فلا تترددوا
وقع مرة بيني وبين صديق لي ما قد يقع مثله بين الأصدقاء ، فأعرض عني وأعرضت عنه ، ونأى بجانبه ونأيت بجنبي ، ومشى بيننا أولاد الحلال بالصلح ، فنقلوا مني إليه ومنه إلي ، فحولوا الصديقين ببركة سعيهما إلى عدوين ، وانقطع ما كان بيني وبينه ، وكان بيننا مودة ثلاثين سنة
وطالت القطيعة وثقلت علي ، ففكرت يوماً في ساعة رحمانية ، وأزمعت أمراً . ذهبت إليه فطرقت بابه ، فلما رأتني زوجه كذبت بصرها ، ولما دخلت تنبئه كذب سمعه ، وخرج إلي مشدوهاً ! فما لبثته حتى حييته بأطيب تحية كنت أحييه أيام الوداد بها ، واضطر فحياني بمثلها ، ودعاني فدخلت ، ولم أدعه في حيرته ، فقلت له ضاحكاً :ـ
لقد جئت أصالحك
وذكرنا ما كان وما صار ، وقال وقلت ، وعاتبني وعاتبته ، ونفضنا بالعتاب الغبار عن مودتنا ، فعادت كما كانت ، وعدنا إليها كما كنا
وأنا أعتقد أن ثلاثة أرباع المختلفين لو صنع أحدهما ما صنعت لذهب الخلاف ، ورجع الائتلاف ، وإن زيارة كريمة قد تمحو عداوة بين أخوين كانت تؤدي بهما إلى المحاكم والسجون
إنها والله خطوة واحدة تصلون بها إلى أنس الحب ، ومتعة الود ، وتسترجعون بها الزوجة المهاجرة ، والصديق المخالف
فلا تترددوا
الشيخ الطنطاوي
رحمه الله