عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2007-05-15, 9:34 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
المقعد عن الحركة !

عندما ينتحر الحماس ؛ يركن للدَّعة وحُبِّ الراحةِ والنوم والكسل ، فيصبح كالزَّمِنِ المُقْعَدِ :
إن قلتُ قُم قال رِجلي ما تطاوعني أو قلتُ خذ قال كَفِّي ما تُواتيني
قيل للربيع بن خثيم : لو أرحت نفسك ؟ قال : راحتها أريد !
قالوا : السعادةُ في السكون *** وفي الخمول وفي الخمود
في العيشِ بين الأهل لا *** عيشَ المهاجر والطريد
في المشي خلف الركب في *** دعة وفي خطو وئيد
في أن تقول كما يقال *** فلا اعتراضَ ولا ردود
في أن تسيرَ مع القطيعِ *** وأن تقاد ولا تقود
قلت : الحياةُ هي التحركُ *** لا السكونُ ولا الهُمود
وهي الجهادُ ، وهل يجاهدُ *** من تعلق بالقعود ؟
وهي التلذُّذ بالمتاعب *** لا التلذذ بالرقود
هي أن تذودَ عن الحياضِ *** وأي حرٍّ لا يذود ؟
هي أن تُحِسَّ بأن كأسَ *** الذلِّ من ماءٍ صديد
وهكذا أهلُ الدنايا لا يرضون بغير الراحة فوق التكايا ، وأما أهل المعالي فيهجرون الوساد ويعافون الرقاد .
وقد ورد :" ذهب زمن النوم يا خديجة " !
أعاذلتي على إتعابِ نفسي *** ورعيي في الدُّجى روضَ السهادِ
إذا شام الفتى بَرْقَ المعالي *** فأهونُ فائتٍ طِيبُ الرُّقاد
قال عطاء بن أبي رباح : لأن أرى في بيتي شيطاناً ؛ خير من أن أرى فيه وسادة ، لأنها تدعو إلى النوم .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من خافَ أدلجَ ، ومن أدلجَ بلغَ المنزلَ ، ألا إن سلعةَ الله غاليةٌ ، ألا إن سلعةَ الله الجنة "

المتاع الزائل !

عندما ينتحر الحماس ؛ تضيعُ الأموالُ في التفاهاتِ والمحقَّراتِ ، فكلما اشتهى اشترى ولو بغير حاجة ، فيبذل في نعاله وعقاله ما لا يبذل لدينه ، ويغدق في شراء ثوبه ما لا يبذل لنصرة معتقده .
قال أبو حازم : لوددت أن أحدكم يتقي على دينه كما يتقي على نعله .
فينغمس في الترف الزائد والترفل في اللذائذ ، ويركن لنعيم الدنيا الزائل ومتاعها المنقطع ، ولو أنه يبذل لدينه ما يبذله في المكسَّرات والمقبِّلات لأطعم بها أهل مسغبة ، و لكسى بها أهل متربة .
قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه : أيكم استطاع أن يجعل في السماء كنزه فليفعل حيث لا تأكله السوس ولا تناله السرقة ، فإن قلب كل امرئ عند كنزه .
من حَبَّةِ البُرِّ اتخذ مثَلَ الندى *** يا من قَبضتَ على الندى يُمناكا
هي حبَّةٌ أعطتكَ سبع سنابلٍ *** لتجودَ أنتَ بحبةٍ لسواكا
حلمت بأن ستكونَ في خبز القِرى *** فتراقَصَتْ للموتِ تحت رحاكا
وكأنما الشقُّ الذي في وسْطِها *** لك قائلٌ : نصفي يخصُّ أخاكا

ضياع رأس المال !

عندما ينتحر الحماس ؛ تضعف العبادات ليحصل النقص في رأس المال من الفرائض والواجبات ، فضلاً عن النوافل والمستحبات .
قال معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه : اللهمَّ إنكَ تعلمُ أني لم أكن أحبُّ البقاءَ في الدنيا ولا طولَ المكثِ فيها لِجَرْيِ الأنهارِ ولا لغرسِ الأشجارِ ، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل ، وظمأ الهواجر في الحر الشديد ، ولمزاحمة العلماء بالرُّكَب في حِلَق الذِّكر "
فأين أنت عن مثل معاذ ؟!
هل أنت ممن يحافظ على السنن الرواتب لتبنى له بيوتٌ في الجنة ؟
هل تحرص على تكبيرة الإحرام ؟ وتنافس على الصف الأول ؟
هل تخشع في صلاتك ؟
هل تأسف على فوات صلاة الجماعة إذا فاتت عليك ؟
أين أنت عن ركعتي الضحى ؟ صلاة الأوابين !
هل تحافظ على قيام الليل ؟ وهل تلازم صلاة الوتر ؟ فإنها شرف المؤمن .
" ومن مثلك يا ابن آدم ؟! خَلِّ بينك وبين المحراب تدخل منه إذا شئت على ربك ، ليس بينك وبينه حُجَّابٌ ولا تُرجمان .
كيف هي صِلَتُك بكتاب الله تعالى ؟
هل لك وردٌ يومي من القرآن الكريم لا تتنازل عنه أبداً ؟
متى كانت آخر دمعة نزلت من عينك ؟ خشية لله تعالى ؟
ماذا حفظت من آيات جديدة خلال هذا الشهر ؟ بل في هذا العام ؟
هل راجعت كتب التفسير لتقف على مراد الله من الآيات ؟
هل تتابع بين الحج والعمرة لتنفي عنك الفقر والذنوب ؟
هل تصوم النوافل كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر ، فإن الصيام لا عِدلَ له ؟
هل تحرص على الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى في وجوه الخير ؟ فإن المؤمن في ظل صَدَقته يوم القيامة .
فيا سبحان الله !
" لله ملك السموات والأرض ، واستقرضَ منكَ حَبَّةً ، فبخلتَ بها ، وخلقَ سبعةَ أبحرٍ ، وأحبَّ منكَ دمعةً ، فَقَحَطَتْ بها عينُك ؟ "
هل تحافظُ على الأذكار والأوراد اليوميَّة ؟ أم أن الأمر كان في بداية الالتزام فقط ؟!
إذا مرِضنا تداوينَا بذِكرِكُمُ *** ونترُكُ الذِّكرَ أحياناً فننتَكِسُ
ميِّتُ الأحياء !
عندما ينتحر الحماس ؛ لا ينكرُ منكراً ، ولا يتمعَّرُ وجهُهُ غضباً لله ، ولا تجري دماءُ الغيرة في أوردَتِه إذا انتُهِكَت حدودُ الله ، فهو حيٌّ كالأمواتِ ، وميِّتٌ بين الأحياء .
سُئِلَ حُذيفَةُ بنُ اليمانِ ـ رضي الله عنه ـ عن ميتِ الأحياءِ ، فقال : الذي لا ينكرُ المنكرَ بيده ولا بلسانه ولا بقلبه .
يقول سفيان الثوري ـ رحمه الله تعالى : إني لأرى الشيء يجب عليَّ أن آمر فيه وأنهى ، فأبول دماً .
فيا أيها المخذولُ ! ما قامت بِدعةٌ إلاَّ على أنقاضِ سُنَّة ، وما استعلنَ أهلُ الباطلِ بباطلهم إلاَّ عند سكوتِ أهل الحقِّ عن حقِّهم ، فيا لله ! أترضى بنقصانِ الدِّين وأنت حيٌّ تُرزَق ؟!
أترضى بالدنيَّةِ في دينك وبكَ رَمَقٌ ؟!
يقول أبو عبد الرحمن العُمري الزاهد ـ الذي قدم يوماً إلى الكوفة ليُخوِّف الرشيدَ بالله ، فرجفت لمجيئه الدولة ، حتى لو نزل بهم من العدو مئة ألف ، ما زاد من هيبته ـ يقول : إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله ، بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه ، ولا تأمر ، ولا تنهى خوفاً من المخلوق . من ترك الأمر بالمعروف خوف المخلوقين ، نُزِعَت منه الهيبة ، فلو أمر ولده لاستخفَّ به "
يؤثر السلامةَ على إسلامه ، ودنياهُ على دينه ، وعاجلَتَه على آجلَتِه ، فماذا سيقولُ لو قيلَ له تقدَّم لنزال الكفار .. أيها الجبان الخوَّار !
أضحتْ تُشجعني هندٌ فقلتُ لها *** إن الشجاعةَ مقرونٌ بها العطبُ
لا والذي حجَّت الأنصارُ كعبَتَهُ *** ما يشتهي الموتَ عندي مَن له أرَبُ
للحربِ قومٌ أضلَّ الله سعيَهمُ *** إذا دَعَتهم إلى حَوماتِها وثَبُوا
ولستُ منهم ولا أهوى فِعالَهُمُ *** لا القتلُ يُعجبني منهم ولا السَّلَبُ
هنيئاً لأعدائك بك !
يقول ليَ الأميرُ بغيرِ جرمٍ *** تقدَّم حينَ حلَّ بنا المِراسُ
فما ليَ إن أطعتُكَ في حياةٍ *** ولا لي غيرُ هذا الرأسِ راسُ

شمعة بدون ضياء !

عندما ينتحر الحماس ؛ لا يتحمس للدعوة إلى الله تعالى ، ولا يجتهد في هداية الخلق ، وسوقهم إلى ربهم سوقاً جميلاً ، يرى صرعى الشهوات ، وهلكى الغفلات ، ثم لا يتحرك لإنقاذهم من أنفسهم وشياطينهم .
اسمع لصلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ ماذا يقول : إنه متى يسَّر الله تعالى فتح بقية الساحل ، قسمتُ البلاد وأوصيتُ وودَّعتُ ، وركبتُ هذا البحر إلى جزائِره ، واتّبعتهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت .."
بُغضُ الحياةِ وخوفُ الله أخرجني *** وبيعُ نفسي بما ليستْ له ثَمنًا
إني وَزَنْتُ الذي يبقى ليَعدِلَه *** ما ليس يبقى فلا والله ما اتَّزَنا
قال تعالى : [ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ]

الراعي حول الحمى !

عندما ينتحر الحماس ؛ يقع الغافل في المحظورات ، لا يتورعُ عن مكروهٍ ، ولا يتنزَّهُ عن مخالَفةٍ ، فإذا رُوجع فيها ونُهيَ عنها ، قال : وهل هي حرام ؟!
وهَبْ أنها لم تصل للحُرمَةِ القاطِعَةِ ، أين تَرْكُ ما فيه بأسٍ إلى ما ليس فيه ؟ أينَ الورعُ ؟ أين البُعدُ عن الشبهات ؟!
يقول سفيان بن عيينة : لا يصيب العبد حقيقة الإيمان ، حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال ، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه .
يا من يرعى حولَ الحمى : أين التقوى ؟ أين الحذرُ من النظراتِ الخائنةِ ، أين الخوفُ من الكلماتِ المحرَّمة ، أين البُعدُ عن السماعِ الممنوعِ .
فها أنتَ تجلسُ في المطاعم المختلَطَة ، حيث النظراتُ الخائنات ، واللقاءاتُ الموبِقات ، فما الذي أدخلكَ مواطن الغفلات ؟!
وها أنت تحادثُ الممرضاتِ والمضيفاتِ ، والعينُ بالعَيْن ، والجُروحُ بالقلبِ مُلتهباتٍ !
وها أنت تنظر إلى القنواتِ الفضائيةِ ، والمجلاتِ المنحرفةِ ، بزعم الوقوف على أفعال أهل المنكرِ ، فإذا بك من ضحاياها ، فأين دينك عن تلك النظرات ؟!
وها أنتَ تقع في بعض المعاملات التي كنت تحذِّر منها وتنهى عنها ، فما الذي غيَّر الحكم على تلك المعاملات ؟!
وها أنت تلعب ببعض الألعاب التي طالما نابذتَ أهلها ، فما الذي أوقعك في تلك المخالفات ؟!
وها أنت تسمع المعازفَ فوق رأسكَ في المحلاتِ والمراكز والفنادق والكبائن والمقاهي والملاهي ، فما الذي ألزمك بهذه المرديات ؟!
وها أنت تتبع سقطاتِ بعض أهل العلم ، فتفتي بالجواز على المجاز ، فلم زلَّت بك القدم في تلك السقطات ؟!
وها أنت تسافرُ للبلاد التي يظهر فيها الفساد ، فما الذي بدَّل رأيك فيها ؟ أجبني !
يا من هدَّم مجدَه ! وبعثَرَ جهودَه !
ما الذي أوقعَكَ في هذه السيئات ؟!
عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :" اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال ، من فعل ذلك استبرأ لدينه وعرضه ، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى "
كان الأوزاعي يقول : ويل للمتفقهين لغير العبادة والمستحلين الحرمات بالشبهات .
وماذا بعد ؟!
وبعد هذا التَّطْوَاف في أحوال بعض المتراجعين للخلف ، أو المراوحين مكانهم لا يبرحونه ، يأتي السؤالُ : أراكَ أغلظتَ علينا ، وحرَّمت ما أباحه الله لنا ؟!
أقول : أعوذ بالله أن أُحرِّم ما أحلَّ الله أو أبيح ما حرَّم [ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ]
ولكني أخاطب من أترفَّع بهم عن الدنايا ، وأهاتف من سمت بهم هممهم عن السفاسف ، وأحادث من لا يرضون بالدُّون ، ولا يقنعون باليسير ، ولا يركنون للعَرَض الزائل الحقير .
فخطابي للصفوة المنتقاة من عباد الله ، الذين يسيرون على سيرة أسلافهم الذين يقول قائلهم : كنا ندع ثلاثة أرباع الحلال خشية الوقوع في الحرام .
قال الحسن : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام .
وقال الثوري : إنما سُمُّوا بالمتقين لأنهم اتَّقوا ما لا يُتَّقى !
وقال ابن عمر : إني لأحبّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها .
إذا ما علا المرءُ رام العلا *** ويقنع بالدونِ مَن كان دونا

فعودوا لهم فالعود أحمد ، وسيروا على منهاجهم فالدرب أسعد ، ولتعد جذوة الإيمان متوهجة متوقدة ، تمر بها الأعاصير ، فلا تزيدها إلاَّ توجهاً وتوقداً .
فعذراً على قسوة العبارة ، وغلظة الإشارة ، ولكنها نفثة مكلوم ، وزفرة مهموم ، أحببت أن أقذفها في قلوب أحبابي من أهل الصحوة المباركة ، بارك الله فيهم ونفع بهم ، والسلام ختام .

وكتبه
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي