متعة نفسية وجسدية:
يهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متعة الدنيا وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين، سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية.
والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بأنه حلال والهداية إلى الفطرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة، ويساعد على ذلك الأصل الأول للخلق وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع والسكن بالزواج مطلوب شرعاً.
وابتغاء هذا المتاع وفق شرع الله وهداية من الأسباب التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه.
ويؤكد هذا المعنى قصة أحد الشباب الذي يقول عن نفسه.
كنت أظن أنني سأشعر بالسعادة عن مصاحبة هذه وتلك والضحك واللعب والخروج والرحلات مع البنات، ولكن هل نجني من الشوك العنب؟
ولكن بعد توبتي والتزامي طريق الهداية منّ الله عليّ بالزواج فوجدت فعلاً السعادة الحقيقية التي لم أعرف طعمها من قبل مشاعر الحب والدفء والسكن والمودة وهذه التي لا نجدها إلا في ظل الزواج الشرعي الذي أراده الله لعباده.
فعل واحد ومشاعر مختلفة:
إن المتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية حيث تتصرف في طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها، وحيث ينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقي القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة وبلوغ اللذة دون وجود الوفاء والرحمة.
فمشاعر الزناة والزاوني لا يمكن أن تكون كمشاعر الأزواج والزوجات، فالأولى مشاعر حيوانية شهوانية حدها محدود بوجود هذه اللذائذ الحسية وتنتهي بانتهائها، ولا يمكن أن يكون فيها ومعها أي شعور بالاحترام والود والوفاء، بل على العكس من ذلك، هناك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان، احتقار الزاني عن وافقته على عمله الخبيث، واحتقار الزانية لمن استغل حاجاتها أو جمالها أو ضعفها الأنثوي وميلها الطبيعي.
ولذلك فمشاعر الزناة والزواني متضاربة، ساقطة، ومشاعر الأزواج منسجمة سامية، وتلك المشاعر تولد العقد النفسية، والانحلال الخلقي وضعف الوازع وهوان النفس،وينتهي إلى الأمراض النفسية والعقد وأيضاً الأمراض البدنية كالإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة التي ارتكاب الفاحشة هو السبب الرئيسي فيها.
أما مشاعر الأزواج النظيفة فإنها تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب.
وباختصار مشاعر الأزواج بناء ومشاعر الزناة والزواني مشاعر هدم، ولذلك سمي الزواج في الإسلام بناء حيث إنه بناء نفسية وبناء أسرة ولذا فأبعد الناس عن الأمراض النفسية العصبية هم أهل الاستقامة في الشأن، وأقرب الناس إلى الأمراض النفسية والعقد والامتهان هم أهل الانحراف والفساد.
ويكفي في بيان سمو العلاقة التي تكون بين الزوجين قوله تعالى:
((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً))[الروم : 21]
وأيضاً تأمل معنا عزيزي القارئ هذه الآية من سورة الأعراف:
قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا))[الأعراف : 189]
إنها آيات تنطق نوراً ورقة فهي تقرر أن المرأة آية من آيات الله خلقها من أنفس الرجال لا من طينه أخرى، فهي نفس واحدة في طبيعة تكوينها وإن اختلفت وظيفتها بين الذكر والأنثى، وإنما هذا الاختلاف ليسكن الزوج إلى زوجه ويستريح إليها والسكن أمر نفساني وسر وجداني يجد فيه المرء سعادة الشمل وأنس الخلوة.
والخلاصة: أن الأصل في التقاء الزوجين هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار ليظلل السكون والأمن جو المحضن الذي تنمو فيه الفراخ الزغب وينتج فيه المحصول البشري الثمين، ويؤهل فيه الجيل البشري الناشئ لحمل تراث التمدن والإضافة إليه، ولم يجعل هذا الالتقاء لمجرد اللذة العابرة النزوة العارضة.
ومن الغريب أننا نجد الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما إذا بالصلة تقوى بينهما فيكونان الصق اثنين ببعضهما، في جو من المحبة والمودة الرأفة، لم تكن بين الزوجين قبل الزواج، وإنما حدثت هذه المودة والرحمة بعد الزواج الذي شرعه الله تعالى بين الرجال والنساء.
والآخرة خير وأبقى:
إن كان الزواج متعة وسكن في الدنيا عندما يأوي الزوج إلى زوجته بعد كده وسعيه ودأبه في الحياة، يُلغي بمتاعبه إلى ملاذه وحبيبته زوجته التي تتلقاه طلقة الوجه، فهي السكن لزوجها يسكن ليروي ظمأه الجنسي في ظلال من الحب المودة والطهارة فيسكن القلب عن الحرام وتسكن الجوارح أيضاً.
فإن في الآخرة لذة أعدها الله للمؤمنين المؤمنات، كما قال الغزالي في إحياء علوم الدين، ((لعمر الله ما قالوه لصحيح، وإن هذا اللذة هي أفضل لذة لو دامت فهي منبهة على الذات الموعودة في الجنان)).
من أخبارهم:
يقول الدكتور هافليرج مدير مستشفى الأمراض العقلية بنيويورك:
((إن عدد الذين يدخلون المستشفيات العقلية نسبتهم عادة أربعة من غير المتزوجين إلى واحد من المتزوجين)).
وتدل الإحصاءات التي قام بها برتلون على أن حوادث الانتحار بين غير المتزوجين أكثر منها بين المتزوجين، كما أنها المتزوجات مع ما يعانينه من متاعب الولادة والأمومة ومشكلات الحياة الزوجية واليومية غالباً ما عمرن أطول من زميلاتهن اللواتي يقضين حياتهن عانسات.
وأخيراً نخلص بفائدة من هذا المقال أن من أهداف الزواج ومقاصده تحقيق السكن والحب والمودة والرحمة والراحة والاطمئنان، كل هذه المعاني والمشاعر التي يجدها الإنسان في الزواج في ظل شرع الله الحنيف، ومن يبتغي هذه المشاعر في غير الزواج فلن يجده.
وليبحث كل منا عن السكن في الزواج، بدلاً من البحث عن المشاكل والصراعات.
من اطلاعاتي