عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 18  ]
قديم 2011-09-23, 1:43 PM
الوديعه
عضو جديد
رقم العضوية : 155795
تاريخ التسجيل : 17 - 9 - 2011
عدد المشاركات : 76

غير متواجد
 
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم

عابساً00وكم استعذب تلك الصورة،فقام و توضأ من حوض شجرة قريبة وصلى صلاة المغرب شاعراً بالتناقض الصارخ بين ذلك وبين أحقاده وشروره المستفيضة، ثم جلس إلى أريكته ثانية وقد امتصت الصلاة الخاشعة شيئاً من عنف أفكاره0

وقام ليذهب إلى القصر00
لكن فاجأه من الخلف جسد قوي انطرح عليه!!وأحس بشيء بارد حاد يوضع على عنقه وخاطبه صوت من فوقه:
-إذا صرخت أو تحركت قطعتُ عنقك بهذا الخنجر!

وقيَّد المتكلم يديه من خلف ظهره، وأحكم ربطهما وأمره بالوقوف ثم خاطبه بخشونة:
-سر أمامي00وإذا تكلمت أو حاولت الهروب فستعلم ما يحل بك!

وسار غياث كما طلب منه00 ودفعه الرجل أمامه في ظلام الليل، وظلا يسيران بصمت حتى وصلاإلى النهر وهناك توقف الرجل، ثم أمسك بثوب غياث من جهة كتفه وأداره إليه بعنف ليواجهه00كان سعيدا00 وكان محنقاً00في عينيه يبدو زهو الانتصار واضحاً جلياً00 يكاد يشج وجه غياث بنظراته التي تغلي حقداً!

وكان غياث أول المتكلمين:
-إذاً فقداستطعت الهروب00؟!

لم يعلق سعيد00 بل سأل في حنق:
-هل استخرجت الذهب من النهر؟

فقال غياث متجاهلاً سؤاله:
-ليتني أعرف كيف حصلت على المنشار؟!

رفع سعيد قبضة يده في الهواء ولكم غياث على وجهه لكمة ًأطاحت به في أوحال النهر، ثم جذبه بعنف ليقف ثانية وصرخ في وجهه:
-إذا سألتك فأجب00 هل استخرجت الذهب من النهر؟

فقال غياث وهو يبصق دماً:
-لو كانت يداي طليقتين لعرفت كيف أرد عليك أيها الوقح!

استشاط سعيد غضباً ولكمه ثانية ، فلما تهاوى ليسقط أمسكه من صدره وصاحبه:
-هل استخرجت الذهب من النهر؟

فأجاب غياث بصراحة تبعث على التصديق:
-لا00 إنه مازال في القاع00

فعلق سعيد:
-كما توقعت فلم تحتج إليه حتى الآن0

ثم كبَّه على وجهه في قارب صغير به مجدافان ودفع القارب إلى عرض النهروصعد إليه،وبدأ يجدف باتجاه الجنوب وجلس غياث منتصباً في مقدمة القارب الذي كانت الرياح المواتية تزيد من سرعته0لم يشك غياث في أن سعيداً عاد إلى مطلبه الأول00الحصول على بقية الذهب الذي يقبع منذ سنة ونصف في قاع النهر00وتساءل غياث هل سيقتله بعد الحصول على ما يريد أم لا؟
إنه لا يدري عما يدور في خلده،فقد مضت ساعتان دون أن ينطق أحدهما بكلمة00ولم يكن يقطع الصمت سوى صوت المجاديف وهي تضرب صفحةالمياه المعتمة بحنق00 وبدا لغياث أن سعيداً لا يتعب أبداً، فهو لم يفلت المجدافين لإراحة يديه والنفخ في كفيه00بل ظل يجدف بعبوس وبطريقة عنيفة كأنه يريد تكسيرالمجدافين لا الوصول إلى مكان معين!!

حرك غياث يديه اللتين أوجعهما الحبل الغليظ وعدل من جلسته غير المريحة عدة مرات وأضجره الليل والصمت فقال وقد لوى شفتيه نكداً وعبوساً:
-أين ستذهب بي؟فلم يجبه سعيد بغير نظرة تفيض بالاحتقار والحقد،فقال غياث:
-كان الأولى بك أن تواجهني كالرجال00لكنك آثرت الغدر فأخذتني وأنا لا سلاح معي!





ولم يزد سعيد على الصمت فقال غياث محاولاً استثارته:
-لقد ساعدتك الشياطين!!وإلا كيف قطعت تلك السلسلة؟! وكيف تخلصت من ذلك القيد على قوته؟!!

ولما لم يجبه سعيد بشيء انفجر غاضباً وصرخ:
-أأصم أنت؟!تكلم قطع الله لسانك!

وجاءت النتيجة على غير ما أراد غياث، فقد ترك سعيد أحد المجاديف00 وقذف غياث بدلو ثقيل من النحاس فلم يخطئ رأسه وسال خط دقيق من الدماء من جبينه وتوقف على أرنبة أنفه فهدأت ثائرته وقال بهدوء وحزن:
-أهكذا فعلت بك أيها الشرير؟ كان عبدي يحمل لك الطعام وأنت في القيد،وكان يكنس المكان الذي أنت فيه00 ولم أكن آكل شيئاً من الفاكهة والعنب إلا وأبعث لك بمثله!

تكلم سعيد أخيراً وقال وهو يصرُّعلى أسنانه محنقاً:
-تمتن ُّ علي َّ بطعام لا يكلفك نصف درهم وأنت قد استوليت على أموال لا تحصى!! وتحتبسني عاماً ونصف العام كالكلب ثم تدعي أنك صاحب فضلٍ علي؟!

-لقد كنت في حوزتي ولو شئت لقتلتك!

-ومن زعم أنك لم تقتلني00 لقد كنت تقتلني كل يوم!

-لقد تركت حياً شفقة بك00 وكان السجن خير مكان لك0

-ليتك قتلتني وأرحتني!

-لقد قلت لك إني لا أحب القتل0

-أما أنا فأحب القتل!

قالها بنظرات مرعبة كادت تهز فؤاد غياث الذي قال متجلداً:
-أنا لاأخاف منك00 ولكن أريد أن أعرف أين ستذهب بي؟وعاد سعيد إلى صمته00 وإلى دفع القارب بنشاط وعبوس ومد غياث رجليه وألقى برأسه على حافة القارب باسترخاء00 يتأمل النجوم الزاهرة00 واجتذبه بهاء القمر وجمال السماء وأنسته القبة الزرقاء ومصابيحهاالهائلة أي خطر هو فيه وأغمض عينيه مستسلماً للنوم0لا يدري متى نام00 ولكنه استيقظ والضياء يملأ المكان00 و أنسام لذيذة تنعش الروح كانت تهب بين الفينة والأخرى ورأى سعيداً وقد نام في مكانه والقارب عالق بضفة النهر00وتلفت حوله فعرف المكان00فهذه هي الحجرات الطينية، وقد أتت النار على سقوفها،وهذا هو النخيل اليابس لم يتغيرفيه شيء00كان هذا هو المكان الذي شهد اللقاء الأول بينه وبين اللصوص0وتأمل سعيداً00 إنه نائم00فلماذا لا يهرب؟00وحرك جسمه محاولاً النهوض ففوجئ بنفسه مثبتاً بإحكام إلى أحد ألواح القارب،واستيقظ سعيد وشرع حالاً في العمل00

وخاطب غياث بخشونة:
-ستنزل الآن إلى الماء00 وعليك أن تخرج الذهب الذي قذفت به هنا عندماكنت مع مروان0

-أنت مجنون!الوقت بارد وإذا نزلت إلى الماء فربما هلكت من البرد!؟

-لا يهمني ذلك!

وجعل سعيد يعمل بحماس فقطع الحبل الذي يربط غياث بالقارب وهم بأن يقول شيئاً فسبقه غياث بقوله:
-أريد أن أصلي الفجر0

فرد سعيد بسخرية من غير أن ينظر إليه:
-منذ متى بدأت تصلي؟!

-لا شأن لك0وبدون أن يبالي به قفز خارج القارب،ووقف على اليابسة وقال بلغة آمره:
حل وثاقي 00أريد أن أتوضأ0

-حسناً00قالها سعيد وهو يتقدم إليه،وبدلاً من أن يحِلُ وثاقه قطعه بالخنجر فحرر غياث يديه،وجعل يحركهما ويزيل تصلبهما00

ولكن سعيداً ألصق رأس خنجره الطويل في ظهره وقال:
-اصعد00وجدف00 عليك أولاً أن تجد الموقع الذي فيه الخرج،ثم تنزل إلى القاع للبحث عنه 0وأمام وخز الخنجر صعد غياث القارب وهويقول:
-لابد أن النهر جرفه وغير موقعه0!

-لو جرفه النهر فلن يبتعدكثيراً0وجلس غياث إلى موقع المجاديف، وجعل يسير بالقارب يميناً وشمالاً ويتأمل الضفة الشرقية والغربية محاولاً تذكر الموضع،الذي كاد يغرق فيه مع مروان0

ثم توقف في منتصف النهر وقال:
-أظنه هنا00فَبانَ البشر على ملامح سعيد وتناول حبلاً متيناً0وأمر غياث أن يلفه حول وسطه00فوقف غياث وربط الحبل على بطنه،ولما فرغ ركله سعيد برجله ليسقط على صفحة المياه الهادئة 00صارخاً من شدَّة لسع الماء البارد وأمسك سعيد بطرف الحبل وقال:
-هيا00انزل إلى القاع وابحث عن الخرج00وبعد تردد قصير فعل غياث ما طلبه سعيد،فأخذ نفساً كافياً ونزل إلى القاع المظلم يتلمس أرض النهر وصخوره ولدقائق،ثم يخرج ليلتقط أنفاسه ويعود البحث من جديد00وتكررت المحاولات و غياث يقاوم جريان النهر وبرودة الماء00 ويبحث جاداً عن خرج الذهب لكنه لم يظفر بشيء00وأخبر سعيد أنه لم يجد الذهب فاستشاط هذا غضباً وصاح:
-يجب أن تجده00 إن حياتك مرهونة به!

ثم جذب الحبل المربوط في وسط غياث بعنف حتى التصق بالقارب وقال له وهو يضغط أضراسه،ويتحسس بخنجره عنق غياث المتين:
-إذا لم تجدالذهب00فإنها نهايتك0!