رحلة العذاب
ثم ذهبنا لزيارة أهلها ، وطرقنا الباب ، كان بيتُهم قديماً متواضعاً ، يبدو الفقر على سكانه ظاهراً ، فتح الباب أخوها الأكبر ، كان شاباً مفتول العضلات ، فَرِحَت المسكينة بأخيها ، وكشفت وجهها وابتسمت ، ورحبت ! أما هو فأول ما رآها تقلب وجهه بين فرح برجوعها سالمة ، واستغراب من لباسها الأسود الذي يغطي كل شيء ، دخلت زوجتي وهي تبتسم ، وتعانق أخاها ، ودخلْتُ وراءها ، وجلسْتُ في صالة المنزل ، جلست وحيداً ، أما هي ، فدخلت داخل البيت ، أسمعها تتكلم معهم باللغة الروسية ، لم أفهم شيئاً ، لكنني لاحظت أن نبرات الصوت بدأت تزداد حدة !! واللهجة تتغير !! والصراخ يعلو !! وإذا كلهم يصرخون بها ، وهي تدافع هذا ، وترد على ذاك ، فأحسست أن الأمر فيه شر ! ولكنني لا أستطيع أن أجزم بشيء لأني لم أفهم من كلامهم شيئاً ، وفجأة بدأت الأصوات تقترب من الغرفة التي أنا فيها ، وإذا بثلاثة من الشباب ، يتقدمهم رجل كهل ، يدخلون على ، توقعت في البداية أنهم سيرحِّبون بزوج ابنتهم ! وإذا بهم يهجمون عليَّ كالوحوش ، وإذا بالترحيب ينقلب إلى لكمات ، وضربات ، وصفعات !!! أخذت أدفعهم عن نفسي ، وأصرخ وأستغيث ، حتى خارت قواي ، وشعرت أن نهايتي في هذا البيت ، ازدادوا لكماً وركلاً ، وأنا أتلفت حولي ، أحاول أن أتذكر أين الباب الذي دخلت منه لأهرب منه ، فلما رأيت الباب ، قمت سريعاً ، وفتحتُ الباب وهربت ، وهم ورائي ، فدخلت في زحمة الناس ، حتى غبت عنهم ، ثم اتجهت إلى غرفتي ، وكانت ليست ببعيدة عن المنزل ، وقفت أغسل الدماء عن وجهي وفمي ، نظرت إلى نفسي وإذا ، بالضربات والصفعات ، قد أثّرت في جبهتي وخدّي وأنفي ، وإذا بالدم يسيل من فمي ، وثيابي ممزقة ،حمدت الله أن أنقذني من أولئك الوحوش ، لكني قلت ، أنا نجوت لكن ما حال زوجتي ؟! أخذت صورتها تلوح أمام ناظري ، هل يمكن أن تتعرض هي أيضاً لمثل هذه اللكمات والضربات ، أنا رجل ، وما كدت أتحمل ، وهي امرأة فهل ستتحمل !! أخشى أن تنهار المسكينة !
هل حان الفراق ؟
بدأ الشيطان يعمل عمله ، ويقول لي : سترتد عن دينها ، ستعود نصرانية ، وتعود إلى بلدك وحدك ، وبقيت حائراً ، ماذا أفعل ؟ في هذه البلاد ، أين أذهب ، كيف أتصرف ، النفس في هذا البلد رخيصة ، يمكنك أن تستأجر رجلاً لقتل آخر بعشرة دولارات ! أوه ، كيف لو عذَّبوها فلم تصمد ودلَّتهم على مكاني ، فأرسلوا أحداً لقتلي في ظلمة الليل ، أقفلت عليَّ غرفتي ، وبقيت فيها فزعاً خائفاً حتى الصباح ، ثم غيَّرت ملابسي ، وذهبت أتجسَّس الأخبار ، أنظر إلى بيتهم عن بعد ، أرقبه ، وأتابع كل ما يحصل فيه ، لكن الباب مغلق ، ظللت أنتظر ، وفجأة ! فُتح الباب ، وخرج منه ثلاثة من الشباب ، وكهل ، وهؤلاء الشباب هم الذين ضربوني ، يبدو من هيأتهم ، أنهم ذاهبون إلى أعمالهم ، أُغلق الباب ! وبقيت أرقب ، وأترقب ، وأنظر ، وأتمنى أن أرى وجه زوجتي ، ولكن لا فائدة ، ظللت على هذا الحال ساعات ، وإذا بالرجال يقدمون من عملهم ويدخلون البيت ، تعبت فذهبت إلى غرفتي ، وفي اليوم الثاني ذهبت أترقب ولم أر زوجتي ، وفي اليوم الثالث كذلك ، يئِست من حياتها ، توقعت أنها ماتت من شدة العذاب ، أو قُتلت ! ولكن لو كانت ماتت ، فعلى الأقل سيكون هناك حركة في البيت ، سيكون هناك من يأتي للعزاء ، أو الزيارة ، لكني عندما لم أر شيئاً غريباً ، أخذت أقنع نفسي أنها حية ، وأن اللقاء سيكون قريباً .