بسم الله الرحمن الرحيم
ستعرفينها فيما بعد0
وأخرست المفاجأة لسانها0فقال يواسيها:
-و أبشري فمعبد فتى شجاع 00وعاقل0
وأضاف مبتسماً:
-وجميل!
وأجهض أزيز بكائها ابتسامته وعاتبته من بين دموعها:
-ألايعز عليك أن تتركني هكذا؟!!
-بلى يعز علي00 ولكني آليت على نفسي ألا أضع في يدي إلا مالاً حلالاً من كسب يدي0
-لماذا لا تشتريني منه؟
-أنا لم أعد أملك غيرثيابي التي على ظهري00والتي في هذه الصرَّة!
فالتفتت إليه وقالت بانفعال:
-اسمع00سأسأل معبداً أن يهبني لك؟
-لا أحب ذلك ولا أميل إليه 0
-إذاً سأشتري نفسي منه بدراهم منجمةً كل شهر أهبه ما أتحصل عليه00وسأذهب إلى بغداد عند زوجة سيدي الأول وسأعمل هناك00 فأنا أتقن الحياكة والدبغ والغزل00 وإذا أصبحت حرةً نتزوج وأذهب معك إلى حيث تريد0
-غير مجدٍ كل هذا 00 فأنا لن أستقر في مكان ولن آوي إلى بيت مريح00 سأعيش حيناً في خيمة وحيناًعلى الأرض أو في كهف00كما عشت ما مضى من حياتي شقياً00سكيراً 00عربيداً00وعققت والدي00وقد رأيت بنفسك أطرافاً من حياتي الشائنة00وشهدت أيضاً توبتي وقد أبصرت في الإيمان لذتي وهناءتي التي أبحث عنها00فأصبحت الدنيا مثل السجن لي00وأنا ألتزم الهروب من هذا السجن0
-لكن كل هذا لا يستدعي أن نفترق!!
فبإمكانك أن تعيش في بغداد صالحاً وتقضي أيامك هناك تائباً!؟
-بإمكاني ذلك00 لكني كرهت بغداد وكرهت الدنيا00أنا أحس بصوت يناديني00يدعوني إلى الدار الآخرة وأنا أريد أن أغتسل من ذنوبي بالجهاد حتى أموت وأنا مرتاح البال0
وتساقطت دموعها وقد أعيتها الحيل وامتنعت عليها الكلمات فصرخت في وجهه:
-بل أنت لا تريدني!
وسكت محزوناً وقامت من عنده على عجل00 وأطرق إلى الأرض00فيما دخلت إلى أحدى الغرف ناشجة ببكاء مر0
وقف غياث على باب القصر وفي يده خرج الذهب وفي الأخرى صرة ثيابه00وتأمل البيت الكبير قليلاً00 ثم جعل يجول بين عرائش العنب00ومضى إلى أرض القمح والفواكه يتأملها كأنه يراها و لأول مرة!
ثم جال بينات النخيل00 وكان العبيد يعملون في الحقول00وقد ضاعفوا جهدهم عندما رأوه00وسريع يتسكع ببطء ويشرف على كل شيء00
وأحد الخدم يجمع مخلفات الشجر وأغصان الصدر الصغيرة ويلقيها في محجر الأحراق المربع تمهيداً لحرقها0
وانتهى بغياث المطاف في دار معبد في طرف البستان00ووجد الصبيان يلعبون قبالة البيت00 وعندما رأوه كفوا عن اللعب وفر بعضهم00وخرج موسى شقيق معبد واستقل سيدالبستان محتفياً وأدخله إلى الدار وسأله بخجل:
-هل أستدعي معبدا ًيا سيدي؟
فقال غياث بكآبة:
-نعم فأنا أبحث عنه0وخرج الفتى من الحجرة00وبقي غياث يفكر فيما سيقوله لورثة ذاهب المقدسي00وكيف يواجه حنظلة00 وهل يمضي لسبيله ويفسح المجال لمعبد وشقيقه وأسرته لينتقموا من قاتل أبيهم00أم يبقى ويساعدهم!؟
وهل سيتركونه بدورهم يمضي لسبيله أم سيعمدون إلى اعتقاله والانتقام منه لأنه ساهم في إشقائهم؟!
ودخل معبد مرحباً بضيفه الكبير ولم يستطع إخفاء دهشته وهو يقلب بصره في غياث مستغرباً هذه الأكياس التي يحملها وهذه الثياب البالية التي حلت بديلاً عن تلك الجبة الفاخر والثياب الثمينة!! وهذه الطاقية الخلقة التي صارت مكان تلك العمامة الخضراء المطعمة بخرزة كبيرة فوق الجبين!!
وفطن غياث لدهشته فابتسم وقال:
-ربما استغربت زيارتي يا معبد!؟
فقال الشاب مدارياً خجله:
-لم أنتظر أن تكرمني بهذه الزيارة00ولو أرسلت إليَّ لأخذت أُهبتي00 فالبيت دائماً مبعثر وهؤلاء الصبيان لا يتركون شيئاً في مكانه0
فقال غياث:
-هذا العبث للأطفال لابد منه00 إنه صباهم0ودخل موسى بشيء من الفاكهة فلما وضعها هم بالانصراف لكن غياث استبقاه قائلاً:
-اجلس ياموسى00حديثي لكم جميعاً0وجلس موسى وساد الصمت قليلاً00واحتار غياث كيف يبدأ00لكن معبد أسعفه حين قال:
-لقد جاء الرجل الذي حدثتك عنه00والذي كان صاحباً لأبي00وسأل عنك فقلت له اذهب إلى القصر ظناً مني أنك هناك0
-تقصد حنظلة؟
-نعم00هل جرت بينك وبينه معرفة؟
-أنا لم أره فيحياتي00 لكني أعرفه تمام المعرفة
-كيف كان ذلك؟!
-أريدك أن تريني إياه دون أن يراني0
-حسناً سأفعل ياسيدي00 لكني سأعيد لك كلامي فيه00فأنا أحذرك من مصاحبته00ولولا أنه جاء يطلبك اليوم لطردته من البستان شر طردة!
-بل أنا من يحذرك منه00 إن الذي قتل والدك هو حنظلة00وهذا الخرج بما فيه من الذهب الخالص،وهذه الزروع والبساتين والعبيد والأموال كلها لك ولأسرتك0والتفت الشابان إلى بعضهما وقد شلت الدهشة تفكيرهما00 وعقدت المفاجأة ألسنتهما عن الكلام00واعترت غياث رعشةً باردةً فأستند إلى الجدار متعباً ومضى في سرد قصته الثقيلة كاملة غير منقوصة ....
أقتربت النهاية