في روسيا .
عزيمةٌ وإصرار
قال خالد : عندما نزلنا في المطار ، كنت أظن أننا سنذهب إلى بيت أهلها ، ونسكن عندهم ثم بعد ذلك ننهي إجراءاتنا ونعود ، لكن نظرة زوجتي كانت بعيدة ، قالت لي : أهلي ( آرثوذوكس ) متعصبون لدينهم ، فلا أريد أن أذهب الآن ! لكن نستأجر غرفة ، ونبقى فيها ، وننهي إجراءات الجواز ، وقبيل السفر نزور أهلي ، فرأيت أن هذا رأياً صواباً ، استأجرنا غرفة وبتنا فيها ، ومن الغد ذهبنا إلى إدارة الجوازات ، دخلنا على الموظف فطلب الجواز القديم وصوراً للمرأة ، فأخرجت له صوراً لها بالأسود والأبيض ، ولا يظهر منها إلا دائرة الوجه فقط ، فقال الموظف : هذه صورة مخالفة ، نريد صورة ملونة ، يظهر فيها الوجه والشعر والرقبة كاملة !! فأبت أن تعطيه غير هذه الصور ، وذهبنا إلى موظف ثانٍ ، وثالث ، وكلهم يطلبون صوراً سافرة ، وزوجتي تقول : لا يمكن أن أعطيهم صورة متبرجة أبداً ، فرفض الموظفون استقبال الطلب ، فتوجهنا إلى المديرة، فاجتهدت زوجتي أن تقنعها بقبول هذه الصور ، وهي تأبى ، فأخذت زوجتي تلح وتقول : ألا ترين صورتي الحقيقية ، وتقارني بالصور التي معك ، المهم رؤية الوجه ، الشعر قد يتغير ، هذه الصور تكفي ؟! والمديرة تصر على أن النظام ، لا يقبل هذه الصور ، فقالت زوجتي : أنا لن أحضر غير هذه الصور ، فما الحل ؟ قالت المديرة : لن يحل لكم الإشكال إلا مدير عام الجوازات في موسكو ، فخرجنا من إدارة الجوازات ، فالتفتت إلى وقالت : يا خالد نسافر إلى موسكو ، عندها قلت لها : أحضري الصور التي يريدون ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، فاتقوا الله ما استطعتم ، وهذه ضرورة ، والجواز سيراه مجموعة من الأشخاص فقط ، للضرورة ، ثم تخفينه في بيتك إلى أن تنتهي مدته ، دعي عنك المشاكل ، لا داعي للسفر إلى موسكو ، فقالت : لا ، لا يمكن أن أظهر بصورة متبرجة ، بعد أن عرفت دين الله سبحانه وتعالى .
في موسكو
أصرَّت عليَّ فسافرنا إلى موسكو ، واستأجرنا غرفة وسكنَّاها ، ومن الغد ذهبنا إلى إدارة الجوازات ، دخلنا على الموظف الأول فالثاني فالثالث وفي نهاية المطاف ، اضطررنا للتوجه إلى المدير الأصلي ، دخلنا عليه ، عندما رأي الجواز ، أخذ يقلب الصور ، ثم رفع رأسه إلى زوجتي وقال : من يثبت لي أنكِ صاحبة هذه الصور ؟ يريدها أن تكشف وجهها ليراها ، فقالت له : قل لأحد الموظفات عندك ، أو السكرتيرات ، تأتي فأكشف وجهي لها ، وتطابق الصور ، أما أنت فلن تطابق الصور ، ولن أكشف لك وجهي ، فغضب الرجل ، وأخذ الجواز القديم ، والصور ، وبقية الأوراق ، وضم بعضها إلى بعض ، وألقاها في درج مكتبه الخاص ، وقال لها : ليس لكِ جواز قديم ، ولا جديد إلا بعد أن تأتين إليَّ ، بالصور المطابقة تماماً ، ونطابقها عليك ، أخذت زوجتي تتكلم معه ، تحاول إقناعه ، ويتكلمان بالروسية ، وأنا أنظر إليهما ، لا أفهم شيئاً ، لكني غضبت ، ولا أستطيع أن أفعل شيئاً ، وهو يردد : لا بد من إحضار الصور على شروطنا ، حاولت المسكينة إقناعه ، ولكن لا فائدة ! فسكتت وظلت واقفة ،التفتُّ إليها ، وأخذت أعيد عليها وأكرر : يا عزيزتي ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ونحن في ضرورة ، إلى متى نتجول في مكاتب الجوازات ، فقالت لي : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } (سورة الطلاق : 2)
اشتد النقاش بيني وبينها ، فغضب مدير الجوازات وطردنا من المكتب ،خرجنا نجرُّ خطانا ، وأنا بين رحمةٍ بها ، وغضب عليها ، ذهبنا لنتدارس الأمر في غرفتنا ، أنا أُحاول إقناعها ، وهي تحاول إقناعي ،إلى أن أظلم الليل ، فصلينا العشاء ، وأنا مشغولُ البال ، ثم أكلنا ما تيسر ، ووضعت رأسي لأنام ، فلما رأتني كذلك ، تغير وجهها ،ثم التفتت إلى وقالت : خالد ، تنام !! قلت : نعم ، أما تحسين بالتعب ،!! قالت : سبحان الله ، في هذا الموقف العصيب تنام !! نحن نعيش موقفاً يحتاج منا إلى لجوء إلى الله ، قُم الجأ إلى الله فإن هذا وقت اللجوء ، فقمت ، وصليت ما شاء الله لي أن أصلي ، ثم نمت ، أما هي فقامت تصلي ، وتصلي ، وكلما استيقظت ، نظرت إليها ، فرأيتها إما راكعة ،أو ساجدة ، أو قائمة ، أو داعية ، أو باكية ، إلى أن طلع الفجر ، ثم أيقظتني ، وقالت : دخل وقت الفجر ، فهلُّم نصلي سوياً ، فقمت ، وتوضأت ، وصلَّينا ، ثم نامت قليلاً ، وبعدما طلعت الشمس ، استيقظت ، وقالت : هيا لنذهب إلى الجوازات !! فقلت لها : نذهب إلى الجوازات !! بأيِّ حجة ؟! أين الصور ؟؟ ليس معنا صور ؟! قالت : لنذهب ونحاول ، لا تيأس من روح الله ، لا تقنط من رحمة الله ، فذهبنا ، ووالله ما إن وطأت ، أقدامنا أول مكتب من مكاتب الجوازات ، ورأوا زوجتي وقد عرفوها من حجابها ، وإذ بأحد الموظفين ينادي : أنت فلانة ؟ قالت : نعم ! قال : خذي جوازكِ ، فإذا هو مكتمل تماماً ، بصورها المحجبة ، فاستبشرت ، والتفتت إليَّ وقالت : ألم أقل لك " " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " ، فلما أردنا الخروج ، قال الموظف : لابد أن تعودوا إلى مدينتكم التي جئتم منها ، وتختموا الجواز منها ، فرجعنا إلى المدينة الأولى ، وأنا أقول في نفسي ، هذه فرصة لتزور أهلها قبل سفرنا من روسيا ، وصلنا إلى مدينة أهلها ، استأجرنا غرفة ، وختمنا الجواز .