صلاة المريض
وللمريض في الطهارة عدة حالات:
1. إن كان مرضه يسيراً لا يضره معه استعمال الماء كالمريض بالصداع ووجع الضرس ونحوهما، فهذا لا يجوز له التيمم .
2. وإن كان به مرضه يزداد باستعمال الماء ، فهذا يجوز له التيمم .
3. المريض إذا لم يستطع الوضوء أو الغسل بالماء لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض فإنه يتيمم بتراب نظيف ، لقوله تعالى:" وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6] ، فإن كان لا يستطيع التيمم يَـمّمَهُ غيره ، بأن يأخذ يدي المريض فيضرب بها على التراب ثم يمسح وجهه وكفيه ، وإن كان بدنه أو ملابسه أو فراشه متلوثاً بالنجاسة ، ولم يستطيع إزالة النجاسة ، أو التطهر منها - جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها؛ لقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن:16].
4. من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء ، فأصابته جنابة ، جاز له التيمم للأدلة السابقة ، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي .
5. إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الماء أو التراب ، فإنه ينوي الطهارة بقلبه ، ويصلي على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة ، لقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن:16] .
6. المريض المصاب بسلس البول ، أو استمرار خروج الدم أو الريح ولم يبرأ بمعالجته ، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه ، أو يجعل للصلاة ثوبا طاهراً إن تيسر له ذلك . وإن تيسر أن يضع على فرجه قطناً أو نحوه مما يمنع وصول النجاسة إلى ملابسه وبقية بدنه ، فهو أفضل .
7. وإن كان المريض عليه جبيرة فيمسح عليها في الوضوء والغسل، ويغسل بقية العضو، أما إن كان المسح على الجبيرة أو غسل ما يليها من العضو يضره ، أو كان فيه جروح لا يستطيع غسلها ولا مسحها (كالحروق) اكتفى بالتيمم بعد انتهائه من الوضوء .
كيفية صلاة المريض ..
أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام، له أن يصلي جالسا، ويكون جلوسه حسب ما يسهل عليه فكيفما جلس جاز .
فإن عجز عن الصلاة جالسا فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن ، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى على ظهره , وتكون رجلاه جهة القبلة إن أمكن ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) "رواه البخاري" وزاد النسائي: " فإن لم تستطع فمستلقيا " .
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائما فيومئ بالركوع ( يعني : يميل بجسمه خافضاً رأسه ) ثم يرفع من الركوع ، فإذا أراد السجود جلس ، وأومأ بالسجود؛ لقوله تعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) [البقرة:238]، ولقوله صلى الله عليه وسلم : صل قائماً .
وإن كان المرض شديداً ، أو شللاً ، ولم يقدر على الإيماء برأسه ، نوى الركوع والسجود بقلبه ، وإن لم يكن عنده من يوجهه إلى القبلة , ولم يستطع التوجه إليها بنفسه ; صلى على حسب حاله , إلى أي جهة تسهل عليه .
وبعض المرضى ممن تجرى لهم عمليات جراحية , يتركون الصلاة لأنهم لا يقدرون على أدائها بصفة كاملة , أو لعجزهم عن الوضوء , أو لأن ملابسهم نجسة , وهذا خطأ كبير ; فلا يجوز ترك الصلاة . بل يصليها على حسب حاله : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) .
وبعض المرضى يقول : إذا شفيت ; قضيت الصلوات التي تركتها , وهذا تساهل ; فالصلاة تصلى في وقتها حسب الإمكان , ولا يجوز تأخيرها عن وقتها .
وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم ، أو حال ذكره لها ، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه. لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
وإن شق عليه فعل الصلاة بوقتها فيجمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسبما يتيسر له ، إن شاء قدم العصر مع الظهر وإن شاء أخر الظهر مع العصر، وإن شاء قدم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخر المغرب مع العشاء ، أما الفجر فلا تجمع مع ما قبلها ولا مع ما بعدها .
شروط الصلاة
للصلاة شروط لا تصح إلا بها , إذا عدمت أو بعضها ; لم تصح الصلاة , ومنها :
أولا : دخول وقتها : قال تعالى " إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا " ، وأوقاتها هي :
1 - صلاة الظهر : ويبدأ وقتها بزوال الشمس ; أي : ميلها إلى الغرب بعد تعامدها ، إلى أن يصير ظل كل شيء مثله .
2- العصر : تبدأ بنهاية وقت الظهر , إلى اصفرار الشمس ويسن تعجيلها في أول وقتها .
3- المغرب : من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ( والشفق : آثار غروب الشمس وهو بياض تخالطه حمرة , ثم تذهب الحمرة ويبقى بياض خالص ثم يغيب ) .
4- العشاء : تبدأ بخروج وقت المغرب إلى طلوع الفجر , وينقسم وقتها إلى قسمين : وقت اختيار يمتد إلى ثلث الليل , ووقت اضطرار من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني .
5- الفجر تبدأ بطلوع الفجر الثاني , ويمتد إلى طلوع الشمس , ويستحب تعجيلها .
قال تعالى :" فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " أي : الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها .
ثانيا: ستر العورة ، يستحب التزين عموماً للصلاة ، لكن الواجب على الرجل ستر ما بين السرة والركبة ، والمرأة تستر جسمها كله إلا وجهها وكفيها ( في الصلاة ) .
ثالثا: اجتناب النجاسة ; بأن يبتعد عنها المصلي , ويخلو منها تماما في بدنه وثوبه وبقعته التي يقف عليها للصلاة .
ومن رأى عليه نجاسة بعد الصلاة ولا يدري متى حدثت ; فصلاته صحيحة , وكذا لو كان عالما بها قبل الصلاة , لكن نسي أن يزيلها ; فصلاته صحيحة على القول الراجح .
وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وأمكنه إزالتها من غير عمل كثير ; كخلع النعل أو العمامة ونحوهما ; أزالهما وأكمل صلاته , وإن لم يتمكن من إزالتها ; قطع صلاته وأزالها ثم أعاد الصلاة .
ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا في المسجد المبني على القبر ، فإن كان المسجد مبنياً قبل القبر ; نُبش القبر وأخرج وإن كان القبر قبل المسجد ; فإما أن يزال المسجد , وإما أن يزال القبر .
وتكره الصلاة في مكان فيه تصاوير معلقة .
رابعاً : استقبال القبلة .. إلا العاجز عن الاستقبال كالمريض والمربوط ، وإن جهل القبلة سأل قدر المستطاع وصلى ، فإن لم يجد من يسأله وصلى حسب اجتهاده فصلاته صحيحة ، سواء أصاب القبلة أو أخطأها .
خامسا: النية ، ومحلها القلب فلا يتلفظ بها .
أركان الصلاة وواجباتها وسننها
الأركان : إذا ترك منها شيئاً , بطلت صلاته , سواء تركه عمدا أو سهواً .
والواجبات : إذا ترك منها شيئاً متعمداً ; بطلت صلاته , وإن تركه سهواً ; لم تبطل , ويجبره بسجود السهو .
والسنن لا تبطل الصلاة بترك شيء منها لا عمدا ولا سهوا , لكن تنقص هيئة الصلاة بذلك . والنبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة كاملة بجميع أركانها وواجباتها وسننها , وقال : "صلوا كما رأيتموني أصلي " .
وأركانها هي
1.القيـام مع القدرة ، 2.وتكبيرة الإحرام ( يقول : الله أكبر ) .
3.وقراءة الفاتحة ، وهي ركن على الإمام والمنفرد في كل ركعة ، وعلى المأموم في الصلاة السرية ، أما في الجهرية فهي ركن في حق المأموم في الثالثة والرابعة ، أما في الأولى والثانية فواجبة ، وفي الصلاة الجهرية على المأموم أن يقرأها بعد فراغ الإمام من قراءتها .
4.والركوع ، 5.والرفع منه ، 6.والسجود ، 7.والجلوس عنه ، 8.والتشهد الأخير جالساً ، 9.والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير
10.والتسليمة الأولى 11.الترتيب بين الأركان ، 12.والطمأنينة في كل الأفعال المذكورة : وهي التأني والسكون .
وواجباتها هي
1.جميع تكبيرات الانتقال ( وهي التي يقولها أثناء انتقاله بين أفعال الصلاة ) غير تكبيرة الإحرام فهي ركن ، 2.وقول : " سمع الله لمن حمده " للإمام والمنفرد , فأما المأموم ; فيقول : ربنا ولك الحمد ، 3.التحميد ; أي قول : " ربنا ولك الحمد " , للإمام والمأموم والمنفرد ، 4. قول : " سبحان ربي العظيم " في الركوع ، 5. قول : " سبحان ربي الأعلى " في السجود ، 6. قول : " رب اغفر لي " , بين السجدتين ,
6.التشهد الأول وهو أن يقول : " التحيات لله والصلوات والطيبات , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " ، 7. الجلوس للتشهد الأول " صلوا كما رأيتموني أصلي " ..
فهذه الواجبات من ترك واجباً منها متعمداً ; بطلت صلاته ; لأنه متلاعب فيها, ومن تركه سهواً أو جهلاً ; فإنه يسجد للسهو .
مسئول عن رعيته ..
بعث عبد العزيز بن مروان ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها ويطلب العلم .. وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده .. وكان يلزمه في الصلوات .. فأبطأ يوماً عن الصلاة .. فقال : ما حبسك ؟ قال : كنت أمشط شعري .. فقال : بلغ من حبك لشعرك أن تؤثره على الصلاة ؟! وكتب بذلك إلى والده .. فبعث أبوه رسولاً إليه فما كلمه حتى حلق شعره ..
وفقد عبد الملك بن مروان ولده هشام يوماً في صلاة جمعة .. فبعث إليه بعد الصلاة يسأله عن تغيبه .. فقال : عجزت بغلتي عن حملي .. ولم أجد دابة .. فأرسل إليه : وإذا لم تجد دابة تغيب عن الجمعة .. أقسمت عليك ألا تركب دابة سنة كاملة ..
وقال مجاهد : سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً قال لابنه : أدركت الصلاة معنا ؟ قال : نعم .. قال : أدركت التكبيرة الأولى ؟ قال : لا .. قال : لما فاتك منها خير من مائة ناقة كلها سود العين ..
وكان ابو هريرة رضي الله عنه إذا خرج للصلاة .. مر ببيوت أهله يصيح ويخرجهم معه إلى المسجد .. وهو يقرأ { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } ..