عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2007-03-30, 2:44 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
حديث ضعيف

يحتج أصحاب حساب الجمل بحديث ضعيف ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما نقول حديثاً ضعيفاً فهذا يعني أنه يغلب عليه أنه غير صحيح، مع احتمال أن يكون صحيحاً، ولذلك سنناقش هذا الحديث لنحدد مدى ترجيح صحة هذا الحديث، لأن الله تعالى كما أودع في كتابه براهين مادية تثبت أن القرآن كلام الله، كذلك أودع في كلام حبيبه صلى الله عليه وسلم براهين علمية ومنطقية تثبت صدق كلام النبي، وإذا وجدنا الحديث متناقضاً فهذا يعني أنه غير صحيح. لأن النبي لا ينطق عن الهوى بل كل كلمة نطق بها هي وحي من الله تعالى، وقد حدد لنا الله المنهج الصحيح في التفريق بين المصدر الإلهي والمصدر البشري بقوله: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].

يقول الإمام الكبير ابن كثير رحمه الله في تفسيره للحروف المقطعة (الم): "وأما من زعم أنها - أي الحروف المقطعة- دالة على معرفة المُدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له وطار في غير مطاره، وقد ورد حديث ضعيف وهو مع ذلك أدلّ على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته، وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار". وملخص هذا الحديث الضعيف أن اليهود سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو قوله تعالى في بداية سورة البقرة (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 1-2]. فقالوا له إن مدة هذا الدين هي 71 سنة لأن الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون 0وهذه قيم الحروف "الم" في حساب الجمل)، وقالوا كيف تدخلون في دين مدته 71 سنة؟

فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هل مع هذا غيره قال نعم: (المص)، فحسبوها على حساب الجمل فكانت 131 سنة، فقالوا هل مع هذا غيره فقال: (الر) فقالوا هذا أكبر فهذه الحروف تساوي في حساب الجمل 231 .... ثم قالوا لقد تشابه علينا أمره.

يقول ابن كثير عن راوي هذا الحديث إنه لا يُحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحاً أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر أي الحروف المقطعة [1]. ويمكن أن أطرح سؤالاً:

إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف مدة هذا الدين، وكثير من الناس سألوه عن يوم القيامة فنزلت عليه آيات كثيرة تؤكد أنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، فكيف يوافقهم النبي على حساباتهم أن الحروف المقطعة بحساب الجمل هي مدة هذا الدين؟ المنطق يفرض في هذا الموقف أن يرد عليهم بقوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 187].

ومن غير المعقول أن النبي الأعظم يوافق اليهود على حسابهم ليوم القيامة، لأن الذي يقرأ هذا الحديث يفهم منه موافقة النبي على أن الحروف المقطعة كأنما نزلت لتحديد يوم القيامة، وهذا ما فهمه أحد شياطين الإنس وهو الدكتور رشاد خليفة عندما أسرع في حساب الحروف المقطعة في أوائل السور وفق حساب الجمّل، فكان مجموع الحروف بعد إبدال كل حرف بقيمته هو 1709 وبما أن هذا العدد ليس من مضاعفات الرقم 19، أضاف واحداً ليصبح العدد 1710 وهو موعد قيام الساعة بالتاريخ الهجري، ولكنه لم يذكر لنا من أين جاء بهذا الواحد الإضافي؟!!

ويمكن القول إن معظم علمائنا لا يقتنعون بحساب الجُمَّل ومنهم الدكتور يوسف القرضاوي حيث يقول عن هذا الحديث الذي يستند إليه أصحاب هذا الحساب:

"هذه القصة من الناحية العلمية غير ثابتة، ولم تُروَ بسند صحيح أو حسن، بل بإسناد ضعيف لا يحتج به، ضعفه الحافظ ابن كثير في تفسيره (تفسير القرآن العظيم 1/38) والسيوطي في الدر المنثور (الدر المنثور 1/2) والشوكاني في فتح القدير (فتح القدير 1/31)، وأحمد شاكر في تخريج تفسير الطبري (تفسير الطبري 1/218، مطبعة دار المعارف). فسقط إذن الاحتجاج بها، إذ لا يحتج بضعيف عند أهل العلم.

يتابع الدكتور القرضاوي: حساب الجمل لا يقوم على أساس منطقي: ثم إن حساب الجمل نفسه مجرد اصطلاح من جماعة من الناس، ولكنه اصطلاح تحكمي محض، لا يقوم على منطق من عقل أو علم. فمن الذي رتب الحروف على هذا النحو: ا ب جـ د هـ و ز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ؟ ولماذا لم تترتب هكذا: ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز إلخ؟ أو تترتب على أي نحو آخر؟

ومن الذي جعل للألف رقم (1) والباء رقم (2) وهكذا آحادًا إلى حرف ط، ثم أعطى للحرف (ي) رقم (20) وللحرف ك (30) وهكذا الزيادة بالعشرات إلى الحرف الذي يعادل (100) وبعده تكون الزيادة بالمئات. لماذا لم تكن الزيادة آحادًا إلى آخر الحروف؟ ولماذا لم تبدأ بعشرة أو بمائة أو بألف؟ ولماذا لم تكـن هكـذا: ألف (1)، و ب (10)، وجـ (20) وهكذا؟ ولماذا لم تكن هكـذا: 1، 10، 100، 1000 إلخ ...؟ ولماذا ولماذا؟ كل هذا تحكم من واضعيه المصطلحين عليه. صحيح أنه لا مشاحّة في الاصطلاح، ولكن هذا لا يلزم أحدًا" [2].

لذلك يا أحبيتي في الله، لا تبنوا إعجازكم على حديث ضعيف. ثم إن أكبر دليل على ترجيح عدم صحة هذا الحديث أنه ناقص، فراوي الحديث لم يخبرنا ماذا حدث بعد أن اختلط الأمر على اليهود، ماذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم، هل سكت عن مثل هذا الأمر، وسكوت النبي يعني موافقته على حسابهم، أم أن النبي أنكر ذلك، لأن الذي يتعمق في شخصية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، يدرك أنه لا يخشى في الله أحداً وجميع أحاديثه الصحيحة واضحة وبيّنة، أما هذا الحديث فهو غامض ولا يوجد للنبي موقف من هذا الأمر، وهذا دليل على أنه لا يجوز بناء شيء على هذا الحديث، والله تعالى أعلم.