[SIZE="4"][SIZE="4"]ثمرات طاعة الله ورسوله
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين، أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، يقول الله جلَّ وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
أخيَّ المسلم، إنَّها آية تمحيص وابتلاء لتضع المؤمن على محك الإيمان الصحيح، ليتبين صادقُ الإيمان من ضده، وليتبين الكيس من العاجز، إنَّها تكشفُ حقيقةَ الإيمان عندما يصطدمُ أمر الله وأمر رسوله بهوى النفوس ومشتهياتها، إنَّها آيةٌ يتوقف عندها المسلمُ عند معانيها ثم يفكر في واقعيه وحياته، هل هو مُطبقٌ لهذه الآية؟ هل هو مقابلٌ لأوامر الله أم يختار ما يهواه ويرفض ما سواء ذلك؟ إنَّها آيةٌ تضمن الإسلام الصحيح هو الاستسلام لأوامر الله والانقياد لها، وأن أوامر الله ورسوله يقبلها المسلم، ويستجيب لها وإن خالفة الهوى وعادات مجتمع الناس وأيُّ اعتبار آخر فلا قيمة لذلك، أمرُ الله وأمرُ رسوله مُقدم عند المسلم على كلِ اعتبار.
أيُّها المسلم، إن الله جلَّ وعلا أمرنا بطاعته وبطاعة رسوله، ونهانا عن اتباع الهوى، وخطوات الشيطان قال الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، وقال جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، وقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)، ونهانا عن اتباع الهوى قال الله جلَّ وعلا: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، وقال جلَّ جلاله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)، وقال: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، وحذرنا من خطوات الشيطان فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به".
أيُّها المسلم، لطاعة الله وطاعة رسوله ثمرات عظيمة للمسلم فأول ذلك: أن طاعة الله وطاعة رسوله علامة الإيمان: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ومنها: أن طاعة الله وطاعة رسوله سببٌ في دخول الجنة قال جلَّ وعلا: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وطاعة الله وطاعة رسوله تجعل العبد مع النبين والصدقين والشهداء والصالحين قال جلَّ وعلا: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً)، طاعة الله وطاعة رسوله فيها الفوز والفلاح: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ)، وطاعة الله ورسوله سببٌ لرحمة الله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، طاعة الله وطاعة رسوله سبباً للقوة والثبات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وطاعة الله وسوله سببٌ لهداية: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، وسببٌ لقبول العمل فإنَّ الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)، فطاعة ورسوله سببٌ لقبول الأعمال بتوفيق الله وفضله.
أيَّها المسلم، إن الله جعل دين الإسلام منهجاً عظيماً للمسلم يستضيئ به في حياته الفردية والجماعية، فعلى المسلم أن يتقي الله ويلزم شرع الله ويتخذه منهجاً له في حياته ليسير على منهج قويم والطريق المستقيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً)، فمن توفيق الله للعبد أن يقبل ما أمره الله به وما اختاره الله له، ولا يجعل خيرةً فيما أمره الله ورسوله، بل ينفذ أوامر الله، وينفذ أوامر رسوله على قدر استطاعته وطاقته.
أيَّها المسلم، قضى الله، وأمرك بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدينِ له، وأن تخصه بجميع العبادات فالدعاء والرجاء والخوف والذبح والنذر والتوجه القلوب، محبتاً وخوفاً ورجاء إنَّما هو لله وعملك بكل شؤونك تريد به وجه الله والدار الآخرة: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ).
أخيَّ المسلم، قضى الله وأمرك بالصلوات الخمس في يومك وليلتك، فهل استجبت لله في أمرك؟ واطاعته في أمره؟ فأديت تلك الصلوات الخمس في أوقاتها كاملة الأركان والواجبات مُحافظاً عليها جُمعاً وجماعات، مُحاولاً الاقتداء بنبيك والتأسي به في صلواته القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، أم أطاعته هواك والشيطان فتكاسلت عن هذه العبادة واستخبت بها وقلة المحافظة عليها، فتقي الله فيها، فإنَّ محافظك عليها دل الإيمان الصحيح (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، قضى الله لأنَّ الزكاة أحد أركان الإسلام وأنَّها الركن الثالث من أركان الإسلام، فهل استجبت لأمر الله؟ وأديتها كاملةً تامة، واخترت أمر الله لك فطهرت مالك من الزكاة، أما تهاونت بذلك وارتكبت الحيل المتعدية لكي تضيق أمر الزكاة، ولكي لا تؤديها على الوجه المطلوب، فعلم أنَّ الله سوى يحاسبك عن هذا كُله، فرض الله عليك الصوم والحج، فهل أديت هذين الركنين أداءً كاملا؟ أديت الصوم وأنت في صحة وسلامة، وتجنبت ما حرم الله عليك، وأخلصت لله، أديت ركن الحج في صحة من بدنك وعافية قبل أن يحاذ بينك وبين ذلك.
أخيَّ المسلم، قضى الله، وأمرك بالبر بالأب والأم والإحسان إليهما، وخدمتهما، والقيام بحقهما خير قيام، وهل أمثلت أمر ربك؟ واخترت ما ختاره الله لك فبررت بالأبوين وأحسن إليهما ورفقة بهما وعاملتهما بلطف والإحسان والرحمة والرقة وكنت لهما مُطيعاً في أمر الله، باراً بهما محظياً بهما، أم اخترت لنفس الكسل والتهاون بهما وجعلتهما في أماكن الرعاية، فراراً وضجراً منهما وتلك أخلاق اللؤماء.
أخي المسلم، أمرك الله بصلة رحمك، واختار لك الأمر العظيم وجعل الصلة سبباً لبركة عمرك ومالك وولدك وعزاً لك في الدنيا والآخرة، فهل قبلت هذا من الله؟ أمَّ تهاونت بالرحم وانصرفت عنهم وخدعك مالك وصحتك وصددت عنهم لفقرهم وعادتهم وذلك خلقٌ سيء.
أيُّها الشاب المسلم، إنَّ الله جلَّ وعلا أمرك بغضِ بصرك، وتحصين فرجك (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، هل قبلت أمر الله؟ فغضت البصر، وحفظت الفرج، وصنت نفسك عما حرم الله عليك، وسعيت بالزواج الحلال الطيب، واستعنت بالله على ذلك، أم انشغلت نفسك بتطلع بصرك إلى هنا وهناك، ولم تحفظ فرجك عن محارم الله، فتقي الله فإن الله اختار لك ما في عزك وكرمتك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
أخي الشاب المسلم، هل علمت أن المسكرات والمخدرات من أعظم البلايا، وأعظم داء وجودها وتعاطيها، نسأل الله السلامة والعافية، فيها إفساد دينك وإفساد عقلك وأخلاقك القضاء على كيانك، وتحويلك من إنسان ذا خلق ودين إلى إنسان منحل بعيدا عن كل الكرامة والفضيلة، فنتبه لنفسك، هل تعلم أن من يروج المخدرات ويُساهم فيها ويبثها في المجتمع أنَّه ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لكونه أعان على الباطل وساهم في الباطل، فتقي الله، ولا يخدعنك مكاسبها المادية فتضحي بدينك وأخلاقك في سبيل الحصول على هذه المادة التي تأتيك من هذا الطريق المعوج الذي لا خير فيه.
أخي المسلم، أخي المسلم، دينك يدعوك إلى أن تكون متمسكاً بدين الإسلام في مظهرك في سلوكك في أقوالك وأفعالك، فهل استجبت لأمر الله ورسوله؟ ومثلت الإسلام في أقوالك وأعمالك، أم اخترت التغرير وتميع والأخلاق والبعد عن هذه الفضائل، فنتبه لنفسك أخي المسلم، أقبل من الله ما أمرك به ولا تختار غير المنهج الصحيح، فإن خلاف ذلك خطئٌ وضلال مبين.
يتبع