادًا}، التي قد يعترض أحد ما أن المعاني المستفادة من هذه اﻵ‌يات ﻻ‌ تدل على معنى الكروية وأن هناك تعارض في آيات القرآن.

إن هذه المعاني ﻻ‌ تناقض دعوى أن اﻷ‌رض كروية، بل إنها تشير بوضوح جلي إلى ثبوتها، فقد نص أئمة التفسير على أنه ﻻ‌ منافاة بين اﻵ‌يات اﻵ‌نفة الذكر وما هو ثابت في قضية كروية اﻷ‌رض.

قال اﻹ‌مام فخر الدين الرازي (606 هـ) -رحمه الله تعالى- مجيباً على اﻻ‌عتراض بنحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ اﻷ‌َرْضَ} [الرعد: 3]: "اﻷ‌رض جسم عظيم، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كأن كل قطعة منها تشاهد كالسطح". (التفسير الكبير 19/3 و 170) وقال في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ مَهْدًا} [طه: 53]: "المراد من كون اﻷ‌رض مهداً أنه تعالى جعلها بحيث يتصرف العباد وغيرهم عليها بالقعود والقيام والنوم والزراعة وجميع وجوه المنافع". (22/68).

وقال العﻼ‌مة القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر الشهير بالبيضاوي (685 هـ) –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ فِرَاشًا}: "أي مهيّأة ﻷ‌ن يقعدوا ويناموا عليها، كالفراش المبسوط. وذلك ﻻ‌ يستدعي كونها مسطحة، ﻷ‌ن كروية شكلها مع عظم حجمها ﻻ‌ يأبى اﻻ‌فتراش عليها". من (أنوار التنزيل 1/16). وقال اﻹ‌مام اﻷ‌صولي أحمد بن جُزّيّ الكلْبي (741 هـ) –رحمه الله تعالى- مبيناً عدم المنافات بين المد والتكوير: "وقد يترتب لفظ البسط والمد مع التكوير، ﻷ‌ن كل قطعة من اﻷ‌رض ممدودة على حدتها وإنما التكوير لجملة اﻷ‌رض" من (التسهل لعلوم التنزيل 2/130). وقال العﻼ‌مة محمد بن محمد المولى أبو السعود العمادي (982 هـ) –رحمه الله تعالى- موضحاً أن الفراش ﻻ‌ ينافي التكوير: "وليس من ضرورة ذلك –أي: وصف اﻷ‌رض بالفراش- كونها مسطحاً حقيقياً، فإن كرية شكلها مع عظم جرمها مصطحة ﻻ‌فتراشها" من (إرشاد العقل السليم 1/61).

وقال العﻼ‌مة شهاب الدين محمود بن عبد الله اﻵ‌لوسي (1270 هـ) –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ فِرَاشًا} [البقرة: 22]: "وﻻ‌ ينافي كرويتها كونها فراشاً، ﻷ‌ن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة منها كالسطح في افتراشه كما ﻻ‌ يخفى" من (روح المعاني 187/1) ومثله في (25/67). وقال في تفسير قوله تعالى: {وَاﻷ‌َرْضَ مَدَدْنَاهَا}: "المراد بسطها وتوسعتها ليحصل بها اﻻ‌نتفاع لمن حلّها وﻻ‌ يلزم من ذلك نفي كرويتها، لما أن الكرة العظيمة لعظمتها ترى كالسطح المستوي" (14/28) ومثله في (53/17) و (176/26).

وقال في تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ اﻷ‌َرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19]: "وليس فيه دﻻ‌لة على أن اﻷ‌رض مبسوطة غير كرية، ﻷ‌ن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحاً" (76/29).
وقال –أيضاً- في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ اﻷ‌َرْضَ مِهَادًا} [النبأ: 6]: "ﻻ‌ دﻻ‌لة في اﻵ‌ية على ما ينافي كريتها كما هو المشهور من عدة مذاهب" (6/30).

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في شرحه: "إن اﻹ‌نسان يرى اﻷ‌رض مبسوطة أمامه سواء أكان في القطب الشمالي أم في القطب الجنوبي أم في المنطقة اﻻ‌ستوائية، وهذا ﻻ‌ يمكن أن يحدث بهذه الصورة إﻻ‌ إذا كانت اﻷ‌رض كروية، فلو أن اﻷ‌رض كانت غير ذلك: مربعة أو مثلثة أو أي شكل هندسي آخر، كان ﻻ‌ بد لﻺ‌نسان أن يشاهد حواف اﻷ‌رض عند أطرافها".

والذي نستخلصه من هذا كله أن الله قد جعل لنا اﻷ‌رض ممهدة مبسوطة ليقوم العباد بأعمالهم وأمور دنياهم، وهذا من رحمة الله بعباده فلم يجعلها كلها ودياناً أو كلها جباﻻ‌ً وعرة وإنما ذللها لهم وجعلها مهداً وفراشاً وجعل فيها مساحات ممدودة نعمة منه سبحانه وتعالى، أما اﻷ‌رض بجملتها فهي شبه كروية الشكل يكور عليها الليل والنهار ويتقلبان في وقت واحد.

لقد سبق القرآن الكريم العلم الحديث في تحديد شكل اﻷ‌رض، هذا القرآن الذي نزل على قوم لم يعرفوا شيئاً عن الفلك وﻻ‌ الهندسة، بل كانوا بدو رُحّل، فصدق الله العظيم القائل: {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}.

مراجع علمية:

ذكرت الموسوعة البريطانية:

"أن الكوكب اﻷ‌كبر الخامس من المجموعة الشمسية، اﻷ‌رض لها محيط استوائي طوله 40.076 كلم (424.902 ميل) وشعاع استوائي طوله 6.378 كلم (3.963 ميل) ولها شعاع قطبي طوله 6.357 كلم (3.950 ميل) وشعاعها الوسطي بطول 6.371 كلم (3.960 ميل)".

ثم ذكرت "أن القوة الطاردة المركزية لدوران اﻷ‌رض تجعل الكوكب منتفخاً عند خط اﻻ‌ستواء، وبسبب هذا يصبح شكل اﻷ‌رض شبه كروية مفلطحة، وتظهر أكثر تسطحاً عند القطبين منه عند خط اﻻ‌ستواء".

وجه اﻹ‌عجاز:

وجه اﻹ‌عجاز في اﻵ‌يات القرآنية الكريمة هو دﻻ‌لة اﻷ‌لفاظ: "وﻻ‌ الليل سابق النهار"، "المشارق والمغارب"، "يقلب"، "يكوّر"، "دحاها" لشكل اﻷ‌رض الشبه الكروي المفلطح، وهو ما كشفت عنه المشاهدة العينية لكروية اﻷ‌رض من الفضاء الخارجي.



توقيع حنونة مكه
(((ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)))
لاتنسوني من دعواتكم فأنا والله بحاجتها...



 

 



Facebook Twitter