عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2011-10-30, 9:59 PM
حامد نوار
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 127765
تاريخ التسجيل : 4 - 9 - 2010
عدد المشاركات : 11,179

غير متواجد
 
افتراضي الجمال الباطن والجمال الظاهر
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


اعلم أن الجمال ينقسم قسمين: ظاهر وباطن.
فالجمال الباطن: هو المحبوب لذاته؛ وهو جمال العِلم والعقل والجُود والعِفة والشَّجاعة.
وهذا الجمال الباطن هو مَحل نظر الله مِن عبدِه، ومَوضِع محبَّته؛ كما في الحديث الصَّحيح: "إنَّ اللهَ لا يَنظر إلى صُوَركم وأموالكم، ولكنْ: ينظر إلى قُلوبِكم وأعمالِكم".
وهذا الجمال الباطن يزين الصورةَ الظاهرة -وإنْ لم تكنْ ذات جمال-؛ فتكسو صاحبَها مِن الجمال والمَهابة والحلاوة بحسب ما اكتست رُوحُه مِن تلك الصِّفات.
فإن المؤمنَ يُعطَى مَهابةً وحلاوةً بحسب إيمانِه: فمَن رآهُ؛ هابَه، ومَن خالطَه أحبَّه.
وهذا أمرٌ مشهودٌ بالعيان: فإنك ترى الرجلَ الصالحَ المُحسِن ذا الأخلاق الجميلة مِن أحلى النَّاس صورةً -وإن كان أسودَ، أو غيرَ جميل-ولا سيما إذا رُزق حظًّا مِن صلاة الليل؛ فإنها تُنوِّر الوجهَ وتُحسِّنه-.
وقد كان بعضُ النساء تُكثِر صلاة الليل، فقيل لها في ذلك؛ فقالت: إنها تُحسِّن الوجه، وأنا أحب أن يحسن وجهي.
ومما يدل على أن الجمالَ الباطنَ أحسنُ مِن الظاهر: أن القلوب لا تنفكُّ عن تعظيمِ صاحبِه ومحبتِه والميل إليه.

( فصل )
وأما الجمال الظَّاهر: فزينة خصَّ اللهُ بها بعضَ الصور عن بعض، وهي مِن زيادة الخلْق التي قال الله -تعالى- فيها: {يَزيدُ في الخَلْقِ مَا يَشاءُ}، قالوا: هو الصوتُ الحسَن والصُّورة الحسَنة. والقلوب كالمَطبوعة على محبَّته على محبَّته كما هي مفطورة على استحسانه ...

( فصل )
وكما أن الجمال الباطن مِن أعظم نِعَم الله -تعالى- على عبدِه؛ فالجمال الظاهر نعمة منه -أيضًا- على عبدِه يوجب شُكرًا، فإن شكَره بتقواه وصيانتِه؛ ازداد جمالًا على جمالِه، وإن استعمل جمالَه في معاصيه -سبحانه-؛ قَلَبَه له شيئًا ظاهرًا في الدنيا قبل الآخرة! فتعود تلك المحاسن وَحشةً وقُبْحًا وشَينًا يشينُه به بين الناس.
فحُسن الباطن يعلو قُبحَ الظاهر ويسترُه، وقبحُ الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره.


["روضة المُحبين"، لابن القيم، 231-232]

منقول