ألمٌ وأمــل
• بينما كنت أتابع أحد البرامج في إحدى القنوات الفضائية ، يحكي مشهداً مؤلماً ، ويصور حالة مؤسفة ، وصل إليها إخواننا المسلمون في إحدى جروحنا النازفة على هذه الأرض ، فسال مداد القلم بدم الألم ، وتوجعات الندم ..
فقلت :
• ربّاه .. إلى من تلكنا ؟! إلى قريب يتجهمنا ؛؛ أم إلى عدوًّ ملكته أمرنا ؛ فدماؤنا بكل أرضٍ تسيل ، وجراحنا في كل بقعة تنزف ، وأجسادنا صارت سلعاً رخيصة لكل خائنٍ خسيس ، وآلامنا هي بعينها آمال أعدائنا التي كانت في فترة من الزمان حلماً بعيد المنال ..
فالشيوخ يقتّلون ، والنساء يرمّلن ، والأطفال يذبحون على مرأى ومسمع من آبائهم ، والرجال يمثّل بهم ، لا طعم للراحة ، ولا لذّة للطعام ، ولا مجال للنوم في ظلّ قصف المدافع ، وأزيز الطائرات ..
• عجباً والله .. !! ألأخوةُ يقتتلون ؟! ألأمة الواحدة تتحارب ؟! والمضحك المبكي ـ في آن واحد ـ أن العدو المشترك هو المستفيد الوحيد ، يصفق لما يرى ، ويشجع ما يحصل ، ويعجبه ما يشاهد ؛ ولو كنا نعقل فإن الخبر قد بلغنا منذ ألف وأربعمئةٍ سنةٍ وزيادة ، فالحق ـ تبارك وتعالى ـ يقول : ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) ، ولا شك فهذه هي الخطوة الأولى ، ونسأل الله تعالى ـ أن يلطف بأمة الإسلام .
• وكذا الخبر قد بلغنا عن الصادق المصدوق ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ أن الله تعالى قد جعل بأس أمة الإسلام فيما بينها ، وهذا هو بعينه ما تحكيه لنا مشاهد الواقع المرّ ، فيا ربّاه ؛ عجّل ينصرك الذي وعدتنا ..
قبل الختام هذه إشارات سريعة ، وومضات خاطفة تضع النقاط على الحروف وإليكم إيّاها :
1. اصبروا واحتسبوا ، واعلموا أن الفرج مقرون بالشدة ، وأن العسر بعده اليسر ، الفرج بعد الكرب ..
ضاقت حتى استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
2. ليعلم كلًّ منا أن ما نحن فيه من شدةٍ ولأواء ، ما هو إلا بما كسبت أيدينا ، فالحق تعالى يقول : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) فربنا ـ جل جلاله ـ لا يظلم الناس شيئاً ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )
3. إن ما نعيشه أيها الأكارم هو نتيجة معادلة أخبرنا بها الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول فيما صحّ عنه : (( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم بأذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذُلاًّ ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )).. ( صححه الألباني : صحيح الجامع 423 ) .
4. إن اجتماع الصف ، وتوحيد الكلمة ؛ هو الحل الناجح ، والأسلوب النافع ؛ في مثل هذه الأوقات ، فهو توجيه ربّاني كريم ( َلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) .
5. رتّل آي الذكر الحكيم ، لا تلبث إلا أن تجد الحث على الصبر ، وتشجيع الصابرين ، وفضائل الصبر ؛ ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) ، ويقول الباري ـ جل في علاه ( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) ، ويقول ـ جل جلاله : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) ، ويقول ـ جل ذكره ـ : ( أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) .. وقد قيل في منثور الشعر :
اصبر لكل مصيبة وتجلّد واعلم بأن المرء غير مخلّد
6. تفاءل .. تفاءل .. تفاءل .. فإن المحنة في طياتها منحة ، ومع الدمعة بسمة ، ومع الألم ألم ، فالمولى تعالى يرعانا ، ويكلأنا بحفظه ورعايته ؛ فالنار ـ يا أكارم ـ لم تحرق الخليل ، والبحر لم يغرق الكليم ، لأن الرعاية الربانية تحوطهم ، فاخلع النظارة السوداء ، وتفاءل ؛ واستمع بورك فيك :
( َأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124} وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ)
7. نقطة التغيير ، ومبدأ العلاج ؛ يبدأ منك أيها المبارك ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) فمقاليد التوفيق والخير مقرونة بالطاعات ، ومقاليد الخيبة والخسران مقرونة بالمعاصي والسيئات .
• وأخيراً ـ يا كل من يقرأ هذه الأحرف ... توجّه إلى الله بقلب حاضر ، ونفس خاشعة ، وعينٍ دامعة ، والجأ إلى المولى تعالى ، واجأر إليه بخالص الدعوات أن يرفع عن أمة ما أصابها ، وأن يكشف أو أصابها ، وأن يبذل اللوعة سلوة ، والحزن فرحاً ، والألم أملاً .. فما خاب من دعاه ، ولا نوم من رجاه ..
مهما رسمنا في جلالك أحرفاً قدسيّة تشدو بها الأرواحُ
فلأنت أعظم والمعاني كلها يا رب عند جلالكم تنداحُ
ومضة أخيرة :
ــ إذا غطت المحنة ، وأطلّت الفتنة فاهتف : حسبنا الله ونعم الوكيل ..
محمد البقمي