المحور الثاني: الرضا بالقضاء والقدر.
انه تقدير الله تعالى للاشياء في القدم ، وعلمه سبحانه انها ستقع في اوقات معلومة ، وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته لذلك ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها.
والقرآن الكريم ذكر ذلك في كثير من الايات كقوله -على سبيل المثال- في سورة القمر : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر:49. وهذه اية ومثال ، وعدد الايات التي تكلمت عن القضاء والقدر عشرة، منثورة في تضاعيفه.
والسنة النبوية المطهرة كانت لها اربع ادلة صرحت بالقضاء والقدر ، منها حديث جبريل المشهور وفيه (وان تؤمن بالقدر خيره وشره)، وعلى ذلك اجمعت الامة على وجوب الايمان به.
حتى الجاهلية قبل الاسلام ، عرفت القدر ولم تنكره ، فافصحوا عنه بخطبهم ، واشعارهم ، فمن قول لعنترة :
يا عبل اين من المنية مهربي --- ان كان ربي في السماء قضاها؟
ولما نردد الكلمة المشهورة على السنة الناس بـ( ان الحذر لا ينجي من القدر) نتذكر قائلها، وهو هاني بن مسعود الشيباني، اباح بها يوم ذي قار في الخطبة التي القاها.
فما من شيء الا وقد خلقه الله بقدر، قال الحسن البصري رحمه الله في كلمته عن القدر: (ان الله خلق خلقا فخلقهم بقدر، وقسم الاجال بقدر، وقسم ارزاقهم بقدر، والبلاء والعافية بقدر).
ولك ان تسرح في ابيات الشافعي لترسخ عندك الايمان بالقدر ، تلك التي سرحت في فكر ابن عبد البر فقال عنها (هذه الابيات مِنْ اثبت شيء في الايمان بالقدر) قوله:-
وما شئت كان وان لم اشـأ ---- وما شئت ان لم تشـأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت --- وفي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خـذلت --- وهــذا اعنـت وذا لم تعن
فمنهـم شقي ومنهـم سعيد --- ومنــهم قبيح ومنهم حسن
يقول الشيخ محمد الغزالي: (إحساس المؤمن بأن زمام العالم لن يفلت من يد الله يقذف بمقادير كبيرة من الطمأنينة في فؤاده، إذْ مهما اضطربت الأحداث وتقلبت الأحوال فلن تبُتّ فيها إلا المشيئة العليا ، والحق أنه لا معنى لتوتر الأعصاب واشتداد القلق بإزاء أمور تخرج عن نطاق إرادتنا، ومن ثم ينبغي أن نستقبل الدنيا بيقين وشجاعة ويعجبني قول عليّ:
أيُّ يوميّ من المـوت أفــرّ؟ --- يـوم لا يُقْـدَر؟ أو يوم قُدِر؟
يـوم لا يُقـدَرُ لا أحــذره --- ومن المقدور لا ينجو الحَذِر!!
وذاك ما عنته الآيات الكريمة: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ، قُلْ: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) التوبة 51-52. يعنون كسب المعركة بالنصر، أو الموت فيها دون الظفر بها، وهو حسن كذلك، لأن ما عند الله من مثوبة محفوظ مضمون.