عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2011-09-20, 3:18 PM
الوديعه
عضو جديد
رقم العضوية : 155795
تاريخ التسجيل : 17 - 9 - 2011
عدد المشاركات : 76

غير متواجد
 
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
الذهب بغيته00
شرط سعادته00
ابتسمت له الدنيا فجأة!
ارتمت الثروة والمجد تحت قدميه بسهولة00هذا المال غنيمة باردة سيناله بلا مخاطرات ولامتاعب00فالسرقة مهنته00 والرجل الجريح عاجز لايكاد يقوى على الحراك، وليس هناك رقيب ولا شرط00فليأخذ هذا الخرج الممتلئ وليرجع لاستخراج الثاني بعد حين00 ليقتنص الفرصة ولينهي شقائه إلى الأبد00 وسيجد بعدها مئة جواب لمن يسأله عن ثرائه المفاجئ!
وأحس بتصاعد أنفاسه وتلفت00ثم تفكر ملياً وأعاد المال إلى مكانه00ووجد نفسه متردداً في سلب الرجل ، مع أنه سلبه قبل قليل بعض الدريهمات!

حرك النار فتصاعد لهبها00 تأمل هذه الثروة التي تربض عند قدميه كالكلب الوفي00 ماذا لو أخذها ولاذ بالفرار وترك الرجل لمصيره يموت بهدوء00 لقمة سائغة00فهو يسطو على المنازل ويقتحم الأخطار من أجل أشياء قليلة تضيع منه في صباح اليوم الذي يليه00 والآن وجد ما يكفيه مدى عمره كله ، فلماذا يترك هذه السعادة القابعة في حقيبة هذا الجريح العاجز تضيع منه؟00إنه في الغالب سيموت، فقد تلقى في جوفه طعنة نافذة00 وهكذا لن يثقل كاهله بقتله00 فلا مجال للتقاعس والوجل؟!

وتناول الخرجا لثقيل مرة ثانية00 لكن شكوكه عادت فأرجع الخرج إلى مكانه00

لقد علمته التجارب أن يكون حذراً ويفكر في كل شيء قبل أن يقدم على عمل جريء كهذا00
وقد تحصلت عنده قناعة تامة أن لهذا الذهب الوافر طلاباً غيره ، وأنهم لابد أن يتتبعوه أينما ذهب00
فما زالت تطن في أذنه كلمات الرجل وهو يهذي ويقول: إنه طعن من أجل الذهب ثم خسر نصفه0
وتلك الأسماء التي كان يرددها00حنظلة00زليط00عدي00 ولاشك أن الرجل لص مثله00 فقد رآه يوماً أو شخصاً يشبهه! والأشخاص الذين ذكرهم هم أعوانه أو أعداؤه0

ولهذا قرر أن يحتال على الرجل ليعرف قصته، ويكون ذلك أدعى للأمن وأخذ الحيطة00 وخطرت له فكرة00

أخذ الخرج محاذراً أن تحدث محتوياته صوتاً وحفر حفرةً صغيرةً في جهة من الحجرة، ودفن الخرج فيها و غطاه بطبقة رقيقة من التراب،ووضع صرة ثيابه فوقها وسوى الموضع ، ثم قام إلى الخارج ورفع رأسه وملأ رئتيه من الهواء الندي ، وجاء ببعض الحطب وقذف به إلى النار التي كادت تخمد ، وعلى ضوئها طفق يتفقد محتويات الغرفة00 ووجد شِباك صيدٍ قديمةٍ وسلال فارغة ، وحبال وثياب وخرق بالية ، ووجد صندوقاً به سيف صديء ، ورماح وسماح ، وكان الغبار يغطي كل شيء0
ثم ترك الحجرة بعدما ألقى على قدمي الرجل المرتعش بعض الأغطية00 وجمع المزيد من الحطب والأخشاب ، ثم عاد ليجد الرجل قد استيقظ و وجده يكاد يجن فرقاً على حقيبته، وعندما وقعت عيناه على غياث سأله بفظاظة وريبة:

-أين أموالي؟

-هل تقصد الخرج؟

-نعم00 هل رأيت أحداً جاء إلى هنا و أخذها؟

-كيف يأتي أحد ليسرقها ولا أمنعه؟!

-إذاً قل لي أين ذهبت؟

-لقداستوليت عليها أنا0

-أنت؟

-نعم0

وتوقع غياث أن يلعنه الرجل ويغضب ويحاول القيام أو يقذفه بأي شيء00 لكن شيئاً من ذلك لم يحدث!! بل تغيرت سحنته، وتكدرت ملامحه إلى هيئة مهزومة ساذجة00 وحزينة بشكل كاد يبعث الأسى في نفسه!!

لقد أُتي من مأمنه، وسُرق من الشخص الذي كان يظن أنه منقذه0 وعاد يستفسر بطريقة أراد لها أنتكون ثابتة متوعدة:

-بأي حق تأخذ مالاً ليس لك؟!

-وليس لك أنت أيضاً!

كيف تقول هذا 00 إنها أموالي؟!

رد غياث مصطنعاً الثقة:

-لقد عرفتك ساعة نظرت إليك00 لقد أخذت هذه الأموال ظلماً وعدواناً00 وليست هذه أولى أعمالك فأنا أعرف عنك الكثير!

لم يكن غياث متأكداً مما يقول، وكان مستعداً لن يتنازل عن شكوكه لو استمر الرجل في إنكاره غير أن استسلام الرجل السريع أدهشه00 حيث قال الرجل مناوراً:

-أنت لا تعي شيئاً مما تقول00 أنا اسمي شهاب الدين وأنا تاجر من تجار حلب وقد داهمني اللصوص عندما كنت00

-بل أنت لص من لصوص العراق واسمك مروان!

وتقلبت عينا الرجل مبهوتاً00 وحدج غياث بنظراته المرعوبة المدهوشة في صمت و حنى رأسه، وجعل يتحسس جرحه بيده الملطخة بالدماء اليابسة وخاطبه غياث:

-لقد رأيتك أول مرة في سجن الوالي من أجل جبن سرقته وتدعي الآن أنك تاجر وأن لك أمولاً!؟

واستقام الرجل في جلسته لاهثاً بعدما تجلى عنه الكثير من وطأة الحمى،وأسند ظهره إلى الجدار وقال بصوت هادئ مستسلماً:

-إذاً فأنت تعرفني يا فتى؟

فقال غياث معلناً عن نفسه بصراحة:

نعم أعرفك00 فجميعنا أصحاب مهنة واحدة00 وعندما كنت تهذي فهمت من كلامك ما يمكن أن تكون وقد سمعتك تهذي باسم حنظلة وعدي وبكر بن مرة وزليط0

وعند ذكر عدي تمتم00"مروان"وهو يخاطب نفسه:

-عذًبك الله يا عدي00

ثم قال لغياث بسذاجة ناسياً عجزة:

-ستشاركني هذه الغنيمة 00سأهبك نصف المال مقابل أن تساعدني00؟

فابتسم غياث مستغرباً00 كيف أصبح هذا لصاً فاتكاً ثم قال بمكرٍ مستجراً مروان إلى الكلام:

-حسناً00 وكيف أساعدك؟

-تركبني على ظهر الجمل وتدفع بي إلى سبيل النجاة0

-سأفعل00ولا أريد نصف المال،فهذا كسب لك وحدك، و إنني من القناعة بحيث يكفيني القليل إذا أخبرتني كيف سلبتَ المال00 و لك أن أساعدك؟

-ومن يضمن لي أنك لا تخونني؟

-لا خيار لك00فأنت عاجز00 وإذا لم تستجب لي قمت وتركتك!

- والذهب؟

رد غياث محاولاً كسب ثقة مروان:

-الذهب لك إلا ما تصدقت به عليً،فما كنت لآخذ ما حصلت أنت عليه بجهدك00

ورفع إلى فم مروان قدحاً كان قد ملأه من النهر00 فشرب وقال:

-سأحكي لك0

وسكت برهة يتحسس جرحه ثم قال بنكد:

-هذا المال لتاجر ثري، يسكن بغداد وهو من أهل فلسطين يقال له ذاهب المقدسي، وكان متصلاً بالخلفاء والولاة وقد جمع من الأموال الكثير وكانت له ضياع ودور وعقار0

وقد وشى به بعضهم عند الخليفة فجفاه وعنَّفه ، وأظهر له العداوة فضاقت عليه الدنيا وكره بغداد وعاف المقام فيها، واعتزم الرحيل إلى بلاده، والتحول إلى موطنه الأصلي فلسطين فأرسل أولاده وأسرته إلى هناك مع قليل من المال على أن يلحق بهم بعد أشهر0

وطفق يبيع ضياعه وعقاره، وكل مايملك واشترى هذا الذهب الذي رأيته، وحمل أمتعته وأمواله على بعض الجمال00 واستأجرخمسة عشر فارساً لحراسته مع خمسة من عبيده0

وكان من أصدقاء المقدسي رجل يحقد عليه ويحسده اسمه حنظلة ، وكانت قد جرت بينهما المعرفة في مجلس الخليفة ولم يكن ذاهب يخفي عن حنظلة شيئاً من أموره0 فجمع حنظلة تسعة من الفتاك وانضممت أنا إليهم مع أخ لي ، واتفقنا على أن نستولي على الأموال ونهاجم الرجال ليلاً00 ولم نكن على قلب واحد ولكن جمعتنا حمرة الذهب0

وكان المقدسي صاحب حيطة وتدبير، فلم يخبر أحداً بمسيره ولا بما تحمله جماله00 ولم يكن يشك في إخلاص حنظلة، لذا علمنا كل شيء وتيسر لنا رصد الرجال ومتابعتهم 00 و اختبأنا لهم ليلة البارحة في بعض الطريق ، ثم انقضضنا عليهم متلثمين ، كانوا أشد منا قوةً و أكثر عدداً لكن مفاجئتنا لهم ساعدتنا على غلبتهم فقاتلناهم قتالاً شديداً بالنبال والسيوف وقد أخفى زعيمنا حنظلة نفسه ، فلما رأى كفة القتال تسير لصالحنا انضم إلينا 00
وبدا لي أنه لن ينجو من رجال المقدسي أحد ، بينما لم يقتلْ منا سوى أربعة ، وفرَّ بقية الفرسان إلى بعض الصخور طلباَّ للنجاة فطاردهم رجالنا لإفنائهم وكان هذا رأي حنظلة حتى لا يعود أحدٌ منهم إلى بغداد فيعلم الناس بنا00 إنه لئيمٌ ويحب الدماء ويقتل بلا دافع للقتل!

وقد ساءني من حنظلة أنه لم ينضم إلينا إلا بعد أن هزمنا القوم، وأنه كان يحافظ على نفسه،وقدرت أيضاً أن هذا الذهب لو قُسَّم بيننا فلن ينالني منه ما أصبو إليه ، وكل هذا جعلني أتسلل في غمرة الهياج و البحث عن الجمل الذي فيه الذهب ، وأهرب به تاركاً الرجال يتقاتلون مستعيناً بالظلام والغبار00

وسرت قليلاً وظننت أني فزتُ بالمال ، لكن أحد أعوان حنظلة واسمه عدي اعترضني وقد عرف مقصدي وبدلاً من أن أخفي فعلتي تصرفت بحماقة فصحت به إن الذهب لي وحدي00 فعلقت به وأصابني في بطني ورأيت أخي يأتي مسرعاً ، وقد فهم ما حدث فانضم إليَّ والتحم مع الرجل في مبارزة وأمرني أن أهرب بالجمل00

وهربت00 ممسكاً بجرحي ممتطياً ظهر الجمل00 وكنت أعرف موضع القارب فتحاملت على جرحي وعالجت الجمل حتى برك في جوف القارب00 وقطعت به النهر وهذا ما زاد من آلامي ثم أنهضت الجمل وركبت عليه، لكني بدأتُ أفقد رشدي فسقطتُ من على ظهره، وغاب عقلي حتى جئتني أنت0




يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع