اللقاء !!
وفي اليوم الرابع ، لم أصبر على الجلوس في غرفتي ، فذهبت أرقب بيتهم من بعيد ، فلما ذهب الشباب مع أبيهم إلى أعمالهم ، كالعادة ، وأنا أنظر وأتمنى ، فإذا بالباب يُفتح فجأة ، وإذا بوجه زوجتي يطل من ورائه ، وإذا بها تلتفت يمنة ويسرة ، نظرتُ إلى وجهها ، فإذا به دوائر حمراء ، وَلَكَمَاتٌ زرقاء ، من كثرة الصفعات والكدمات ، وإذا لباسها مخضَّب بالدماء ، فزعت من منظرها ، وَرَحِمْـتُهَا ، اقتربت منها مسرعاً ، نظرت إليها أكثر ، فإذا الدماء تسيل من جروح في وجهها ، وإذا يداها ، وقدماها ، تسيل بالدماء ، وإذا ثيابها ممزقة ، لم يبق منها إلا خرقة بسيطة تسترها ، وإذا بأقدامها مربوطة بسلسلة ! وإذا بيديها مربوطة بسلسلة من خلف ظهرها ، لما رأيتها ، بكيت ، لم أستطع أن أتمالك نفسي ، ناديتها من بعيد !
ثبات ، وتثبيت
فقالت لي وهي تدافع عبراتها ، وتئن من شدة عذابها : اسمع يا خالد ، لا تقلق علي ، فأنا ثابتة على العهد ، ووالله الذي لا إله إلا هو ، إن ما أُلاقيه الآن ، لا يساوي شعرة مما لاقاه الصحابة والتابعون ، بل والأنبياء والمرسلون ، وأرجوك يا خالد ، لا تتدخل بيني وبين أهلي ، واذهب الآن سريعاً ، وانتظر في الغرفة ، إلى أن آتيك إن شاء الله ، ولكن أكثِر من الدعاء ، أكثِر من قيام الليل ، أكثِر من الصلاة ، ذهَبتُ من عندها ، وأنا أتقطع ألماً وحسرة عليها ، وبقيت في غرفتي يوماً كاملاً أترقبها ، وأتمنى مجيئها ، ومرَّ يومٌ آخر ، وبدأ اليوم الثالث يطوي بساطه ، حتى إذا أظلم الليل ، إذ بباب الغرفة يُطرق ؟ ففزعت ، وقلت من بالباب ؟! من الطارق ، أصبت بخوف شديد ، مَن الذي يأتي في منتصف الليل !! لعل أهلها علموا بمكاني ، لعل زوجتي اعترفت ، فجاءوا لقتلي ، أصبت برعب كالموت ، لم يبق بيني وبين الموت إلا شعرة ، أخذت أردد قائلاً : من بالباب ؟ فإذا بصوت زوجتي يقول بكل هدوء ، افتح الباب . أنا فلانة ، أضأت نور الغرفة ، فتحت الباب ،دخلت عليَّ وهي تنتفض ، على حالة رثة ، وجروح في جسدها ،قالت لي : بسرعة ، هيا نذهب الآن ! قلت : وأنت على هذا الحال ؟ قالت : نعم ، بسرعة ، بدأت أجمع ملابسي ، وأقبلت هي على حقيبتها ، فغيرت ملابسها ، وأخرجَت حجاباً وعباءة احتياطية ، فلبستها ، ثم أخذنا كل ما لدينا ، ونزلنا ، وركبنا سيارة أجرة ، ألقت المسكينة بجسدها المتهالك الجائع المعذب ، على كرسي السيارة .