عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 27  ]
قديم 2011-09-24, 11:06 AM
الوديعه
عضو جديد
رقم العضوية : 155795
تاريخ التسجيل : 17 - 9 - 2011
عدد المشاركات : 76

غير متواجد
 
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم

في الصباح وبعد أن صلى الفجر جلس غياث وحيداً في مصلاه مستقبلاً القبلة0وكان الضياء قد اكتسح الكون وتجلى الظلام وسمع غياث حركة خلفه عند الباب فالتفت بهدوء ليشاهد رجلاً غريباً ضخماً بثياب فاخرة ولحية موفورة الشعر مشموطة بصباغ أزرق00وملامح قاسية00وكان بادي النعمة والترف00وقد قبعت تحت حاجبيه عينا ذئب تدوران في محجريهما بحثاً عن فريسة!






تحدث الرجل هازئاً بصوت غير منخفض:
-لص محتال00يدعي التقوى ويصلي!؟

لفترة ظل غياث يتأمل الداخل بعين ثاقبة00 فلم يتوقع أن يدخل عليه حجرته رجل غريب،وبدون استئذان00إنه يراه لأول مره لكن بسماع صوته الهازئ عرفه في الحال فهو نفس الصوت الذي كان يصدر الأوامر حين كان محاصراً برفقة مروان وسعيد في بيت الطين على شاطئ دجلة!

ولم يشك لحظة أنه حنظلة00مدبر كل المآسي السابقة00وقاتل ذاهب المقدسي00كان غياث يجلس في أقصى الغرفة الواسعة00 أماالرجل فكان يقف في الطرف الثاني قريباً من السرير الذي كان ينام عليه0

وتحرك غياث ليقف فنهره الرجل بشدة قائلاً:
-إذا تحركت قتلتك!

ورفع جانب جبته الطويلة كاشفاً عن سيف عريض قصير00 مؤكداً لغياث عزمه على تنفيذ تهديده فيما لو حاول فعل شيء!
وأول شيء فكر فيه غياث هو المسافة التي بين مكانه وبين سيفه السابق المعلق على الجدار قريباً منه00لقد اعتزم القتال00فهو لا يهاب أبداً،ولا يخشى الموت، و إن كان يتمنى أن يكون مماته في ساح الجهاد لا بيد مجرم مأفون، ومن أجل عرضٍ من الدنيا0

وتحدث الرجل:
-لا شك عندي بأنك غياث بن عبد المغيث00لقد كنت أتتبعك وقد علمت أنك تنام في هذا المكان00لقد تقاتلنا طويلاً يا غياث بدون أن نتقابل!

ولم يتكلم غياث فقال الرجل وهو يدير عينيه القاسيتين في الرياش الثمين والجدران:
-قصر جميل00وقد استمتعت بما فيه الكفاية00 وقد آن الأوان بأن ندفع المال إلى صاحبه إذا كنت تريد حياتك00!؟

فقال غياث بهدوء أزعج الرجل:
-لقد أرجعت المال حقاً إلى أصحابه0

-أنا صاحب المال00وأريدك أن تدلني على مكان الخرج الثاني من الذهب00فقد علمت من مروان أنك أسقطته في عرض النهر00 أما ما تحت يديك منالأرض والزرع فهو لك0

-هذا المطلب ليس جديداً00فقد سألني منه سعيد قبلك فمات قبل أن يحصل عليه00وربما تموت أنت مثله أيضاً!

استشاط الرجل غضباً وقال:
-لقد كان سعيد وأخوه مروان أحمقين جبانين00 وقد عرفت محبس سعيد،فأنا لم أترك موضعاً في هذاالبستان إلا نبشته00وكنت أظن سعيداً كفؤاً للقتال والمواجهة فوضعت عنده أثناء نومه ما يفك به قيوده رجاء قتلك،لكن تبين لي أنه ضعيف وخائر!
أما أنا فخلاف ما تظن00

كان يتكلم مرعداً مغروراً مما أغاظ غياث فقال متحدياً:
-لن تفعل أكثرمما فعل00

-إني أحذرك00 فأنت لم تعرفني بعد لذا تقول هذا الكلام00!؟

فقال غياث بهدوء وشجاعة:
-بل أعرفك00 فأنت حنظلة00 المجرم الغادر الذي قتلت صاحبك ذاهب المقدسي ورجاله00وأفقرت أهله من بعده في فعلة لا تليق إلا بمثلك!!

-أنت أحمق وعنيد!!لقد كنت أعقدُ الآمال على لقائنا هذا يا غياث بأن يأخذ كلٌ منا نصيبه ويمضي لشأنه،فإذا بك تعيرني بما كسبته أنا بيميني وسيفي00وأخذته بعد ذلك بغدرك وخيانتك من رجل جريح وعاجز وغبي!

-لقد تبت إلى ربي ياحنظلة00وخرجت من هذا كله بثوبي الذي على ظهري، أما ما تبقى من الذهب في الخرج الثاني فقد استخرجته من قاع النهر بعدما هلك سعيد في سبيله وقد سلمته هو وكل الأرض والبساتين والتجارة إلى آل المقدسي ليلة البارحة00 وأنا أدعوك أن تتوب إلى رشدك وتتوب إلى ربك قبل أن تغتالك المنية وأنت على ظلمك0

-هل سلَّمت كل المال لهم!!؟

-نعم00فما كنت لأدخل جوفي مالاً حراماًوقد هداني ربي و بصرني بجرمي!

-ياوقح00الأموال لي00قلت أني كسبتها بسيفي00 وقد كان ذاهب يستحق ما جرى له،فقد فسد عليَّ الخليفة وزهَّده منَّي0

-وما شأني أنابهذا كلَّه؟!

-لقد أفسدت جهودي00وقتلت رجالي00وتسببت في سجني00ثم استوليت على المال كله00وتسأل عن شأنك بذلك!!

-لقد رحم الله آل المقدسي فحفظ أموالهم بي00ثم رحمني بعد ذلك وطهر يدي من أموالهم0

وبصبر نافذ سأل حنظلة غير مصدق مايسمع:
-أين الأموال والخرج الذي استخرجته من النهر؟

-ألا تعقل!؟قلت لك أني سلمتها البارحة لأصحابها!!

-إذا لم تكف عن عنادك فسأقتلك00وأقتلهم جميعاً00وأحرق هذا البستان على من فيه فلا أحد يقف في وجهي!

ونهض حنظلة ملتاشاً بالحقد00وقفزغياث إلى سيفه و انتزعه من الجدار وسلَّه00

فقال حنظلة في استعلاء:
-لا تهلك نفسك00فأنا لا أهزم؟

-سينصرني الله عليك0

-اسمع00إني أهبك حياتك مقابل ماطلبت00؟

-لقد أخذ أهل المال مالهم،وليس لك عندي غير هذا السيف!

والتحم الخصمان في قتال طال التحفز له،فجاء عنيفاً شرساً!كان حنظلة شديد المهارة00ثقيلاً00قوياً00يفوق غياث في المبارزة00وكان غياث أخف حركة00وطالت معركتهما00وبدا لغياث أن خصمه لن يتعب أبداً،ولو قاتل لعام كامل!!

و كانت قعقعة السيوف تمزق السكون في جنبات القصر00فحضر الخدم00وتصايح النساء00وفزعت عطر لمرأى القتال00وجاء سريع لكنه لم يجرؤعلى التدخل00وانطلقت عطر راكضة عبر عرائش العنب،وأحواض النخيل حتى وصلت إلى بيت آل المقدسي00 وطرقت الباب بعنف وخرج لها معبد مدهوشاً فصاحت به لاهثة:
-أدركنا يامولاي00رجل غريب يقتتل مع غياث بن عبد المغيث!

فتمتم معبد:
-إنه حنظلة ولاشك00وصاح بأخيه:

-ياموسى00إنه قاتل أبيك!

وركض الشابان بسيفيهما تجاه القصر00تتبعهما عطر00ورآهما بعض العبيد فلحقوهما ومعهم عصي وصخور!

و تفصد العرق غزيراً من جسد غياث وبدأ التعب يسري في أوصاله،وقبل أن يصل معبد ومن معه إلى الحجرة تمكن حنظلة من الإطاحة به،ولم يتردد في أن يطعنه في خاصرته بحقد!

ووصل معبد وأخوه ومن خلفهم من الرجال00 واكتشف الشابان أنهما تأخرا في الوصول00 وقعت عين حنظلة على عيون أبناء ضحيته،ورأى نظرات الثأر في أعينهما

فتكلم متصاعد الأنفاس:
-لقد نال هذا مايستحقه00أما أنتما فابتعدا خيراً لكما00

وزمجرمعبد:
-الويل لي إن لم أقتلك!

وهتف شقيقه محمر الوجه:
-يا غدار 00أحدنا سيخرج حياً!

وتقدم الخدم بعصيهم وصخورهم وارتعب حنظلة فتراجع وهويهدد:
-ارجعا 00وإلا ستلحقا بأبيكما!

وهجم عليه موسى يتبعه معبد وجرح حنظلة موسى في لحظات جرحاً صغيراً، وبارز معبد قليلآ ثم آثر الفرار فلطمه لطمةً دفعته بعيداً ثم انطلق هارباً00مخترقاً جداراً من العبيد الذين خافوا سيفه فاكتفوا بقذف رجليه ورأسه بالحجارة فولى وهو يعرج وينزف دماً0ونهض معبد متأخراً ولحق بهوتبعه الأخرون00تاركين غياث وقد انكفأت عطر تسقيه الماء وهي تذرف دموعاًبصمت0

وفي هذه الأثناء كان الخادم الموكَّل بإحراق مخلفات البستان قد ملأ محجرالإحراق بالمخلفات والجريد اليابس،وذهب إلى غرف العبيد ومكث هناك قليلاً ثم رجع حاملاً معه جذوة مشتعلة00ومشى حثيثاً حتى لا تنطفئ بيده00ولم يكن يعلم بما يجري في البستان والقصر00وقذف بالشعلة الملتهبة إلى محجر الإحراق 00ووقف يستمتع باللهب الذي استطال سريعاً00مطقطقاً إلى عنان السماء00لكنه تراجع فزعاً عندما دوَّت صرخات بشعة00متتالية من جوف النار العظيمة!!

وتحركت أجزاء من الجريد المشتعل،ووصل معبد ورفاقه إلى صوت الصراخ00لكن الصرخات استحالت إلى فحيح متحشرج، ثم خفت شيئاً فشيئاً،ولم يعد يسمع سوى صوت اللهب وهو يلتهم الجريد والأغصان الصغيرة ومن بداخلها!!

وجثا الخادم المفزوع على ركبتيه رعباً وهو يقول:
-لقد رأيت جسماً ملتهباً يتخبط وسط الأكوام المشتعلة وسمعت زعيقاً منكراً!!

وأحنى معبد رأسه وقال موسى:
-لقد كان حنظلة يختبئ في محجر الإحراق!!لقد نال جزاءه!!

وخمدت النار سريعاً وبكى الخادم وأحاط به زملاؤه فقال وهو يرتعش فزعاً مما سمع وشاهد:
-لم أكن أعلم أن أحداً كان يختبئ داخل المحجر!!؟

وتقدموا من جدار محجر الإحراق00 لكن لم يكن هناك سوى جمر مشتعل وبقايا جسد متفحم
!!!