(2/2)
لقد بثت تلك المرأة هماً ثقيلاً تقول عنه إنه أتعبها كثيراً ، وللحق فإنني لا ألومها على تلك المشاعر الخانقة التي ذهبت بأنفاسها مع كل كلمة تخرج من فمها وكأني بها تستحضر مشهد السنوات التي قالت عنها بأنها سنوات صبر مرير على واقعٍ رضيت بها حفاظاً على الزوج والأبناء وكيان الأسرة المهددة بالإحباط من كل جانب.
لقد جاءت هذه المرأة بنفسية محطمة ، ومع ذلك كان لابد من فتح نافذة لها إلى عالم الأمل المشرق لأن الحياة تصبح قاتمة اللون إذا لم نفتح فيها بوابة أمل بغدٍ أكثر نصاعةً ووضاءة.
إنني مع إكباري لصبرها إلا أنني أودُّ أن أهتف في أذنها وأذن كل زوجة مبتلاة بأن تصبر وتصابر وتحتسب وتعلم بأن الله عزوجل لن يضيع أجر الصابرين.
البلاء قد ينزل على أي مسلمٍ ذكراً كان أو أنثى ، وإذا حل بساحة مسلم أو مسلمة فليس له علاج إلا الدعاء والابتهال إلى الله تبارك وتعالى ، وكم من مكروب ومكروبةٍ لاذوا بحمى الله تعالى وألحوا عليه بالدعاء والرجاء قبل أن يلحوا على الخلق فانفرجت همومهم من بعد شدة ، وتيسرت أمورهم من بعد عسر(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا).
ولا يفوتني أن أدعو كل زوجٍ بأن يتقيَ الله تعالى في زوجته وأولاده ، وأن يعلم أن المرأة التي أخذها بكلمة الله تعالى إنما هي أمانة عظيمة سيسأله الله تبارك وتعالى عنها وعن فعله معها إن خيراً فبها ونعمت وإن شراً فلا يلومنَّ إلا نفسه.
إنها دعوةٌ للأزواج المشاكسين بأن يتذكروا أن الأصل في العلاقة بين الزوجين هي علاقة المودة والمحبة والتآلف والتراحم ، وهذه العلاقة هي السر في السعادة التي تظلل بيوت المسلمين الذين يفقهون المقاصد الشرعية للزواج حيث يقول جل جلاله:(( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)).
المودة والرحمة تعني أن الزوجة ليست شيئاً ثانوياً في هذه الحياة ، بل هي والله أصلٌ لكل شيءٍ جميل يظلل الحياة العائلية ، والنساء رياحين خلقهنَّ الله عزوجل ليملئن حياة الأزواج بهجة وسعادة ، ولو أن الأزواج ذكوراً وإناثاً استحضروا قاعدة الشراكة ووحدة المصير والهدف الذي يظلل حياتهم لتغلبوا على الكثير والكثير من الصعوبات والمنغصات التي تأتي بها ضغوط الحياة من هنا أو من هناك.
البيوت لا تخلو من المشاكل ، وهي كالملح على الطعام ، ولكن تلك المشاكل بحاجة إلى مبضع الجراح الماهر ، وحذاقة الربان الذكي الذي يجيد قيادة سفينة أسرته وسط عواصف الحياة.
وكم يكون الأمر مؤلماً للمرأة حين يتحول الزوج وهو ملاذ الحماية بعد الله عزوجل إلى عاملٍ من عوامل الهدم لا البناء ، والخوف لا الأمن ، والحاجة لا الاكتفاء ، والفساد لا الإصلاح.
الزوج مطالبٌ بشدة بأن يوفر أسباب العيش الكريم الآمن لزوجته وأولاده قدر استطاعته ، وهو مسؤول أمام الله تبارك وتعالى عن تربية الأبناء لأن تضييعهم وعدم متابعتهم من الجرائم التي تهز كيان المجتمع بأسره....فيا أيها الأزواج التفتوا إلى زوجاتكم وأولادكم ، واتقوا الله فيما استرعاكم عليه من رعية وتذكروا هتاف نبيكم في أذن الزمان حين قال:"ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته"....ودمتم بخير.