عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2007-02-25, 10:02 PM
الصادر والوارد
مشرف سابق
رقم العضوية : 9770
تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2005
عدد المشاركات : 2,162

غير متواجد
 
افتراضي
الوصية السادسة : أغلال البطاقات ! .
• يشارك كثير من الناس في بطاقات تحت مسميات مختلفة، ومنها ما يُسمى بـ ((البطاقة الائتمانية )) والمشترك فيها يتحصل على خدمة خلاصتها أن حامل البطاقة يشتري ما يريد حاضراً وتقوم الجهةُ المُمولة للبطاقة بتسديد قيمة الفاتورة لصاحب المتجر بعد حين، وظاهرُ هذه الخدمة الرحمة، ولكن إذا علمت أن للمشترك زمناً محدداً للسداد للبنك أو الشركة ، فإذا انقضى هذا الزمن تضاعف المبلغ عليه بزيارة ربوية كلما تأخر .. عند ذلك يتبين للمشترك خطورتها ، ويتبين أن هؤلاء الذين يتعاملون بهذه البطاقات وقعوا في محذورين :
المحذور الأول : أنهم سيسرُفون في المصايف ، وسيغرقون في الديون ما دام غيرهم يدفع عنهم .
المحذور الثاني : أنهم إن لم يسددوا فوراً فإنهم سيقعون في الربا . - والعياذ بالله -(23).
وحاصل ما ذكرنا تكاثر الديون وهذا ما يُراد الهروب منه ، والفرار عنه .

الوصية السابعة : فِرَّ من التقسيط فرارك من الأسد :
• إن اندفاع الناس إلى التقسيط أصبح ظاهرة ، والحق أنها ظاهرةٌ غير صحيحة البتة ، فلا يليق بالمجتمع المسلم أبداً أن يغرق في الديون ، كما يحدث بالفعل في مجتمعات أُخرى .. إن مرارة التقسيط تُعلم قطعاً بعد الخوض في تجربته ، فإن المشتري بالتقسيط يرى أن الشركة تأكله من فوقه إلى أسفل قدميه ، وهو للوهلة الأولى لا يدرك ذلك بالطبع فيخوض مع الخائضين .

ولنأخذ مثلاً الشركات التي تبيع السيارات الجديدة بالتقسيط ، فهم أولاً : لا يبيعون السيارة بثمنها في السوق وإنما بسعرها في البطاقة الجمركية ، ومعلومٌ أنه أعلى وأكبر غالباً ، ثم يجعلون الزيادة المالية على السعر الأعلى ولذلك تكون الزيادة ضخمة نسبياً ، وكلما ازداد الأجل بُعداً كلما أزداد الثمن الكلي على المشتري فانظر ماذا ترى .. ؟

الوصية الثامنة : احذر المفاهيم الخاطئة :
• إن من المفاهيم الخاطئة عند فئة من الناس – وهم قليل – ما صاغه أحدهم سؤالاً قُدم بين يدي فضيلة الشيخ محمد العثيمين ونصه كما يلي : (( ما رأيك في فئة من الناس يرون أن من لا دين عليه ، عنده نقصٌ في رجولته ، بل إن من دينه قليلٌ تناله سخريتهم فيقولون : فلانٌ دينه دين عجوز ، مع أنهم يستدينون بنية عدم الوفاء ؟ فكان جواب الشيخ : (( أقول أن هذا بلا شك خطأ ، وأن العز والذل تبع الدَّين وعدمه ، فمن لا دين عليه فهو العزيز ومن عليه دين فهو الذليل ، لأنه في يوم من الأيام قد يطالبه الدائن ويحبسه ، وما أكثر المحبوسين الآن في السجون ، بسبب الديون التي عليهم ، فهذا القائل – بهذا المفهوم الخاطئ – لاشك أنه سخيف العقل ، وأنه ضال في كلامه .. ولكن الذي يظهر أنه كالإنسان المريض يُحبُّ أن يمرض جميع الناس .. فهو مريضٌ بالدَّين ويريد أن يستدين جميع الناس حتى يتسلى بهم .... ))(24) .

فحري بالعاقل ألا يلتفت لهؤلاء من قريب ولا من بعيد .

الوصية التاسعة : اللهم إني أعوذ بك من ضلع الدينِ :
• كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثرُ من الدعاء ويطلب السلامة من ضلع الدين فعن أنس رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في دعاءٍ ذكره : (( اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن والعجز الكسل والجُبن والبُخل وضلع الدَّين وغلبة الرجال )) (25) . قال القرطبي : قال العلماء: (( ضلع الدَّين هو الذي لا يجد دائنه من حيث يؤديه ))(26) .
وكم من الناس من هو كذلك ... وما أكثر من لا يجد أموالاً تتناسب مع ضخامة الدين عليه . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يدعو في الصلاة ويقول : (( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم )) – أي الدَّين – فقال رجلٌ : يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم !! قال – صلى الله عليه وسلم – : (( إن الرجل إذا غِرم كذب ، ووعد فأخلف )) (27) .

وعلى هذا ، فحري بمن أصيب ببلاء الديون أن يعتصم بالله ويدعوه بهذه الأدعية المأثورة ، وقال المهلب : (( يستفاد من هذا الحديث سد الذارئع ، لأنه – صلى الله عليه وسلم – استعاذ من الدَّين لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث والخلف في الوعد مع مالصاحب الدين عليه من المقال )) ا.هـ (28) .

الوصية العاشرة : أكرم الضيف دون إسراف :
• كما أن الشرع أمرنا بإكرام الضيف والحفاوة به .. أمرنا كذلك بعدم الإسراف والتبذير قال الله تبارك تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} .
وقال تعالى : { وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .
وقال تعالى : { وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} .
ولا عجب أن كثيراً من الناس يعلمون هذه الآيات وقد يرددونها ، ولكن نزولاً عند العادات والتقاليد تجدهم يُكلفون أنفسهم مالا يطيقون في أمور هي من الإسراف بمكان ، وحاصل ذلك الغرق في الديون .

• حُدثت أن رجلاً انتقل وزوجته إلى مدينة بعيدة عن أهله وعشيرته ، وكان ذلك من أجل وظيفة متواضعة تغنيه عن السؤال . فلما استقر به المقام ، برزت له مشكلة لا حل لها بادي الرأي ... وخلاصتها أن أهل قريته كلما جاءوا إلى هذه المدينة توجهوا إليه – وهو بالطبع – مطالب عند ذلك بذبح الذبيحة والذبيحتين إكراماً لهم وحفاوة بقدومهم .. يقول هذا الرجل : (( فأصبحت أقبض الراتب من هنا .. فأنفقه على استضافة هذا وذاك )) ومرت به الشهور وهو على هذه الحال ، فما كان منه إلا أن قدَّم استقالته من تلكم الوظيفة ... ورجع إلى قريته هروباً من الإحراج الذي يؤدي به إلى الغرق في الديون غداً أو بعد غد .

الوصية الحادية عشرة : لا تكلف نفسك مالا تطيق :
• يتردد في المجالس أن رجلاً استدان ليقضي شهر رمضان في جوار بيت الله الحرام وآخر استدان الآلاف من الريالات ليصل أرحامه في منطقة بعيدة وليحضر زواج ابنتهم ... وهؤلاء وأمثالهم في الحقيقة يكلفون أنفسهم مالا يطيقون ومن ثم يغرقون في الديون من حيث لا يشعرون ، ولو أنهم رفقوا بأنفسهم ما حصلت لهم المشقة هذه ، وقد أمرنا الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- بما نطيق وما عداه يسقط بالعذر بعدم الاستطاعة .. قال تعالى : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} .

وقال – صلى الله عليه وسلم – : (( سددوا وقاربوا )) الحديث .

وقد جعل الشرع الفرائض على عظم مكانتها مقيدة بالقدرة ، وخذ مثلاً لذلك ركناً من أركان الإسلام وهو الحج يقول الله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } وعدد من العلماء يفتون بسقوط الحج عن الفقير المستدين حتى ينقضي دينه(30) فكيف بعد ذلك بالنوافل والمستحبات ؟!

الوصية الثانية عشرة : الدَّين أحقُّ بالحرج :
• يتحرجُ البعضُ من أخذ الزكاة المشروعة ، بينما لا يتحرجون من أخذ الأموال ديناً في ذمتهم ، مع أنهم من يستحقون الزكاة – وهذا خطأ – فالدَّين أحقُّ بالحرج ، والزكاة حق للفقراء على الأغنياء ، أوجبه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – رحمةً ورفقاً من هؤلاء بأولئك وأحسب أن من أقرب الصور لذلك ما يفعله بعض الشباب من الغرق في الديون من أجل الزواج مع أنهم في وضعٍ يستحقون به الزكاة كما أفتى بذلك كثيرٌ من أهل العلم .
يقول الشيخ محمد العثيمين – حفظه الله - : (( إن الإنسان إذا بلغ به الحد إلى الحاجة الملحة للزواج وليس عنده شيء وليس له أبٌ ينفق عليه ويُزوِّجُه فإن له أن يأخذ من الزكاة ، ويجوز للغني أن يُعطيه جميع زكاته حتى يتزوج بها ... ))(31) .

الوصية الثالثة عشرة : دراسة الجدوى قبل الوقوع بالبلوى :
• لمجرد أن فلاناً من الناس نجح في مشروع تجاري تجد آخرين يجمعون الأموال من هنا وهناك ثم يتسابقون للقيام بنفس المشروع ، وغالباً ما تكون عاقبتهم الخسارة ومن ثمَّ غرقهم في الديون . ولا شك أن التوفيق بيد الله إلا أن عدم دراستهم للجدوى الاقتصادية سببٌ من أسباب فشلهم فينبغي النظر إلى حاجة الناس وعدد المنافسين في السوق ومناسبة الموقع ومجموع التكاليف الشهرية .. وهكذا أما أن يستقرض المرء ويتورط فهذا مما لا يفعله عاقل ولا يقول به من الأكياس قائل ..

الوصية الرابعة عشرة : ليكن تسديد الديون همك الأول :
• إن مما يساعد على تقليل الديون بل القضاء عليها ، التخطيط لسدادها والجدولة الشهرية لذلك ، والقاعدة في هذا أن (( سدد الديون بالتقسيط ولا تستقلل المدفوع )) ، وفي ذلك فوائد منها ؛ ستحافظ على ما يتوفر بين يديك من مال لسداد الديون ، ثم إنك – إن شاء الله – ستنتهي من الديون في أقرب فرصة ، ويذهب عنك همُّها وغمُّها ومتى كان سداد الديون همَّك الأول استغنيت عن الكماليات والترف الزائف أو أقللت منه وفي كلٍّ خير .

وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : (( لو كان لي مثلُ أحد ذهباً ما يسرُّني أن لا يُمرَّ عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيءٌ إلا شيءٌ أرصدُهْ لدين )) (32) .

ويجب أن تشارك الزوجة زوجها في الضراء كما أنها تشاركه في السراء ، ولذا فإنه ينبغي على الزوج أن يُخبرها بوضعه المالي وظروفه العصبية ، والزوجة العاقلة ستدرك أن عليها أن تقوم بترشيد المصروفات وتقليل الإنفاق والبذخ مراعاةً لظروف زوجها ، ولو استدعى الأمر إبلاغ الأبناء الكبار بذلك فلا بأس لتجتمع الأسرة جميعاً في الخروج من هذا الحرج العظيم .

أخيراً ، الوصايا والنصائح في هذا الباب كثيرة فأكتفي بما ذكرت حتى لا يطول بنا المقام ، والله تعالى أعلم .


----------------------
(1) أصل هذه الرسالة محاضرة ألقيتها في جامع السلام بالدمام بتاريخ 12/6/1415 هـ ، وقد تتابع الطلب بجعلها رسالة ليسهل الاستفادة منها ، فكان ما طلب الأحبة بحمد الله ومنته .
(2) رواه الترمذي ، وابن ماجه ، انظر صحيح الترمذي 854 (1/310) ، الألباني ، ط. مكتب التربية وانتهى الأمر إلى ما قاله - صلى الله عليه وسلم – (( فمن توفي من المؤمنين وترك ديناً ، فعليَّ قضاؤه )) .. صحيح الترمذي (1/311 ) .
(3) رواه الترمذي وابن ماجه . انظر صحيح الترمذي 860 (1/312 ) .
(4) سبل السلام ، (2/188 ) ، ط. دار الكتاب العربي .
(5) رواه مسلم .
(6) صحيح النسائي 2958 (2/663 ) ، الألباني ، ط . مكتب التربية .
(7) رواه النسائي بإسناد حسن .
(8) رواه البخاري ، الفتح (5/53) ،ط . دار الفكر .
(9) رواه البخاري ، الفتح (5/53) ،ط . دار الفكر .
(10) لقاء الباب المفتوح . طبعة دار الوطن .
(11) رواه البخاري في صحيحه ، فتح الباري (5/54) ، ط ، دار الفكر .
(12) فتح الباري ( 5/54 ) .
(13) من حديث ميمونة رضي الله عنها عند ابن ماجه ، صحيح ابن ماجه 1952 (2/52) للألباني ، ط . مكتب التربية .
(14) صحيح ابن ماجة 1954 (2/52 ) .
(15) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي (3 /416 ) .
(16) المصدر السابق ، ( 3/ 417 ) .
(17) أصل الحديث في صحيح مسلم .
(18) رواه الأمام أحمد ، وصححه الألباني .
(19) أصل الحديث في صحيح مسلم .
(20) الربا وأثرهً على المجتمع الإنساني ، ص 104 ، طبعة مكتبة المنار الثانية . ( باختصار يسير ) .
(21) المصدر السابق ، عن (( في ظلال القرآن )) ( 3 / 341 ) – طبعة دار الشروق .
(22) المصدر السابق ، عن تفسير المراغي ( 3/58 ) .
(23) سُئل الشيخ ابن عثيمين – حفظه الله – عن هذه الباقات الائتمانية فكان جوابه : (( هذه المعاملة حرامٌ لأنها معاملة على التزام الربا ... )) انظر لقاء الباب المفتوح (17 / 41 ) طبعة دار الوطن .
(24) اللقاء الشهري ، )( 9 /21 ) ، طبعة دار الوطن ، ( باختصار يسير ) .
(25) رواه البخاري في صحيحه .
(26) الجامع لأحكام القرآن ، (3 / 416 ) .
(27) فتح الباري ( 5/ 61 ) .
(28) المصدر السابق .
(29) صحيح البخاري ، ( 1/16 ) كتاب الإيمان وسلم (1 / 542 ) كتاب صلاة المسافرين .
(30) وبهذا يفتي الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، انظر لقاء الباب المفتوح ، وفي المسألة تفصيل .
(31) لقاء الباب المفتوح . طبعة دار الوطن .
(32) رواه البخاري في صحيحه ، الفتح ( 5 /55 ) .


من اطلاعاتي


توقيع الصادر والوارد
الأعمال الكبيرة إذا توازعتها الأيدي ،
وتقاسمتها الهمم،
هان حملها ،وخف ثقلها
وإن بلغت من العظم مابلغت