عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2011-10-25, 5:15 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي لو كَانَ لكَ عُمُران فِي الدُّنيا ؟! مَا كنتَ فاعلاً بهِمَا ؟! (فقهُ الأمَاني)



لو كَانَ لكَ عُمُران فِي الدُّنيا ؟! مَا كنتَ فاعلاً بهِمَا ؟! (فقهُ الأمَاني)
أبو همام السعدي

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ هذه الدنيا مليئةٌ بالمحاسنِ والمفاسد, من أهلِها منْ يُحسنُ فيها ومنهم من يُسيء, والأعمال مكتوبةٌ؛ والآمالُ محدودة, والآجال مقدورة, (وكلٌ مُيَسَّرٌ لمَِا خُلقَ له), والعبدُ إما ماضٍ في طاعةٍ مداومٌ عليها, وإما كابدٍ في معصية مبتلٍ بها.
· إنَّ الأمانيَ جبلَّة جبلها الله في خلقِهِ, ومبدؤها ليسَ بعيبٍ كما هو معلوم, إنما محورها أو نِتاجها هو الذي يحدِّد عَيْـبها من حَسنِها, وقد جاءتِ الشريعةُ الغرَّاء بذكرِ فضلها في حالات, وجاءتْ بذمِّها في حالاتٍ أخرى.


فأما ما جاءَ في فضلها فهو في "كلُّ أمنيةٍ تُمْنى لفعلِ الخَيْر", والأحاديثُ الواردة في ذلك كثيرة جدًا؛ منها قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَوْ كَانَ عِنْدِى أُحُدٌ ذَهَبًا، لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِىَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيءٌ أُرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَىَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجِّه «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْىَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» وقال صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ». ولما قال عندَ قبر بعضِ أصحابِهِ (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قال النووي رحمه الله: قال العلماء فيهِ جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح اهـ.

* وأما ما جاءَ في ذمِّها فهو في "كل ما فيه اعتراضٌ على القدرِ وفي تحصيلِ المستحيل وما يكون داعية إلى الحسدِ".
ودليلُ الأول: حديث تمني الموتِ, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لضرِّ نزلَ به إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ». قال الإمام ابن حجر: وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص؛ فإنَّ تمني الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه اهـ.

(فائدةٌ): صحَّت الأحاديثِ باستعمالِ النبي صلى الله عليه وسلم (لو, ولولا)؛ منها قوله (لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ) وقوله (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) فكيفَ الجمعُ بينها وبين قولِ النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) ؟
إليكَ إجابةُ شيخُ المحققينالطبري إذ يقولُ: طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث: الدالة على الجواز: أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع؛ فالمعنى: لا تقل لشيء لم يقع (لو أني فعلت كذا لوقع) قاضيًا بتحتم ذلك؛ غير مُضْمِرٍ في نفسك "شرطَ مشيئة الله تعالى", وما ورد من قول (لو) محمولٌ على ما إذا كان قائله موقناً بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا "بمشيئة الله وإرادته" اهـ.
* قال الإمام ابن حجر: وأما من قاله تأسفا على "ما فات من طاعة الله" أو "ما هو متعذر عليه منه" ونحو هذا فلا بأس به؛ وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث اهـ.
ودليلُ الثَّاني: تمني الكفار الشفاعة, قال تعالى {أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى} قال ابن كثيرٍ: أيْ؛ ليس كل من تمنى خيرا حصل له اه وذلك فيمنْ يتمنَّى من الكفارِ الشفاعة فإنها مستحيلة لهم كقولهم {فَلَوْ أنلَنَا كَرة فَنَكـونَ مِن المُؤمِنين}
ومنهُ قال ابن الرومي شهر رمضان:
فليتَ الليل فيه كان شهرًا *** ومرَّ نهارُهُ مرَّ السحاب
ودليلُ الثَّالثِ: تمني النساء ما للرجال, قال تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} إذْ حاصل ما في الآية الزجر عن الحسد كما هو مرادُ البخاري من إيراده الآية تحت ترجمتِهِ (ما يكره من التمني).
- وقد يكسبُ المرءُ في هذا التمنِّي الإثمَ, قال الإمام ابن حجر: النهي عن التمني مخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا يحمل قول الشافعي: لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا ان يكون كذا اه ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم اهـ.


- ومنْ منطلقِ قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يحب معالي الأمور و أشرافها و يكره سفسافها) أقول أخَي في اللَّه:
* اعلمْ أنَّ صاحبَ المقاعدِ الكسيِّة, والآمالي الدنيَّة, لا يزنُ عندَ ذوي الأهداف معدنًا صَدِيًا, ولا يرفعُ عندهم مكانًا نَدِيًا, ذلكَ أنه لا يلوذُ فكرُهُ بخير, ولا يستميلُ بغيرِ الهوى والميل, فبيسَ وبَئس.
لحى الله صعلوكًا مُنَاه وهمُّه *** من العيشِ أن يلقى لبُوسًا ومطعمًا
وبَلاءُ الفتى اتّباعُ هوَى الـنّفـ *** سِ وبذْرُ الهَوى طُموحُ العينِ

* أمَّا ذاكَـ صاحبُ المعالِي الرضيَّة؛ والآمالي السميَّة؛ لو سألتَه عن تمنيَّاته التي تردُهُ قبيلَ نومِهِ, وعن بوادرهِ عند أحلامِ فكرِهِ, لفتحَ لكَ أبوابًا لا مداخلَ لها, ولأدخلكَ في متاهاتٍ لا مخارجَ لها, فيبقى صاحبها يحومُ يمينًا وشمالاً, ويتطلَّع الصعودَ عليَّةً والتنزُّل سفلاً, فإذا خلاصتُها أحدُ شيئين –ودليلُهما قولُ ثعلبَ (التَّمنِّي حديثُ النَّفْسِ بما يكونُ وبما لا يكونُ)-:
أولاهما: أمانيَ مستحيلة الوقوع, والنفسُ تتشوَّق التفكيرَ بها, لأنها تخيِّل لبالِ الإنسانِ عملها, فإذا ما أحلامهُ انقطعتْ, وبوراده اسبكرَّت, ضحكَ على نفسِهِ من تخيلاتِهِ وخزعبلاته, لذلك "لما كان أَكْثَره عن تَخْمِين صارَ الكَذِبُ له أَمْلَك, فأَكْثَر التَّمنِّي تَصَوّر ما لا حَقِيقَةَ له" كما يقول الراغب.
فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ
إنَّ الأمـانيَّ والأحْـلامَ تَضْلِيلُ
ثانيهما: أمانيَ ممكنةَ الوقوع, ولا فرقَ بين كونها دينيَّة أو دنيويَّة, -إلاَّ أن مقالنا هذا لصاحبِ الأماني الدينية, كالأهداف العلمية والآداب العليَّة- وهذه الأماني لا يخلو صاحبها على إحدى حالتين:
1) أن يكذبَ في العملِ بما قاله, وهذا حاله كما قال بنُ ناشب:
إذا همَّ لم تردع عزيمة همه ** ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمه ** ونكب عن ذكر الحوادث جانبا
- والمشتغلُ بهذه الأماني هو حال المفلسِ الجائع, بل هيَ ترويحةُ صاحبِّ الهمِّ الهائم, فما لك ولها, ولست أنت منها, فارتفع عنها, وبها عِ تكنْ عليها, وقال قالوا في الأمثال الشاميةِ [عنقود معلَّق بالهوا, واللِّي ما بطوله بقول: حامض ما استوى].
وما للمُفلسين سوى التّمنِّي *** وما للنّائمينَ سِوى الخَيالِ؟
ويقولُ أهل الشامِ أيضًا حينَ يعلِّق الإنسان أمله على وهم [أملُ إبليسَ في الجنة],وقد يستاءلُ المرءَ أنَّ أكثر الأماني تذهبُ سدىً بل هيَ من خليقِ الكذب وذاكَ بقرارةِ المتمنِّي؟
- اعلمْ أن معنى التمني في الأصل هو "الكذب" يقال "فلان يَتَمَنَّى الأَحاديث أَي يَفْتَعِلها وهو مقلوب من المَيْنِ", ومنهُ قول عثمان (فوالله ما تمنيَّتُ منذُ أسلمتُ) أي ما كذبت. والتمني "تَفَعُّل مِن مَنَى يَمْني إِذا قَدَّر لأَن الكاذب يُقدِّر في نفسه".

2) أن يسعى في تحقيقِ ما قاله, وحالُهُ:
فكنْ رجلاًَ رِجله في الثرى *** وهامةُ همَّه في الثريا
وهذا الصاحب يرنوا بين عينيهِ –ويحذرُ- مقالةً سارتْ لها الركبان:
من خالفتْ أقوالُهُ أفعالَه *** كانتْ أفعالُهُ أفعـى له



توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟