عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2007-04-20, 1:59 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي من أمراضنا الاجتماعية كثرة النقد وقلة العمل
من أمراضنا الاجتماعية كثرة النقد وقلة العمل

هشام بن عبد القادر آل عقدة



من أمراضنا الاجتماعية الذميمة: حب النقد مع ترك العمل، وقد فشت هذه الظاهرة المَرَضية في مختلف طبقات المجتمع؛ فلا يختص بها المثقف دون الأمي، ولا الأمي دون المثقف، ولا يختص بها الذين ينتسبون للدعوة دون من لا ينتسبون إليها، بل هي سمة في مجتمعاتنا بمختلف فئاتها.



ويكاد الكثير في مجتمعاتنا ألاَّ يسمعوا بعالم من العلماء أو بداعية من الدعاة أو بمجاهد من المجاهدين أو بخطيب من الخطباء أو برجل بذل ما بوسعه لنصرة الإسلام أو اجتهد اجتهاداً معيناً لخدمة الدين، يكادون ألا يسمعوا بشيء من ذلك حتى ينصِّب بعضهم من نفسه مفتياً وهو على أريكته أو في منتداه أو في مقهاه ليتناول هؤلاء العاملين بالنقد والحديث مستعلياً ومتعالماً ومتفاصحاً ومتعاظماً ومستهزئاً، ويملأ شدقيه بالكلام ويتفيهق ويتفلسف ويتشبع بما لم يُعط، ولكن هيهات أن يعمل أو يتحرك!



أقلوا اللَّوم عليهم لا أبا لأبيكم

أو سدُّوا من الخلل مثل الذي سدّوا



صابرون ومساكين هؤلاء الذين يعملون ويبذلون في مجتمعاتنا؛ أولئك الذين ينقذون المواقف ويأخذون بزمام المبادرة حين يتخلف الكسالى سواء كانوا من القادرين أو غير القادرين.



قد تجد قوماً لا يجدون لهم إماماً يصلي بهم، ويهرب الجميع من ذلك ضعفاً وعجزاً لا ورعاً، فإذا ما اضطر أحدهم للتقدم ـ إذ لا بد من هذا ـ تحول الهاربون إلى علماء نقَّاد، وذاق الإمام من ألسنتهم الأمرّين، أو لا يجدون لهم خطيباً فإذا اضطر أحدهم إنقاذاً لعبادتهم من التعطيل فبادر لأداء الخطبة صار الباقون على الفور أهل علم بالخطابة وكيف تكون وكيف تؤدى، وإذا نكص الناس عن الدعوة والتعليم والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله فقام دعاة يؤدون ما بوسعهم تناولتهم الألسن ولاكتهم مع قلة الناصر والمعين لهم من الخَلْق، هكذا حالنا! لا نريد أن نكون في الميدان ولكن نحب أن ننظر من خلف الزجاج، ثم نعلق وننقد ونحلل! يثقل علينا أن نكون في ساحة العمل والبذل والعطاء ولكن نشتهي أن نشرف من وراء المكاتب! نريد أن ننقد ولا نريد أن نعمل!



فأين ذهب الذين يتكلمون بأفعالهم لا بألسنتهم وأقلامهم؟



نريد أولئك الذين تتكلم أعمالهم وبذلهم وعَرَقُهم ودماؤهم لا الثرثارين المتشدقين المتفلسفين المتقمصين من الأدوار ما ليس لهم.



روى الترمذي بسند حسن عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تحلَّى بما لم يُعْطَ كان كلابس ثوبَيْ زور»(1).



وروى الترمذي أيضــاً بسند صحيح عـن جــابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقــون». قالـوا: يا رسول الله! قد علمنا الثرثارين والمتشدقين؛ فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون»(2).



ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسيره المتفيهقين بالمتكبرين يعطينا خلاصة حال هؤلاء والدافع إلى تفيهقهم وتشدقهم وتكلفهم ألا وهو ما في قلوبهم من الكبر، وإلا فالمتفيهقون في اللغة هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم، وهو مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع؛ فالمتفيهق يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه إظهاراً لفصاحته وفضله واستعلاء على غيره، ولهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - المتفيهق بالمتكبر، والمتفيهق بمعنى المتشدق؛ فالمتشدق هو المتكلم بملء شدقيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه، وقيل: المتشدقون هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم، والشدق جانب الفم، وأما الثرثارون فهم الذين يكثرون الكلام تكلفاً وخروجاً عن الحق(3).



فإلى متى يظل همُّ أحدنا الكلام والتعالم والنقد والاستعلاء على الخلق والاستهزاء بعمل العاملين؟



فهلاَّ خفضنا من تشدقنا وتعالمنا وتفاصحنا، واتجهنا شيئاً فشيئاً إلى العمل!



لا نقول إن المسلم يجب أن يترك النقد كله، لكن ليكن شعارنا: «قليل من النقد وكثير من العمل»؛ فإن الأمة تشتكي من قلة من يعيشون لها وكثرة من يعيشون لأنفسهم، وقد وجدنا حال من يكثرون النقد وحال عموم المجتمع أنهم يعيشون لأنفسهم فيؤمِّنون مصالحهم أولاً ويتعلقون بدنياهم ثم ينقدون الآخرين في وقت التسلية والراحة.