عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 73  ]
قديم 2011-08-17, 3:04 AM
outsider
رقم العضوية : 152675
تاريخ التسجيل : 3 - 8 - 2011
عدد المشاركات : 30

غير متواجد
 
افتراضي
صباحك نور ورضا

توقفتُ كثيراً عند علاقتك بموضوعي وتبريرك لردك الأول بأنه كان محاولة غير مباشرة منك لتغييرك أنتِ وقت كتابة الرد أكثر من كونه محاولة لمساعدتي أنا على التغيير. والحق أنكِ لست بحاجة لهذا التبرير، ليس معي على الأقل؛ فأنا أثق بأن كل خير يقدمه الإنسان لغيره هو خير يقدمه لنفسه ابتداءً، فلم أرَ في حياتي أجمل من البذل تعم فائدته على الباذل والمبذول له، وهذه قناعة راسخة عندي. وحينما أقول أن إنسانيتك مبسوطة للغير فهي من باب أولى مبسوطة لك، فتجعلك إنسانة في نظر نفسك قبل غيرك، وهذا ما لا يستطيعه الكثير فهنيئاً لك هذه الروح.

كما أني لمستُ في ردك الأول حزناً لم أرد أن أسلط الضوء عليه، لأنه ليس كأي حزنٍ بل هو - كما أسميه - حزنٌ جميل، لما يخلقه في نفس صاحبه من إرادةٍ قوية لنفض هذا الحزن ولبثّ دواعي الحياة في كيان صاحبه ومحيطه، هذا المحيط الذي تصادف معك أن يكون هو أنا. فاكتفيتُ بتسليط الضوء على التأثير الجميل دون الإشارة إلى الأصل الحزين، وهذا أقل ما تستحقينه مني.

لا يزال ذكائك يدهشني ويرسم على شفتي ابتسامة، فملاحظتك لنزوحي عن مشكلتي صحيحة، وإن كان تفسيرك لهذا النزوح قد جانب الصواب؛ فلست أستبدل متابعة المسلسلات بمتابعة ردود الأحبة هنا ولا مقارنة ثمة. ولا لوم عليك في اللجوء إلى هذا التفسير وأنا الذي لم يحدثك عن مشكلته كثيراً. لذا يسعدني أن أخبرك الآن: مشكلتي لا تزال قيد التشخيص والمداولة، هذا من ناحية الأطباء. أما من ناحيتي أنا فثمة قرارات لا تزال تحت وقف التنفيذ، أهمها الانتقال إلى مدينة جدة والتعامل مع الطبيب الذي اهتم بحالتي للبدء بالبرنامج العلاجي المتكامل والذي لم يتوفر لي بكامله في مدينتي الحالية، دوائياً وتحليلياً ودينياً ومعرفياً وسلوكياً واجتماعياً. وهذا ما أقوم بتهيئة نفسي لأجله هذه الأيام. والحق أن الردود هنا ساعدتني كثيراً في العلاج ويمكن اعتبارها من نوع العلاج بالكلام، وهذه نقطة أحب أن أتوجه فيها بالشكر والإشادة لأخي العزيز "المشتاق إلى التوبة" حيث اختلفنا مرة في جدوى هذا المنتدى الذي ليس فيه اختصاصياً نفسياً واحداً! فشكراً له ولكل الإخوة والأخوات هنا.

أما الأمر الآخر، وهو طلبك الذي لم أنفذه وخلطت فيه الحق بالباطل، فإني لا أراه كما ترينه، ولم أكن أسايرك أو أجاملك حين أقول أني نظرت إلى مشاعرك الإنسانية التي وصلتني من ردك الأول فوجدتها أجمل مما قد يجلبه لي تنفيذ هذا الطلب من تفاؤل وسلام. ولو كنتِ تعرفيني جيداً لعلمتِ أن هذا صحيح بشدة. فلست على استعدادٍ لمسايرة نفسي هذه المسايرة الإيحائية التي لطالما فعلتها مراراً ونفعتني كثيراً ولكن دون أن تستمر مما يجعلها وسيلة لا تقود إلى غاية، فلست مستعداً لها قبل أن أقطع شوطاً جاداً في رحلة العلاج والتغيير. يمكنك أن تعتبري هذا اعتذاراً ما دمت خيرتِني بين القبول والرفض، وإن كنت لا أراه قابلاً لأن يكون خياراً أصلاً، ليس الآن على الأقل.

بالنسبة للقصة
من عيوني وانتي تامرين أمر

في طفولتي كان أبي مشغولاً عني، فأنا الأخير من بين إخوتي الاثني عشر وكلنا من أب واحد وأم واحدة، ولا أذكر له مواقف كان فيها قريباً مني، ولطالما رجوته أن يأخذني معه إلى عمله أو مشاوير تجارته، وكان يرفض لكثرة انشغاله. وحينما كنت في سن الثالثة عشر وكان هو في الرابعة والستين حدث هذا الموقف، وكان في أيام مرضه وقبل وفاته بأسبوع. كان يرقد في المستشفى مشلولاً إثر جلطة دماغية. كان قادراً على تحريك عينه اليسرى ويده اليسرى فقط حتى الكلام لم يكن قادراً عليه. وكنا قبل كل زيارة نجد عند بابه عدداً من أصدقائه الذين ما أن يرونا - أنا وأمي وإخوتي - حتى يخرجون من غرفته لندخل نحن ولكن بعد أن يمطروننا بنصائح وتحذيرات من البكاء أمامه أو الشكوى من المشاكل التي تواجهنا بسبب غيابه عن البيت مدة طويلة لم نعتدها. وفعلاً كنا ندخل مبتسمين ونحكي له القصص والطرائف ونمازحه. حتى جاء هذا اليوم الذي أحدثك عنه. كانت أمي تحدثه عن أمر ما، وفجأة بدأ ينظر إلي، ويحرك أصابع يده اليسرى ناحيتي، لم أفهم مقصده حتى كرر الحركة، ففهمت أنه يريدني أن أقترب، ففعلت، ورفع يده بصعوبة ليمسك بيدي، وما أن أمسكها حتى ضغط عليها.. رفعت عيني إلى وجهه المهيب فلمحت في عينه اليسرى ابتسامة تترقرق بالدمع الذي سال ببطء على خده الحبيب، حينها لم أتمالك نفسي فانفجرت بالبكاء، وحاولت أمي إبعادي لكنه نظر إليها نظرة غاضبة فتركتني، واستمر ينظر إلى عيني ويبتسم ويضغط على يدي حتى هدأت نفسي. ولم يفعل هذه الحركة مع أحد غيري. وقد فهمت بعد أن كبرت أنه تصرف هكذا لأنه كان يشعر بالذنب لتقصيره معي. وبالنسبة لي كان هذا الموقف أجمل موقف مر علي في طفولتي إن لم يكن في حياتي كلها. وكلما تذكرته لا أستطيع منع نفسي من الابتسام والشعور بالراحة والسكينة تغمرني.

أنا ممتنٌ لك كثيراً يا نزف.
وقبل أن تطالبيني بالأمر الآخر. أريد منكِ أن تشاركيني هذا الإحساس الذي جعلتني أحسه بتذكري لهذا الموقف، ولن أرضى بأقل من قصة من طفولتك بقيت سعادتها إلى اليوم تسردينها هنا، إلا إذا أردت أن تسردي قصة من مرحلة ما بعد البلوغ تجدينها أجمل وأحق بالسرد، فهذا خيارك. وسأنتظر ردك في لهفة وصبر.

وحتى ذلك الحين
لك سنابل من الود وقوافل من الورد



Facebook Twitter