4) يعطون الأنوار و يعبرون الصراط :
من كرامة الله عز وجل لركب المحبين أن يعطيهم جل و علا الأنوار بين أيديهم و بأيمانهم يقدمهم النبي صلى الله عليه و سلم فما أعظم الفوز و أجل الكرامة لذلك الركب ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الحديد و قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8 فيعبرون الصراط في أمن و آمان ويدخلون الجنة تتلقاهم الملائكة على أبوابها (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 23ـ24) دخول الجنة
الجنة مستقر الركب المبارك يتقدمهم محمد صلى الله عليه و سلم يفتح له باب الجنة فيكون أول من يدخل ثم يتبعه الرسل و الأنبياء و يتواصل دخول الركب المبارك فلا تسل عن النعيم العظيم و العيش الرغيد كيف لا و قد حقق الله لهم ما يتمنون هناك حيث الفرحة و السرور و البهجة و الحبور (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (عبس:38 ـ 39) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) رواه مسلم
أخي المبارك أصغي إلي أسمعك شيئاً من أخبارها عن أسامة بن زيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه :( ألا هل مشمر للجنة فان الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام أبدا في حبرة ونضرة في دار عالية سليمة بهية ) قالوا نحن المشمرون لها يا رسول الله قال :( قولوا إن شاء الله ) رواه ابن حبان و ابن ماجة .
و عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم ) رواه مسلم
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ولا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا ) رواه البخاري و عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قوله عز وجل : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) رواه مسلم و عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ) رواه مسلم أخي المبارك هيا بنا نصحب الإمام ابن القيم رحمة الله و هو يصف نساء الجنة و حدث نفسك بالوصال :
يا خاطب الحور الحسان و طالباً *** لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت و من طلبت *** بذلت ما تحوي من الأثمان
أسرع و حث السير جهدك إنما *** مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق و حدث بالوصال النفس *** و ابذل مهرها مادام ذا إمكان
فاسمع صفات عرائس الجنات ثم *** اختر لنفسك يا أخا العرفان
حور حسان قد كملن خلائقاً *** و محاسناً من أجمل النسوان
حتى يحار الطرف في الحسن الذي *** قد ألبست فالطرف كالحيران
و يقول لما أن يشاهد حسنها *** سبحان معطي الحسن و الإحسان
و الطرف يشرب من كؤوس جمالها *** فتراه مثل الشارب النشوان
و كلهما مرآة صاحبه إذا *** ما شاء يبصر وجهه يريان
حمر الخدود ثغرهن لآلئ *** سود العيون فواتر الأجفان
و البرق يبدو حين يبسم ثغرها *** فيضيء سقف القصر و الجدران
و لقد روينا أن برقاً ساطعاً *** يبدوا فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضؤ ثغر باسم *** في الجنة العليا كما تريان
لله لاثم ذلك الثغر الذي *** في لثمه إدراك كل أمان
ريانة الأعطاف من ماء الشباب *** فغصنها بالماء ذو جريان
و القد منها كالقضيب اللدن في *** حسن القوام كأوسط القضبان
في مغرس كالعاج تحسب أنه *** عالي النقا أو واحد الكثبان
لا الظهر يلحقها و ليس ثديها *** بلواحق للبطن أو بدوان
لكنهن كواعب و نواهد *** فثديهن كألطف الرمان
و الجيد ذو طول و حسن في بياض *** و اعتدال ليس ذا نكران
و المعصمان فإن تشأ شبههما *** بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد ليناً في نعمة ملمس *** أصداف در دورت بوزان
و الريح مسك و الجسوم نواعم *** و اللون كاليقوت و المرجان
بكر فلم يأخذ بكارتها سوى *** المحبوب من إنس و لا من جان
فاجمع قواك لما هناك و اغمض *** العينين و اصبر ساعة لزمان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن *** تفعل رجعت بذلة و هوان
أخي المبارك هذا بعض الوصف لنساء الجنة فهل حن بك الشوق ؟ و هل توهمت نفسك وأنت في هذا النعيم ؟ محط الأشواق :
إنه الموعد الذي تتوق إليه نفوس المحبين لقد قطعوا كل هذه الرحلة الطويل ليفوزوا برؤية ربهم عز وجل إنه النعيم الذي ينسون به كل نعيم حيث يفوزون برؤية المولى عز وجل و زيارته سبحانه قال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22 ـ 23) قال الإمام ابن كثير رحمه : [{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } من النضارة، أي حسنة بَهِيَّة مشرقة مسرورة، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تراه عيانا، كما رواه البخاري، رحمه الله، في صحيحه: ( إنكم سترون ربكم عَيَانا ). وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، لحديث أبي سعيد وأبي هريرة -وما في الصحيحين-: أن ناسا قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: ( هل تُضَارُّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سَحَاب؟ ) قالوا: لا. قال: ( فإنكم تَرَون ربكم كذلك ) وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( جَنَّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فِضَّة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رِدَاء الكبرياء على وجهه في جنة عدن )وفي أفراد مسلم، عن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أهلُ الجنة الجنة ) قال: ( يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبَيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ ) قال: (فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، وهي الزيادة ). ثم تلا هذه الآية: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وفي أفراد مسلم، عن جابر في حديثه: (إن الله يَتَجلَّى للمؤمنين يضحك ) ]المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص1465 و قال الإمام السعدي رحمه الله : [{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم: منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشيا، ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم ] تيسير الكريم الرحمن جـ899 ـ 900 .
اللهم توفنا مسلمين و ألحقنا بالصالحين اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً اللهم ارزقا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .
محبكم : شائع محمد الغبيشي