ماذا يحدث للعبد في هذه الحياة عندما ينضم إلى رحلة المحبين ؟
أولاً : يحبه أهل السماوات و الأرض :
عندما ينضم العبد إلى قافلة المحبين فلا تسل عما يحدث له ؟ بل لا تسل عما يحدث في الكون من حوله يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل : إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) رواه البخاري و مسلم إنها الكرامة الكبرى يوم أن يضم المسلم إلى تلك القافلة المباركة فيحقق أعظم الفوز يحبه الله و تحبه الملائكة و يحبه أهل الأرض يقول الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } (فصلت:30/31) قال الإمام السعدي :{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }
تأمل أخي بارك الله فيك هذه الآيات لتعلم مقدار حب الملائكة لمن انضم إلى ركب المحبين يقول تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7ـ9) ما أجملها من حياة تحفها ملائكة الرحمن مكللة بالدعاء و الاستغفار و الحفظ وارعاية و الحب و الوداد يوضع لصاحبها القبول في الأرض فسائل الشجر و الحجر و الطير و سائر المخلوقات كم تكن له من الوداد و كم تأنس بقربه و وصاله بلغني الله و إياك أخي الحبيب هذه المنزلة .
ثانياً : العيش السعيد في الدنيا :
قال الله تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 يقول ابن القيم رحمه الله تعالى معلقاً على هذه الآية : [ وقد ضمن الله تعالى لكل من عمل صالحاً أن يحييه الله حياة طيبة ، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده ، وأي حياة أطيب من حياة من اجتمعت همومه كلها وصارت هماً واحداً في مرضاة الله تعالى ؟ ولم يتشعب قلبه بل أقبل على الله ....... إلى أن قال : ولا بد لكل من عمل صالحاً أن يحييه الله حياة طيبة بحسب إيمانه وعمله ].
ويقول سيد رحمه الله: [ وإن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض ... لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة . فيها الاتصال بالله ، والثقة به ، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه .. وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب ، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة ]. اهـ رحمه الله .
يقول ابن القيم : [ و الإقبال على الله تعالى ، و الإنابة إلية ، و الرضى به و عنه و امتلاء القلب من محبته و اللهج بذكره و الفرح و السرور بمعرفة : ثواب عاجل و جنة ، و عيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته .
سمعت شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
و قال لي مرة : ماذا يصنع أعدائي بي أنا جنتي و بستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني ! أنا حبسي خلوة و قتلي شهادة و إخراجي من بلدي سياحة .
و يقول : المحبوس من حبس قلبه عن الله و إن المأسور من أسره هواه .
و يقول ابن القيم : و علم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش و خلاف الرفاهية و النعيم بل ضدها و مع ما كان فيه من الحبس و التهديد و الإرهاق و هو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً و أشرحهم صدراً و أقواهم قلباً و أسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه .
و كان بعض العارفين يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف و قال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها و ما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل : و ما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله و معرفته و ذكره أو نحو هذا .
وقال آخر : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
يقول أحد التائبين من التفحيط : يا شباب الإسلام لن تجدوا السعادة في السفر و لا في المخدرات و التفحيط ، لن تجدوها أو تشموا رائحتها إلا في الالتزام و الاستقامة و في خدمة الدين .
و تقول فتاة تائبة : فيا من تبحثون عن السعادة عن الاستقرار النفسي عن الطمأنينة عن النقاء عن الصفاء عن المعاني الإنسانية لا تبتعدوا كثيراً ستجدون ظالتكم بين أيديكم في القرآن الكريم في تعاليم الدين قال تعالى :( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً)(الاسراء:82) ثالثاً : حسن الخاتمة :
تكفل الله لمن انضم إلى قافلة المحبين بحسن الختام كيف لا و هو ولي الله كيف لا والملائكة بالبشرى وعدم الخوف و الحزن تتلقاه فيختم له خير ختام فيوفق للنطق بالشهادتين عن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إلا الله دخل الجنة ) رواه أبو داود والحاكم.
و قد يختم له بعمل صالح فيموت و هو يجاهد في سبيل الله أو يموت وهو صائم أو هو يصلي أو يموت و هو حاج و قد يموت و هو يدعو إلى الله عز وجل 0 فهل تتخذ أخي القرار و وتلحق بركب المحبين لتظفر بحسن الخاتمة أستمع إلى قصص بعض المحبين ثم بعدها فكر بجدية في اتخاذ القرار .
يقول الدكتور خالد الجبير يقول: اتصل بي المستشفى و أخبروني عن حالة خطيرة تحت الإسعاف فلما وصلت إذا بشاب قد توفي رحمه الله و لكن ما تفاصيل وفاته ؟ أصيب الشاب بطلقة نارية عن طريق الخطأ فأسرع والداه جزاهما الله خيراً به إلى المستشفى العسكري بالرياض و لما كانا في الطريق التفت إليهما الشاب و تكلم معهما !! و لكن !! ماذا قال ؟ يقول والده كان يقول لهما لا تخافا !! فإني ميت و اطمئنا فإني أشم رائحة الجنة ليس هذا فحسب بل كرر هذه الكلمات الإيمانية عند الأطباء في الإسعاف حيث حاولوا و كرروا المحاولات لإسعافه ...فكان يقول لهم : يا إخواني إني ميت لا تتعبوا أنفسكم فإني أشم رائحة الجنة ثم طلب من والديه الدنو منه و قبلهما و طلب منهما السماح و سلم على إخوانه ثم نطق بالشهادتين ثم أسلم روحه إلى بارئها .
ما أجملها من خاتمه و ما أروعها من نهاية للحياة و هي على الحقيقة بداية للحياة الأخرى إنها زفاف عرس لشاب طاب حياً و ميتاً .
كيف كانت حياة هذا الشاب حتى فاز بهذه الخاتمة ؟ يقول والده : كان غالباً ما يقوم الليل فيصلي ما كتب الله له و كان يوقظ أهل البيت كلهم لصلاة الفجر مع الجماعة و كان محافظاً على حفظ القرآن و كان من المتفوقين في دارسته الثانوية.