عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2007-03-08, 12:35 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي

ونعود الآن لتدبر قوله سبحانه وتعالى "وباركنا عليه وعلى إسحق" والتي تشير إلى أن الله قد بارك على إبراهيم وعلى إبنه إسحاق عليهما السلام حيث أن الضمير في كلمة "عليه" تعود على إبراهيم عليه السلام كما هو واضح من الآيات التي سبقت هذه الآية. ومما يؤكد على ما ذهبنا إليه من أن البشر قد ينحازوا لما فيه هواهم أن بعض مفسري القرآن قالوا أن الضمير في الآية يعود على إسماعيل وليس على إبراهيم عليهما السلام رغم أن جميع الآيات التي سبقت هذه الآية تتكلم عن إبراهيم عليه السلام ولم يرد اسم إسماعيل عليه السلام في هذه الآيات أبدا. ولو كان هذا القرآن عرضة للتحريف لكان من السهل استبدال اسم إسحاق باسم إسماعيل عليهما السلام مع وجود الدافع على ذلك ولكن هيهات هيهات فقد تكفل الله بحفظ هذا القرآن من التحريف مصداقا لقوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر 9 وقوله تعالى "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" فصلت 42. لقد ورد ذكر مباركة إبراهيم عليه السلام في التوراة بعد أن قام الله سبحانه باختبار إيمانه عليه السلام من خلال أمر الله له بذبح إبنه الوحيد آنذاك إسماعيل عليه السلام حيث جاء ما نصه: (وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي».) سفرالتكوين 22: 16-18.أما مباركة إسحاق عليه السلام فقد وردت في التوراة في عدة نصوص منها: ( وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ، تَغَرَّبْ فِي هذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي) سفرالتكوين 26: 2-6. وبغض النظر عن صحة محتوى نصوص التوراة التي أوردناها والتي هي من أكثر نصوص التوراة عرضة للتحريف فإن فيها ما يشير للمباركة التي جاء ذكرها في الآية القرآنية.

ومما يلفت النظر أن القرآن الكريم لم يذكر مباركة الله لإسماعيل عليه السلام رغم أن التوراة قد أتت على ذكر هذه المباركة كما جاء نصه: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!» فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.) سفر التكوين 17: 18-21. وفي عدم ذكر مباركة إسماعيل عليه السلام في القرآن رغم ذكرها في التوراة حجة مفحمة للذين يقولون أن هذا القرآن أخذ معلوماته من التوراة والإنحيل فلو كان الأمر كذلك لكانت مباركة إسماعيل أول ما أخذه القرآن. ولكن الله أراد أن يربي أتباع محمد صلى الله عليه وسلم على الإيمان الخالص بالله رب العالمين والذي لا مكان فيه للعصبية للأماكن والأشخاص فحب المؤمنين للأشخاص هو بقدر حب هؤلاء الأشخاص لله ولنا في سيدنا إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة كما قال سبحانه وتعالى "لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده" الممتحنة 4. ورغم العداوة الشديدة التي أبداها اليهود لمحمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه فقد خلت قلوب المؤمنين من ذرية إسماعيل عليه السلام من أي حسد لذرية إسحاق عليه السلام لما أنعم الله عليهم من كثرة الأنبياء الذين بعثوا فيهم مصداقا لقوله تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" المائدة 20. وفي المقابل نجد أن اليهود قد حسدوا بني إسماعيل عليه السلام على نبي واحد فقط بعثه الله فيهم بعد مرور ما يزيد عن ألفين وخمسمائة عام على دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام التي جاءت في قوله تعالى "ربنا وأبعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم" البقرة 129.

لقد بلغ الحسد باليهود أن تمنوا أن يعود العرب عن عبادة الله الواحد الأحد الذي يؤمن به هؤلاء اليهود إلى عبادة الأصنام فقال عز من قائل "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير" البقرة 109 والقائل سبحانه "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" البقرة 89. ولقد بلغ الحسد مبلغه من اليهود حتى قالوا عن كفار قريش الذين يعبدون الأصنام ويعملون مختلف أنواع الفواحش والمنكرات أنهم أهدى من المسلمين الذين يعبدون إلها واحدا ويسارعون في عمل الطاعات والخيرات وذلك في قوله تعالى "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلا" النساء 51.