أيها المسلمون:
إنّ الحرية بهذا المفهوم والفوضى بالأصح مرفوضة، حتى عند أولئك الناعقين المبطلين.
أرأيت لو أن أحداً اعتدى عليهم فأخذ شيئاً من مالهم، أو اعتدى على أعراضهم، ألا تثور ثائرتهم؟! وإن جاءهم بطريق الحرية، فالحرية المطلقة لا يعترف بها شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون:
ومما يشاع ويروّج ضد الآمرين والناهين المصلحين رجال الهيئات، أنهم: يقفون حاجزاً أمام التقدم والرقي الحضاري.
وكشفاً لهذه الشبهة وجواباً على هذا الأمر نقول: إنّ المصلحين أول من يدعون إلى الحضارة والتقدم، لكن الحضارة عندنا حضارة عامة وشاملة.
إننا نريد حضارة في الفكر، وحضارة في الأخلاق، وحضارة في السلوك، ونريد حضارة في الاقتصاد والعمران والهندسة، والمعامل والفضاء، وحضارة في الطب والصناعة، والتقنية وغير ذلك.
إننا ندعوا إلى الحضارة بمفهومها الشامل، وأن توفر الأموال لا أن تبدد باللعب والرياضة والسفه، وخير ما تبذل الأموال فيه بعد الدعوة إلى الله عز وجل في هذه المجالات.
إن المصلحين يريدون أن تكون الأمة المسلمة أمة رائدة قائدة، سائدة، بيدها خزائن الأرض بعد الله عز وجل، حتى تقود الأمة والبشرية بأسرها إلى الخير والسلام، يريدون أن تكون لهم الريادة والصدارة في الفكر وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع وفي الصناعة، وفي الفضاء وفي كل المجالات.
إن الحضارة الكاملة بهذا المفهوم نحن أول من يدعوا لها، والدليل على ذلك أنك ترى الصالحين بحمد الله، بل المصلحين سباقون إلى كل مجال، فالطلبة النابهون والتلاميذ النابغون والمثاليون في الطب والكيمياء، وفي الصناعات والحاسبات الآلية، غالبهم بحمد الله ممن تزين وجوههم اللحى، ومن أهل المساجد وأهل الطاعات من جند محمد صلي الله عليه وسلم، أما أولئك العابثون اللاهون فهمّهم إشباع الغرائز والحاجات الشهوانية.
أما الحضارة التي يُنظَرُ إلى حضارة الغرب كنموذج لها فليست عندنا حضارة!.
إنها انحطاط وارتكاس في الحضيض.
إنها حضارة ناقصة عرجاء، لأنها تمجد الصناعة والآلة، وتمسخ العقائد والأخلاق، تمسخها وتمسحها بالتراب.
إننا لا نرى الحضارة عبارة عن كتلة طين أو نفق أو جسر، أو صناعة أو صاروخ، أو بندقية، أو بئر معطلة و قصر مشيد، لا نرى الحضارة هذه الصناعات فقط، بل الحضارة عندنا مفهومها كامل وشامل، أما تلك فهي حضارة ناقصة، فلا يفرح بها أهلها: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ). [الشعراء: 131- 128].
أيها المسلمون:
ومما يلفّق ضد رجال الحسبة والأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمصلحين أنهم لا يريدون الرفاهية، وأنهم ضد الملاعب وأماكن الترفية، وأنهم ويريدون أن يحجروا على الأمة وعلى المجتمع.
وهذا وأيم الله كذب وافتراء، كذب صارخ، فإن المصلحين لا يمانعون، بل يرون أن من حق المجتمعات المسلمة أن لها حق في الترفيه البريء المنضبط، وفق تعاليم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إنهم لا يمانعون من الرياضة، لكن بحيث لا تعطى أكبر من حجمها، ولا تعتبر غاية تفسد بها عقول الشباب وأخلاقهم، إنهم لا يمانعون من وجود المتنزّهات والحدائق، لكن مع توفر الحشمة وفصل الرجال عن النساء وهكذا.
أمّا السواحل وغيرها، فلا يمانعون في الترفيه إذا ألتزم الناس بتعاليم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أمّا أنّ يُجعل الترفيه ذريعة إلى الفساد والإفساد كما يريده المبطلون، وسيلة إلى إفساد الشباب، وسيلة إلى شغلهم عن قضاياهم، وسيلة إلى تبديد الثروات، وسيلة إلى الاختلاط، وسيلة إلى العري والتجرد، فهذا كلنا ضده، ولا يرتضيه عاقل فضل عن مسلم مؤمن، لأنه خطر على الأخلاق والقيم والشيم.
إن العري والتجرّد كلنا يجب أن نحاربه، كذلك الذي رأيته على بعض الشواطئ وفي بعض البحار، إذ أخذنا بعض الشباب الغيورين على دين الله من رجال الحسبة فماذا رأينا أيها المسلمون؟!.
والله، مشاهد مخازيه، تنذر بسيل عذاب قد أنعقد غمامه، وادلهم ظلامه.
ما أحلم الله على خلقه؟!.
ماذا رأينا؟! عري المرأة تلبس اللباس الذي لا يستر ربع الفخذ، ثم تجلس على ما يسمى بالشاليه أمام الرجال في البحر، تجلس جلسة القرفصاء فتبين ملابسها الداخلية، هذا ما رأيناه أيها المسلمون والذي لا إله غيره.
وأين؟! في شواطئ هذه البلاد المسلمة، والفتاة تلبس السروال إلى نصف الفخذ، وتمتطي القوارب البخارية، ثم ترى المطاردات والصراخ والمعاكسات، والحركات بين الفتيات والشباب، ولسن بصبايا، بل كبيرات عاقلات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أو يرضى هذا مسلم؟!.
أين الرقابة؟!.
أين سلطة الهيئات؟!.
أيها المسلمون:
ومما يوصف ويوصم به رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمصلحون والغيورون: أنهم ضد الاقتصاد.
وهذه كذبة أخرى، وافتراء آخر، فإننا نرى، وإن المصلحين يرون أن من أوجب الواجبات أن توفر الأموال وتحفظ، وأن يبنى للأمة المسلمة اقتصاد قوي يكفيها عن الاحتياج للغرب والشرق، ويلبي طموحاتها التنموية، ويلبي رغبتها التقدمية والصناعية.
إننا نريد اقتصاداً منضبطاً بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا ربا ولا ابتزاز، ولا غشّ ولا سرقة، ولا نهب للثروات.
أما المبطلون فإنّهم يريدون اقتصاداً حرّاً من كل دين وخلق، اقتصاداً لا بأس فيه بالربا، ولا بأس فيه أن يؤخذ بقوانين الغرب والشرق، والتي يسمونها القوانين المثالية.
فهل يرضى بهذا مسلم؟!.
إنهم يريدون كذلك الاقتصاد الذي قال عنه الكفار محاجّين لرسلهم: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). [هود: 87].
ومما يلفقه المبطلون ضد المصلحين: أنهم لا يريدون الإعلام.
وهذا كذب أخر، وتسفيه للعقول، وتلاعب بها، فإن الأمة المسلمة بحاجة إلى إعلام قوي، إعلام ناضج، إعلام مخلص يديره العلماء الصالحون الغيورون، ولا يديره أعداء الأمة.
يريدون إعلاماً يعكس رغبة المجتمع، يعكس هموم المجتمع المسلم، وهموم المجتمعات المسلمة، يريدون إعلاماً يدعو إلى دين الله عز وجل وشرعه.
أما الإعلام الذي يدعو إلى الرذيلة، ويشيع الفاحشة في الذين أمنوا، فما يرضاه إلا زنديق أو كافر أو فاسق مجرم، أما المسلم فلا يريده ولا يرضاه، أن تسخر أموال المسلمين وأن يجعل الإعلام داعياً إلى الرذيلة، وأن يجعل ساحة لكل فاجر وفاجرة، الصور العارية، الدعايات التمثيليات المسرحيات التي تفسد عقول شباب الأمة رجالها ونسائها، فمن يرضى بهذا إلا ديوث على أخلاق المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه غفور رحيم.