قال الشاعر :
سل الواحة الخضراء والماء جاريـا * * * وهـذه الصحـاري والجبـال الرواسـي
سل الروض مزداناً سل الزهر والندى * * * سل الليل والإصباح والطير شاديا
سل هذه الأنسام والأرض والسما * * * سل كل شـيء تسمـع الحمد ساريـا
فلو جنَّ هـذا الليـل وامتـد سرمـدا * * * فمـن غيـر ربـي يرجـع الصبـح ثانيـا
ولقد كانت عبادة التفكر دأب النبي صلى الله عليه وسلم منذ تحنثه وهو شاب في غار حراء , وظل ذلك ديدنه حتى لحق بالرفيق الأعلى , فعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان ليلة من الليالي قال : يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي , قلت : والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت : فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت : ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت : ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها , ثم قرأ : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) سورة آل عمران .رواه ابن حبان في صحيحه ( 523) الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 106 .
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بِسَبْعِ خِصَالٍ ، فَلَنْ أَدَعَهُنْ حَتَّى أَلْقَاهُ ، أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَمُجَالَسَتِهِمْ ، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي ، وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي ، وَلاَ أَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا ، وَأَنْ أَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي ، وَأَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي ، وَأَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ ، وَلاَ تَأْخُذُنِي فِي الله لَوْمَةُ لاَئِمٍ ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ : لاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله . أخرجه رزين : انظر المشكاة 5358 وتفسير القرطبي 7\346 , وانظر : إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 3 / ص 128) وفي إسناده نظر .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما سُئل بم عرفت ربك؟ فقال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي، فقيل له: وهل يتأتى لبشر أن يدركه؟ فقال: لعجز عن الإدراك إدراك والبحث في ذات الله إشراك.
وفي الحديث : تفكروا في خلق الله و لا تفكروا في الله فتهلكوا .الألباني حديث رقم : 2471 في ضعيف الجامع .
قال أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة.
ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبي الدرداء قالت: التفكر والاعتبار.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) والقارعة لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلى من أن أهذّ القرآن ليلتي هذًا ـ أو قال: ـ أنثره نثرًا.
وعن طاوس قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: يا روح الله، هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم من كان منطقه ذكرًا وصمته فكرًا ونظره عبرة فإنه مثلي.
وكان لقمان يطيل الجلوس وحده فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك! فلو جلست مع الناس كان آنس لك, فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنة. وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم, وما علم امرؤ قط إلا عمل.
وقال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة. قال عبد الله بن المبارك يوماً لسهل بن علي -ورآه ساكتا متفكراً-: أين بلغت؟ قال: الصراط.
وقال بِشْر: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل. وعن ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب..
قال الشاعر :
الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ * * * وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَاهُ
الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالْوَحْشُ مَجَّدَهُ * * * وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ * * * وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ * * * وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ
لذلك كان التفكر من أفضل العبادات، لما له من آثار طيبة في حياة الإنسان والتي منها :
1- أن التفكر في الكون يورث الحكمة، ويحيي القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل. فما طالت فكرة امرئ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل، ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل، والفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.
قال الشاعر :
نُزْهَةُ الْمُؤْمِنِ الْفِكَرْ * * * لَذَّةُ الْمُؤْمِنِ الْعِبَرْ
رُبَّ لاهٍ وَعُمْرُهُ * * * قَدْ تَقَضَّى وَمَا شَعَرْ
جاء في الأثر : يا ابن آدم : جعلت لك قرارا مكينا في بطن أمك ، وغطيت وجهك بغشاء رقيق حتى لا تتأذي برائحة الطعام ، وحولت وجهك في بطن أمك حتى لا يؤذيك التنفس ، وجعلت لك متكأين ،متكأ عن يمينك ، ومتكأ عن شمالك ، أما الذي عن يمينك فالكبد وأما الذي عن شمالك فالطحال ،وعلمتك القيام والقعود وأنت في بطن أمك أفيقدر علي هذا أحد غيري ؟ ولما حان موعد وضعك أرسلت إلي الملك الموكل بالأرحام ليخرجك ،فأخرجك علي ريشة من جناحه ، وأنت ليس لك سن تقطع بها ولا يدا تفتح بها ولا رجل تمشي عليها وجعلت لك عرقان رقيقان في صدر أمك يخرجان لك لبنا سائغا حار في الشتاء بارد في الصيف وجعلت الحنان في قلب أبويك فلا يأكلان حتى تأكل ولا يشربان حتى تشرب أفيقدر علي هذا أحد غيري ؟ ولما قوي عودك واشتد ظهرك بارزتني بالمعاصي في الخلوة ومع الجماعة ولم تستحي مني ومع ذالك إن سألتني أعطيتك وان دعوتني أجبتك وان استغفرتني غفرت لك يا أبن آدم : من أكثر مني جودا وكرما وأنا الجواد الكريم ؟.
قال الشاعر :
تسبحه نغمات الطيور * * * يسبحه الظل تحت الشجر
يسبحه النبع بين المروج * * * وبين الفروع وبين الثمر
يسبحه النور بين الغصون * * * يسبحه المساء وضوء القمر
قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله :
زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخُلق.
زر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والعافية.
زر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة.
زر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل.
زر ربك كل آن لتعرف فضله عليك في نعم الحياة.
قال الشاعر :
فوا عجبا كيف يعصي الإله * * * أم كيف يجحده جاحدُ
لله في كل تحريكة * * * وتسكينة أبدا شاهدُ
وفي كل شيء له آية * * * تدل على أنه واحدُ
وقال آخر :
تَأَمَّلْ في رِيَاضِ الرِّوضِ وانظر * * * إلَى آثارِ مَا صَنَعَ المَلِيكُ
عُيُونٍ مِنْ لجينٍ شاخصاتٍ * * * بأحداقٍ كما الذَّهَب السَّبيك
عَلَى قَضِيبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِداتٍ * * * بأَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ شَرِيك
2- أن التفكر في الكون يكشف عن عظمة الخالق في خلقه ,ويجعل المرء يقر بوحدانية الله تعالى , ويتواضع لعظمته , ويحاسب نفسه على أخطائها فيزداد إيماناً وصفاء.
سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟. قال سبحانه : وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله . سورة الزخرف : 87 .