خطر الأسواق ( خطبة جمعة )
أما بعد :
فحديثنا معكم ـ أيها المسلمون ـ في جمعة هذا اليوم عن خطر يهدد صرح الإيمان ، ويخدش جوهرة الحياء ، ويهدم بنيان كثير من المجتمعات ، بل ويصيِّرُ الأمة إلى هاوية سحيقة..
حديثنا عن سبب من أسباب رضا الشيطان وغضب الرحمن ، وعليهِ يكون المدار لدمار المجتمعات وحلول البلايا ، بل سبب لتحول النعم وحلول النقم .. حديثنا ـ إخوة الإيمان ـ عن شر البقاع عند الله جل في علاه ، ألا وهي الأسواق .. وما أدراكم ما الأسواق .؟
شرٌّ وبلاء ، وفساد وبغاء ، وكذب وغش وتدليس ، وهو حال أسواقنا اليوم إلا ما رحم رب الأرض والسماء .. لقد كانت الأسواق في الماضي أسواقا بدائية ، تلُفّها الفوضى ، وتكسوها القذارة من كل مكان ، ومع ذلك حذَّر منها المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد تحذير ؛ كيف وهي اليوم قد أخذت منحاً جديداً ، حتى زاد شَرُّها ، وعمَّ بلاؤها ، ونالت نصيبا وافراً من الفساد والإفساد .. فرحماك رحماك يا أرحم الراحمين ..
الأسواق .. من أبغض البقاع إلى الله تعالى .. وماذا بعد هذه الحقيقة ؟ ما الذي سيدور في خَلَجِكَ ؟ ما الذي ستراه حسناً إلا ما رحم ربك ، وقليل ما هو .. ما الخير الذي ستجنيه وما الشر الذي ستسلم منه ؟
( إنه المكان البغيض عند المولى جل جلاله وتقدست أسماؤه ) .. جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ) .
فليكن همك ـ يا عبد الله ـ أن لا يفقدك الله في أحب البلاد إليه وهي المساجد ، وأن لا يراك في أبغضها إليه وهي الأسواق ، بمعنى أن لا يَطُل مكثك فيها ، خذ حاجتك وعجِّل بالخروج منها ، وليكن مرورك عليها ونزولك غِبـَّاً ، وليس إلا لحاجة ؛ وقد غَظَّ منك البصر ، وعَمِلتَ بوصية خير البشر، وسلم المارة من أذاك ، ولم يفتر لسانك من ذكر مولاك ..
إنك ـ يا عبد الله ـ إذا تأملت ما يدور في الأسواق علِمتَ سبب بغض الله تعالى لها :
- كثرة المعاصي والسيئات ..
- قِلّة ما يُعمل فيها من طاعات وحسنات ..
- كثرة ما يحدث فيها من سهوٍ ولهوٍ ، وغفلة ٍ ولغو ، وتدليس وتلبيس ، وكذب وزور ، وتَهتُّك وسفور ، وفواحش وفجور ..
- أصواتٌ للخنى والأغاني قد ارتفعت من سيارات شباب أحداث السن ، صغار العقول ، يتتبعون عورات أخواتهمُ المسلمات ..
- تبادلٌ للرسائل الفاحشة عن طريق الجوالات بين البنين والبنات .. فَحُقَّ والله أن ينزل البغض والسوء على أرض بلدٍ هذه حالها ، وغير ذلك مما يندى له الجبين أن يقع في أسواق المسلمين اليوم ؛ حيث أن الغفلة فيها مُتَحَكِّمة ، والزلة متمكِّنة ، والنفوس والهوى والشهوات يذهبون بأصحابهم في كل اتجاه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
إن الأسواق - أيها الأخيار - ميدانٌ نَصَبَ الشيطان عليه رايته ، ونادى فيه زبانيته وأبَالِسَتَه ، وهو بساطه المحبب ومجلسه المقرَّب ؛ وذلك لكثرة طائعيه فيه ، وقِلَّة مخالفيه عليه ، وخصوصا هذا الزمان والذي شاعت فيه الخيانة ، وقلَّت الأمانة ؛ فطغى الزيف وأرغى المُزيِّفون ..
جاء عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَكُونَنَّ إن استطعت أولَ مَن يَدخُلِ السوق ، ولا آخر مَن يخرجُ منها ، فإنها معركةُ الشيطان ؛ وقد نصب رايته ) الحديث .
إبليس يقود معركةً في ميدان الأسواق ، وقد نصب رايته عليها ! فمن هو خصمه يا ترى ؟! ومن هم جنوده وحزبه وأعوانه ؟
إن خصمه اللدود - واسمعوا أيها العقلاء - إن خصمه هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، الحافظون لعورات المسلمين ، والمحاربون لأهل الفسق والفواحش ، ودعاة الرذيلة ..
إنهم رجال الحسبة الذين تكسَّرت على أيديهم سهام الشياطين ورماحهم .. أمدَّ الله في بقائهم ، وسدد على الحق خطاهم .. هـؤلاء هم خصمه ، وكذلك كُلُّ من في قلبه غيرة وحُرقةٌ على محارم الله أن تُنتهَك .. وأمَّا جنوده وأعوانه ، فحدِّث ولا حرج ..