عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2011-11-20, 1:00 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي

أما الذين لا دين لهم فهم إن انتصروا أو انهزموا بين عذابين: آجل أو عاجل!! هذا موقف المؤمنين بالأقدار يتّسم بالقوة والتحدي، ولا شائبة فيه لريبة أو استخذاء ، غير أن كثيراً من الناس يجهلون هذه الحقيقة أو يجحدونها، ويباشرون أعمالهم وهم يحملون بين جوانبهم هموماً مقيمة، ومشاعر عقيمة، وهم لا يجزعون من أحزان تصيبهم فحسب، بل يجزعون من أحزان يتوقعونها، ويفترضون أن المستقبل قد يرميهم بها) أ.هـ.

وعلى النفس المعرفة بان الرضا هو نتاج الايمان بقدر الله، فمن رضي عن الله رضي الله عنه ، بل ان رضا العبد عن الله من ثمار رضا الله عنه ، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده ، رضا قبله اوجب له ان يرضى عنه ، ورضا بعده وهو ثمرة رضاه عنه.
وابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين قال : (من ملأ قلبه من الرضا بالقدر ملأ الله صدره غنى وامنا وقناعة وفرغ قلبه لمحبته والانابة اليه ، والتوكل عليه، ومن فاته حظه من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه).
وهذا هو السر الذي يسأل عنه الكثير من الناس في بعض مَن يُعجبوهم، تراهم يعيشون على وهن، لكنهم سعداء سعادةً ملأتهم وملأت غيرهم، وكل ذلك بالقناعة، الكنز الذي لا يفنى وإنْ فنى متاع الحياة الدنيا وايامها النزيرة، ثم اذا ابتلاهم مولاهم فوق بلواهم الاولى تراها شقينة هينة بالرضا ، وليس هذا لانه لم يحس بالم وعناء ، وانما الكرب يعيش مع نَفََسِه لكنه لا يعترض على الحكم ولا يتسخط على الحاكم ، وهذا هو الايمان.
اذا اشتدت البلوى تخفَّف بالرضا --- عن الله فقد فاز الرضيُّ المراقب
وكم نعمة مقرونة ببلية على --- الناس تخفى والبلايا مواهب
وان كان العبد راضيا ام لا ، فلا خروج للعبد عما قدره الله عليه، فلو رضي باختيار الله اصابه القدر وهو محمود مشكور، ملطوف به، وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به، ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في المقدور العطف عليه، واللطف فيه ،فيصير بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيه ما يحذره ،ولطفه يهون عليه ما قدِّر له.

ويعجبني ان اكرر دائما قول ابن ناصر الدين الدمشقي:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة --- لمـؤمن واثق بالله لا لاهي
ان جاءه فـرح او نابه ترح --- في الحالتين يقول: الحمد لله
المحور الثالث: التسخط والجزع وما يترتب عليهما .
عادة ما تصاب الاسر المؤمنة بمصيبة الموت ومصائب اخرى، والبعض يقلُّ ايمانه فيعتلي جزعه ويسخط، فيقع بامور حرَّمها الشرع الحنيف، ومنها:-
النياحة، والدعوى بدعاء الجاهلية ، وشق الجيوب ، وضرب الخدود، ورفع الصوت عند المصيبة، والويل والدعاء به، والنعي المحرم.
روى الامام مسلم عن ابي مالك الاشعري رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ ». وَقَالَ: « النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ».

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « اثْنَتَانِ فِى النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِى النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ».
فالنياحة على الميت من امور الجاهلية، وكذا الإسعاد: وهو المعونة على النياحة والاجتماع لاجلها، وكانوا ايضا الجاهليون، يرسلون بخبر الميت على ابواب الاحياء والاسواق، او يركب المخبر على دابة ويصيح في الناس ، وهذا ما يدعى بالنعي وهو النوع المحرم خصوصا اذا كانت الدعوة بنياحة النائح.

كل هذه الافعال حرَّمها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي ارشد فيه امته، كله كان لصلاح ديننا ودنيانا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » متفق عليه.

ولما وجع أبو موسى وجعا غشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة. متفق عليه. و( الصالقة ) هي التي ترفع صوتها عند المصيبة من الصلق وهو الصياح والولولة و( الحالقة ) التي تحلق شعرها عند المصيبة ويمكن أن يقاس عليها بالمقابل وهو من يمتنع عن حلق شعره المعتاد عند المصيبة ( الشاقة ) التي تشق ثيابها عند المصيبة ، من كل اولئك بري نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام.

والعودة الى ما فات لا يحَسُن الا لذكرى واعتبار، اما لتجديد الحزن ، وتنكيء جرح فهذا ما يرديك في جملة المنافقين ومرضى القلوب ، وما اكثرهم اليوم بيننا ، شافاهم الله.

قال العلماء : الناس حال المصيبة على مراتب أربع:

المرتبة الأولى: التسخط، وهو على أنواع: النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخّط على ربه يغتاظ مما قدره الله عليه، فهذا حرام وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11]. النوع الثاني: أن يكون التسخّط باللسان، كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا حرام. النوع الثالث: أن يكون التسخّط بالجوارح، كلطم الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.

المرتبة الثانية: الصبر، فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه، لكنه يحتمله، وهو يكره وقوعه، ولكن الصبر يحميه من السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده، وهذا واجب؛ لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال:46].

المرتبة الثالثة: الرضا، بأن يرضى الإنسان بالمصيبة، بحيث يكون وجودها وعدمها سواء، فلا يشق عليه وجودها ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً، وهذه مستحبة وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر؛ لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا، أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه، لكن صبر عليها.

المرتبة الرابعة: الشكر، وهو أعلى المراتب، وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة، حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته، وربما لزيادة حسناته، قال : ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكُها))".

هذه اقسام الناس عند المصيبة، وهذه انواع الناس عند التسخط، فلا يرى ان القدر وقع الا لضر به، فما احتسب شيئا لله، ولا فكر بالخير حالته ، لكنه سيقر في مقبل الايام ، وما من اجر عندها.
وذكر علي بن الحسن رضي الله عنه ان رجلا قال للاحنف بن قيس: ما اصبرك؟ فرد عليه قائلا: الجزع شر الحالين يباعد المطلوب ويورث الحسرة ويبقي على صاحبه عارا.
وفي الايام القادمة وحدها العوض عما فقدنا وليس فيما يغضب المولى، وكما قال الغزالي: فما قيمة ان ينجذب المرء بافكاره ومشاعره الى حدث طواه الزمن ليزيد ألمََهُ حرقة وقلبه لذعاً.
وبالفعل، فقد اسودت الايام عقب سواد ملبسهم عليهم، وما آلت نَضِرة، ولا ينكر هذا عقل وهو يشاهده بنفذ الحقيقة المبصرة.
المحور الرابع: مِنْ احكام العزاء.
اولا: حكم التعزية: التعزية مستحبة عند جميع الفقهاء ،سواء سبقت الدفن ام تلَته، لانها من التعاون على البر والتقوى الذي جاء في كتاب الله ومما ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح النووي وغيره، ولا خلاف في استحبابها كما اشار ابن قدامة.
ولتعزية صاحب المصاب فضل منسي عند الكثير من الناس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عزى اخاه المؤمن في مصيبته كساه الله حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة، قيل :وما يحبر؟ قال: يغبط).اخرجه ابن ابي شيبة وحسنه الالباني، وكذلك ثبتت احاديث عن الحلة والبرد، او الاجر المساوي لاجر المصاب.

ثانيا: صور التعزية: ان افضل صورة للتعزية هي اختيار النبي عليه الصلاة والسلام، هذا قرار العلماء، وحصل اختياره عندما قبض حفيده فارسل لابنته بقوله : (ان لله ما اخذ وله ما اعطى وكل شيء عنده باجل مسمى فلتصبر ولتحتسب). وهذا لفظ من الالفاظ، فلو قال: (اعظم الله اجرك على مصيبتك...) لكان مستنا بسنة النبي، على اي وجه حسن كان، واهمه ما يدخل في المواساة لا حجر على لفظ وكذلك المُعزَّى.

ثالثا: وقت التعزية: يبدأ وقت التعزية بوقوع المصاب، ولاينتهي وقتها، فمتى ما علم بالمصاب شرع له التعزية، وهذا رأي جمهور الفقهاء، ولمِا بعد الدفن ان كان موتا افضل، لانشغالهم بدفنه ابتداءً ولشعورهم بفراقه انتهاءً، اما لمن علم عند وقوعها ففي الايام الثلاثة الاولى افضل لكراهة تجديد المصاب الذي ينسى غالبا بعد ايامه الثلاث ،وجاز بعدها لمن لم يكن عالما بالمصاب.

رابعا: صنع الطعام: اتفق العلماء على ان صنع الطعام سنة وقربة من القربات ، وهي ان كانت تصنع لاهل الميت، لامر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك في ال جعفر رضي الله عنه وارضاه، ففيه الاعانة لهم ،والجبر لقلوبهم، اما صنعه للناس فمكروه عند عامة اهل العلم، الا اذا كانت هناك حاجة في ذلك ملحة على قول اخرين ، كأن يكون القادمون للعزاء من اماكن بعيدة، فيدخل في مدخل الضيافة لهم ، واما الذي يسري مسرى الخيلاء والفخر فمقطوع بحرمته.

خامسا: تغيير الهيئات: كرَّه العلماء تغيير الهيئة لاظهار الحزن وابداء الجزع ، فهو مناف للصبر الواجب على اقدار الله تعالى والاستسلام لقضائه، والاولى بصاحب المصيبة البقاء على سجيته وطبيعته رضا وتسليما.

سادسا: مراثي الاموات وتأبينهم: الرثاء : هو بكاء الميت بعد موته ، ومدحه بتعداد المحاسن، واجاز الجمهور رثاء الاموات بشرط ان يكون مذهبا للاحزان ، مثنيا على الرب سبحانه، فهي اشعار بالرضا عما قضى الله، خاليا مما حرم الشرع مما سبق ذكره ،وينطبق هذا على التأبين فهو مترادف في معناه بالرثاء.

هذه مجمل ما يحتاجه المؤمن عند وقوع المصيبة ، نسأل الله ان يجرنا في مصائبنا وان يخلف لنا خيرا منها انه حكيم عليم.

المصادر حسب الترتيب الهجائي :-
1-احكام الجنائز، سعيد بن علي القحطاني.
2- العزاء احكام واداب،شبيب بن محمد الزعبي.
3- القضاء والقدر، محمد بن ابراهيم الحمد.
4- برد الاكباد عند فقد الاولاد،ابن ناصرالدين الدمشقي.
5- جدد حياتك، محمد الغزالي.
6- ديوان الشافعي، تحقيق د.محمد عبد المنعم خفاجي.
7- سنن الترمذي.
8- شرح رياض الصالحين، محمد صالح العثيمين.
9- صحيح البخاري.
10- صحيح مسلم.
11- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني.
12- في ظلال القران، سيد قطب.
13- مدارج السالكين، ابن القيم.


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟