إذاً .. علينا أن نرجع إلى حظيرة العبودية من جديد وأن نكون رجالا ً كما كان أجدادنا رجالا ً .. أما نحن الآن أشباه أقزام .. وما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع ..
انظر أخي الحبيب إلى حال النبي صلي الله عليه وسلم وهو يقول لرب العالمين يوم القيامة آُمتي آُمتي .. أي آُمة يا رسول الله تدعوها .. أي آُمة تدعوها وتريد لها الخير هل هذه الأُمة التي فرطت في دين الله عز وجل وفي سنتك يا رسول الله صلي الله عليه وسلم ..
هل هذه الأُمة التي تحللت من دينها .. يا له من عار .. إخواني يا له من عار بعد أن كنا نسود العالم في كل شي .. انظر كيف انقلبت الأحوال وانقلبت المعايير فصرنا أذل أُمة على وجه الأرض .. أذل أُمة يراها التاريخ الآن هي أُمة الإسلام ..
إلى أين تذهبين .. إلى أين تذهبين يا أُمة محمد صلى الله عليه وسلم .. ارجعي أيتها الأُمة التي كتب الله لها الرفعة .. ارجعي قبل فوات الأوان ..
ثالثاً : التربية الإيمانية .. تقل لي كيف ؟ أقول لك وبالله التوفيق :
قيل لأحد الزهاد : كيف السبيل ليكون المرء من صفوة الله ؟ فقال : إذا خلع الراحة وأعطى المجهود في الطاعة .. وقيل لإمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل : متى يجد العبد طعم الراحة ؟ فقال : عند أول قدم يضعها في الجنة .
أخي الحبيب : نحن اتفقنا أن نتأسَّى بسلفنا الصالح في كل ما دق وجل .. وعلى ذلك أقول : انظر إلى حالهم .. كانت أوقاتهم بالذكر وتلاوة القرآن معمورة .. ومساجدهم تهتز بضجيج البكاء من خشية الله .. تراهم ذابلين من خوف الآخرة وعند العبادة .. تراهم رواسي شامخات كأنهم ما خُلقوا إلا للطاعة ..
وانظر أخي الحبيب إلى ليلهم وما أدراك ما ليلهم .. كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون .. صلاتهم في ظلام تجلل بأنوار الكرامة فهم في نعيم الأنس يتقلبون .. وبلذيذ الخطاب يستمعون .
ولقد تدبروا حقيقة الدنيا ومصيرها إلى الآخرة فاستوحشوا من فتنتها وتجافت جنوبهم عن المضاجع .. وتناءت قلوبهم من مطامعها ، وارتفعت همتهم أعالي الجبال فلا تراهم إلا صوامين قوامين باكين .. ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة .. تنبأ بعلو همتهم في التوبة والاستغفار والاستقامة وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات .
أخي الحبيب : أنا أقول لك هذا الكلام لا ليطير قلبي وقلبك مع هؤلاء الأفاضل فقط .. بل لنعمل كما عملوا فهل يا تُرى سنعمل كما عملوا .. قل معي إن شاء ربي وقدَّر سنعمل .
أخي الحبيب : إن الإسلام الذي صنع هؤلاء الأفاضل هو هو الإسلام الذي بين أيدينا .. أخي الحبيب : إني أراك متشوقاً لطاعة الله عز وجل .. هل هذا الإحساس صحيح هل من استجابة لهذا الكلام أتمنى ذلك لي ولك ..
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاحُ
أخي الحبيب : ملخص ما قلت لك في هذا العنصر هو أحبُ أن أراك أيها الأخ الطيب الحبيب محافظا ً على الصلوات الخمس في جماعة .. متأسيا ً بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما دق وجل .. وبالصحابةِ الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين .. أريدك مسلماً ملتزماً مثالياً ليرضى عنك ربك سبحانه وتعالى .. فهل من مجيب ؟
رابعاً / المحاسبة اليومية وأُصولها .
شارط النفس وراقبْ لا تكن مثل البهائم
ثم حاسبها وكاتبْ وعلى هذا فلازم
ثم جاهدها وعاقبْ هكذا فعل الأكارم
أخي الحبيب : قد قال صلى الله عليه وسلم : { إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا } هذا الحديث عند الإمام البخاري .
لأن همة أبناء الآخرة تأبى إلا الكمال وأقل نقص يعدونه أعظم عيب .. والمحاسبة معناها فحص الطاعة ظاهرا ً وباطنا ً وأولا ً وآخرا ً .. بحثاً عن الثمرة ليعرف ما أتاها فيحفظه.
والمحاسبة تكون قبل العمل وأثناءه وبعده .. فكان ابن عمر أُسوة لنا عندما فاتته صلاة الجماعة صام يوماَ وأحيى ليلة وأعتق رقبة .. وإن شاء ربي وقدر سيكون لنا خطبة ًخاصٌة في هذا الموضوع بعنوان المحاسبة اليومية وأُصولها .. وتوبوا إلى الله واستغفروه عسى أن يكون فينا من يستجيب الله بشفاعته .
الخطبة الثانية :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعد .. أيها الأخوةٌ الكرام :
إن ما قلته لكم يتطلب الصبر على الأذى ووقوع الاستهزاء من المنافقين .. فهذه سنة الله تعالي التي أخبرنا بها فقال تعالى : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (186) آل عمران
اسمع إن الله تعالى يخبرك أنك ستسمع الأذى من الذين أوتوا الكتاب وممن تولوا ومن المنافقين أذى كثيراً فلابد من وقوع ذلك .. وذكر البخاري عند تفسير هذه الآية عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ..
حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم ابن أبيَّ .. وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة ..
فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبيَّ أنفة بردائه وقال : لا تغبروا علينا ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبيَّ : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه ..
فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون ( ابن كثير ) ..
انظر كيف قابل نعمة الله بالاستهزاء .. وحتى يعلم كلٌ أحدٍ أنه لابد من وقوع الأذى ولابد من وقوع الاستهزاء فهذه سنة ماضية لا يستطيع أحدٌ أن يدفعها فقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) ( المطففين ) ..
الله تعالى يخبر عن المجرمين أنهم كانوا في الدنيا يضحكون من المؤمنين أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم .. ويقولون لا تغتروا بهؤلاء فإنهم دعاة أموال وسلطان فإنهم يدخلون على الناس من باب العلاج بالجن فإنهم يغتسلون من الزنا في دورة مياه المسجد .. لا تغتروا بذلك ..
وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم أي محتقرين لهم .. أي وإذا انقلب أي رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم انقلبوا إلي الشقق الفارهة انقلبوا إلى عمارتهم العالية إلى المرتبات انقلبوا إليها فكهين أي ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحقرونهم ويحسدونهم .
وقد وقع الأذى في زمن الدعوة .. قال تعالى : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الأزل وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (8) المنافقون
فقال عبد الله بن أبي عدو الله : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأزل .
حتى يعلم كلٌ أحد ينتسب إلى هذا الدين أن الله عز وجل له في ذلك حكمةٌ بالغة وأن الصحابة كانوا أيضاً يبتلون في الله ويصبروا على الأذى فيه وأن الدين الذي صنع هؤلاء قادرٌ على أن يصنع مثلهم وسنبين إن شاء تعالى فيما بعد .
قال مالك بن الدخشن وكان من المنافقين : ألم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ؟ انظر هذه والله سنة ماضية في النفاق وأهله ، قومٌ يرون أن الدعوة تنتشر قومٌ يرون أن المارد العملاق قد قام فيقولون لا تنفقوا على هذه الدعوة حتى ينفض أَولئك الشباب عن هؤلاء الأدعياء ..
قومٌ لا يرون إلا جهدهم فينفقون هم حتى يوقفوا هذا الزحف الجديد هذه الريح الإيمانية الجديدة .. فينفقون أموالهم في البرامج وفي عمارة يعقوبيان وفي الإرهاب والكباب .. فهؤلاء لا يعلمون سر الدعوة ..
فإن الله تعالى يقول لنبيه : ( فذكر إنما أنت مذكر ) فهو وظيفته التذكير فقط .. لا يعلمون أن ما من مولود يخرج من قُبل أمه حتى يكتب عند الله شقي أم سعيد .. فلا يستطيع أحد ٌ أن يُشقي من أسعده الله ولا يستطيع أ حدٌ أن يُسعد من أشقاه الله .. لو اجتمعت شياطين الإنس والجن لو وقفت بعضها على بعض فلا يستطيع أحد ٌ أن يُشقي من أسعده الله ولا يستطيع أ حدٌ أن يُسعد من أشقاه الله .
فقال تعال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } .. إن الذين كفروا ينفقون أموالهم في البرامج والبيت بيتك وعمارة يعقوبيان فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون .
وآخر كلمة أُشهد الله أني أُحبكم في الله تعالى .
إلهي لا تعذب لساناً يخبر عنك ، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك ، ولا قدماً تمشي في خدمتك ، ولا يداً تكتب حديث رسولك صلى الله عليه وسلم ، فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلُها أني كنت أذب عن دينك . اللَّهمَ بلغني آمالي من العلم والعمل وأطل عمري لأبلغ ( ما ) أحب من ذلك .. اللهم ابتليهم بالأمراض التي يتمنون الموت منها فلا يجدونه .
اللهم افتح لنا أبواب الخير , وأغلق عنا كل أبواب الشر , اللهم أسعدنا بالقرآن في الدنيا والآخرة , اللهم تب علينا توبة ترفع بها مقتك وغضبك عنا , اللهم تب علينا توبة ترفع بها عنا شؤم العصيان .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
بقلم / أبي الفرج أيمن بن عبد العظيم الأصبح