العجيب يا أختي أني حين قرأت الردود على موضوعك لم أجد واحداً يدعوك إلى الرقية أو يخمن أنك مصابة بمس!
والأغرب أن معظمهم دعوك إلى الاستشارة النفسية والتثقيف النفسي!!
تماماً عكس ما حصل معي في موضوعي فأغضبني فعلاً أن أرى هذا الكم المرعب من التخلف والرجعية مما استفز السيء من مشاعري ولوّث الحسن منها فدعاني إلى التهكم منهم ومخاطبتهم بغلاظة لا أحب أن أخاطب أحداً بها!
لاحظتِ هذا؟!
المهم يا سيدتي
التعود على إبقاء المشاكل سراً وعدم الشكوى خصلة فاضلة، لكن فضيلتها تنتفي بمجرد أن نفقد ما يعوضنا عن كتمان مشاكلنا، ألا وهو التفاعل مع النشاطات المرحة والتمسك بالأشياء التي لا تفقد معناها الجميل في حياتنا؛ فبمجرد أن نصبح غير قادرين على هذا التفاعل بشكل سوي، يصبح البوح بالمشاكل والبحث عمن يسمعها ويساعدنا في إيجاد الحلول لها واجبٌ مصيريّ.
تساؤلاتك في محلها، ولكنها ليست من نوع الأسئلة التي تجدين إجاباتها عند أحد غيرك. هذا أمر أعرفه جيداً وأثق به ثقة مطلقة.
أما كيف ستجدين إجاباتها عندك، فهذا يحتاج إلى وقت وتجارب. عليك فقط ألا تطرحي أسئلتك بصيغتها الحالية، بل اطرحيها بصيغة "كيف أجد الإجابة" وليس "أين أجد الإجابة".
سأخبرك بسر يخصني، ولكن قبل ذلك سأمهد لك بقصتي مع الدكتور علي زائري.
حينما تواصلت مع د. علي، وبعد عدة ردود من أخذ وعطاء وتشخيص وتحليل، وبعد أن كشفت له كل شيء واعترفت له بكل شيء، أجاب بأن كل أخطائي لها مبررها النفسي.
وحدثني عن الأمل وعن أنه لا عشبة سحرية تغسل الآثام وتصلح المعطوب من حسناتي، وأن التغيير ينبع من نفسي وأن علي أن أولد من جديد داخل نفسي.
وبرغم أني أتيتُ إليه في البداية بحثاً عن مساعدة للتغيير، إلا أني بعد أن قرأت كلامه وجدت قواي وقد خارت ودافعي للتغيير وقد اختفى. ووجدتني أطلب منه بل أرجوه أن يدبر لي مكاناً في أية مصحة نفسية ليحتجزوني هناك بقية عمري! لأني شعرت بأني غير قادر على التغيير بل غير راغب حتى في التحسن (لماذا) لأني اعتدت على هذا الوضع السيء والمظلم سنين طوال حتى لم أعد أثق بشيء غيره (هل تتصورين حالة أسوأ من هذه؟ أن يصبح الإنسان لا يثق إلا بالظلام؟)!
ولم أكتفِ بهذا بل ذهبت بنفسي إلى مستشفى الصحة النفسية في الرياض ودخلت على دكتور الطوارئ لأخبره برغبتي في أن يسجنوني عندهم (وطبعاً اخترت السجن النفسي وليس السجن العادي لأني أحتاج إلى أدويتهم التي تمنع التفكير وتخرس الحوارات الداخلية) ولكن لم أستطع البوح للدكتور بأي شيء لأننا طبعاً في مستشفى حكومي وكل عشرين ثانية يدخل أحدهم الغرفة ويقطع حديثنا دون أدنى اعتبار لأقل حق من حقوق المريض النفسي ألا وهو 45 دقيقة من الخصوصية مع الطبيب دون مقاطعة! المهم أني وجدت نفسي التزمت الصمت التام والطبيب يحاول أن يدفعني للكلام دون جدوى فاقترحت عليه أن يسأل أسئلة عامة ومن إجاباتي يحدد مشكلتي وفعلا هذا ما حصل وشخص أمراضي التي أخبرتك عنها سابقاً في موضوعي فأعطاني الأدوية وخرجت من عنده دون أن أبوح له بأهم سبب دفعني لزيارته!
بعدها عدت للتواصل مع د. علي زائري على الإنترنت، فوجدت رده على طلبي وقال إن السجن لن ينفع لأن ما أعانيه هو صراع داخلي وليس خارجي، وأنني عبارة عن عشرة أشخاص مختلفين بداخلي وكل منهم لديه مشاكله الخاصة. والأهم من كل هذا أنه أخبرني بالسر الذي جئت أحدثك عنه فقد قال لي (أنت نتيجة طبيعية لظروف غير طبيعية!!).
وهذا هو ما أعتقد أنك تعانين منه. أنتِ يا حاملة المسك نتيجة طبيعية لظروف لا تحمل المسك لكنها تنفخ الكير دون أي احترام للأخلاق والأعراف.
فلا تلومي نفسك أبداً. ولا تظني أن الإنسان - مهما بلغ من الإيمان والعلم وحسن الخلق والإدراك - بمأمن عما يعيث فيه فساداً ويخرب عجينته الأساسية التي جبل وتربى عليها. ولا تنسي أن النبي محمد لم يستلم مهمته إلا بعد أن تهيأ لها أربعين سنة نصفها عزلة صافية ومراجعة ذات وترويض نفس.
لذلك أقول لا تلومي نفسك أبداً. ولا تضعي شيئاً من المسؤولية على كاهلك إلا في حالة أن ترضي بوضعك غير المقبول فترة طويلة حتى تعتادي عليه، هذا وحده ما يجب أن تحملي المسؤولية عنه! وهذا وحده ما سيجعل حالتك تصل إلى مستوى صعب وسيء مثلما حدث معي بالضبط بعد أن رضيتُ بوضعي غير المقبول سنين طوال لجهلي ولقلة إدراكي بما أنا مقدم عليه.
لا تكرري خطأي في السنين الماضية.
ولكن افعلي مثلي حينما سمعت كلام الدكتور علي الأخير. الذي فعلته أنا هو أنني قررت التخلص من كل أقنعتي التي كانت تحجب عني وضوح الرؤية وحسن الإدراك، وأهمها قناع الكذب على نفسي، وقناع الرضى بسوء الحال، وقناع خداع نفسي بالتقنيات والتدريبات الإيحائية الإيجابية، وقناع التعامل مع المشاكل وكأنها مجرد مشاكل ستنتهي مع مرور الوقت، وقناع التعامل مع ما لا يرضيني بفظاظة وغلاظة ظناً مني أني سأبعده إلى الأبد بينما أنا في الحقيقة أثبته وأزرعه في داخلي وأجذبه إليّ بفظاظتي وغلاظتي، وأقنعة كثيرة لا تزيدني إلا خساراً. والآن وأخيراً، سأنفذ قرار السفر للدكتور وقد كان بالأمس مجرد قرار تحت وقف التنفيذ، وهأنا أجهز نفسي للانتقال. وكلي أمل وشعور داخلي بالقوة والقدرة والثبات (رغم أني فقدت جل ثوابتي) لكنني لم أفقد ثبات الأمل والإيمان بأن الإنسان قادر على ما يريد ما دام يجدّ في رغبته جدّيّة تامة ويرفع من همّته عالياً.
وأنا سعيد جداً من أجلك، لأن ما تعانين منه هو اكتئاب بسيط فقط. وأثق بأنك لم تفقدي جل ثوابتك. أنت فقط فقدتِ بعض ثوابتك فأرعبك هذا الفقد الذي صنع في داخلك عاصفةً غطى غبار عجاجها على ثوابتك الأخرى التي لم تفقديها بعد.
وصدقيني مثلما كنتِ بحاجة لموضوعي لترتبين آلامك فإني كنتُ بحاجة لموضوعك لأرتب آمالي.
وسوف أتجاهل موضوعي والردود عليه لأني بدأتها بشكل خاطئ، ولن أعود إليه حتى أقطع شوطاً في التغيير وأقف على قدمي. ولكنني مؤكد لن أتجاهل موضوعك وسأزوره كل حين لأنك بدأته بشكل صحيح. وأنا أغبطك على هذا.
سأنتظر أخبارك الحلوة في لهفة وصبر.
أمنياتي لك بكل حسن وجميل فأنت تستحقينه.
إلى اللقاء