أعتقد يا دكتور أني مصاب بحيرة عظيمة واختلال كبير في المفاهيم. فكما ترى لم أعد أعرف هل يمكن أن أصلح ذاتي أم من الأفضل أن أدمرها تكفيراً لما فعلت. لم أعد أفهم ما معنى الإيمان، الدين، الروحانيات والغيبيات. كل ذلك صار محط تحقيري وسخريتي ونفوري. مع أني كنت متديناً فيما مضى. لكني الآن فقدت ثقتي في كل شيء. فقدت ثقتي بكل الرموز الدينية التي كنت أتابعها وأستمع إليها، وأعتبرهم ساذجون مثلي بفارق أنني أعترف بسذاجتي وبعدم جدوى فعل أو قول أي شيء، أما هم فيدّعون حيازة مفاتيح الحقيقة والفكر النيّر والخير والعدل والسلام ببضعة نصوص مقدسة، وأنا أحتقرهم لأنهم يكذبون علينا ويحتقرون عقولنا، فبرغم أنهم يضعون أنفسهم موضع الأبطال إلا أنهم لا يقولون الحق لأصحاب المناصب العليا ولا يقفون مع مشاكل الناس الحقيقية. فئة منهم لا يهمها سوى أن تعلمنا كيف نلبس ونأكل ونضحك وكيف ندخل الحمام، وفئة شغلها الشاغل تخويف وترهيب الناس من العذاب بأسلوب منفر ملؤه البكاء والصراخ والتعابير المسرحية الممجوجة، وفئة أخرى تعلو وجهها ابتسامة سلام لا هم لها سوى التحدث عن الفضائل والأخلاق والأشياء الجميلة ولكن من فوق برج عاجي لا يلمس هموم الشارع، ولا يقف في وجه الباطل، ويحترف تملق الحكام والطواغيت. هذا لا يهم. ما يهمني الآن هو أنني فقدت إيماني بالله ولم أعد أعرف ما معنى الإيمان. وهل يمكن أن أؤمن بالله أم لا؟ وإذا آمنت به فهل يمكن أن يغفر لي؟ هل يمكن أن أغفر لنفسي؟ لقد تبت إلى الله كثيراً طمعاً في رحمته ومغفرته، وعدت إلى خطأي كثيراً يقيناً مني بأني لن أتغير. تركت الصلاة وواجباتي الدينية كثيراً وطويلاً وحين عدت إليها لم أستطع الاستمرار أكثر من شهر واحد لأني كثيراً ما أفكر أني أخدع نفسي بمعاملتها بهذه المعاملة الروحية الحسنة والتي تصبح أصعب وأثقل يوماً بعد يوم. لم أعد أعرف شيئاً ولا عدت أعرف حتى نفسي. ومع ذلك أعرف أن الإنسان قادر على أشياء تفوق تصوره، وأظن أن هذا هو مبعث الأمل الوحيد المتبقي لدي وهو ما يجعلني ألجأ لمحاولة البحث عن وسيلة لمساعدة نفسي ومسامحتها وتغييرها. وإذا ما فقدت هذا الأمل، إذا ما تيقنت من أنه ليس هناك مخرجاً يليق برغبتي الشديدة في التغيير، مخرجاً يلغي ذاكرتي وشخصيتي الحالية ويبدلني بشخصية قوية ذكية نشيطة خيرة صادقة شجاعة حنونة صبورة معطاءة، فإني سأكون سعيداً بإنهاء حياتي راحة لي ولغيري ولأنه لن يبقى شيء يستحق أن أكافح لأجله.
*
سبق و أن زرت طبيباً نفسياً مرتين، مرة في سن الثامنة عشر، والأخرى في سن الواحدة والعشرين. وتم تشخيص حالتي بالاكتئاب وإعطائي أدوية (نسيت اسمها) مضادة للاكتئاب في المرتين. ولم تفلح الزيارتان في تغيير شيء لأنني لم أستمر لأكثر من جلسة واحدة في أي منهما. لم أستفد من الأدوية، ولا أدعي أن هذا خطأ الأطباء، بل أظنه خطأي لصغر سني وجهلي بما يتطلبه الأمر للعلاج. والآن بعد أن كبرت لا أدعي أنني أعرف ما الذي يتطلبه العلاج ولكني أزعم بأني قادر وراغب ومستعد لأي شيء من أجل التغيير التام والشامل.
*
نومي غير منتظم وإذا نمت لدقائق واستيقظت لا أتمكن من النوم مجدداً. وأحياناً لا أتمكن من النوم لمدة يومين أو ثلاثة. ومع ذلك أحياناً أنام لساعات طويلة متواصلة تصل إلى 12 أو 16 ساعة أو أكثر. يمكن أن أختصر أفكار ما قبل النوم في أنها ليست بعيدة عما جاء في هذه الرسالة من حقد ورثاء على نفسي وتفكير بتغيير حياتي، ولكنني أحاول دائماً أن أصل إلى مرحلة النوم دون المرور بمرحلة الأفكار اللعينة هذه وأنجح في هذا غالياً. فأحياناً أتلو ما أحفظ من القرآن حتى وأنا تارك للصلاة لأنه يريحني وأحياناً أكتفي بالاستماع إلى تلاوة أحد القراء أصحاب الصوت الرخيم. وأحياناً أنام على الموسيقى. ولكن هناك طريقة أخرى اعتدت عليها وهي مفضلة لدي لأنها تساعدني للاستغراق في النوم دون بذل مجهود، لم أسمع أو أقرأ عنها ولا أعرف إن كان هناك أحد يفعلها غيري ولكن سأحاول أن أصفها: أغمض عيني وأبدأ في تخيل وجوه غير مألوفة لبشر وحيوانات غريبة، أنا فقط أبدأ برسمها في خيالي ثم أتركها لتكمل هي رسم وتكوين نفسها وتغيير شكلها وتعبيرات ملامحها الغاضبة والباسمة والخائفة والساخرة والحزينة فأشاهدها كما لو كانت فيلماً مثيراً أشاهده لأول مرة لأني لا أعرف ماذا ستكون الحركة التالية وأي وجه سينبثق من عين أو أنف الوجه الحالي، وتستمر الوجوه تقترب مني وتبتعد وتتداخل وتتمزج وتتلاشى وهكذا دواليك دون أي جهد مني ولا فهم لكيفية حدوث هذا ولكن هذا لا يهمني وقتها فما يهمني هو أني لا أبقى طويلاً على هذه الحال حتى أستغرق في النوم العميق.
*
أما عن الأحلام فإذا راودتني الأحلام الهادئة فإنها غالياً ما تكون عن أني أطير مع شعور مزعج ومستمر بعدم قدرتي على التحكم في طيراني فأطير وأنا أشعر بأني سأقع في أية لحظة، ولكني لا أقع أبداً وهذا ما يجعلني أسميها أحلام هادئة. أما إذا راودتني الكوابيس فإنها غالياً ما تكون عن السقوط، فمثلاً أجدني مربوطاً بشيء كالصاروخ يرتفع بي عالياً ثم نسقط وهو موجه من السماء إلى الأرض وأنا أيضاً قدمي إلى السماء ورأسي إلى الأرض ونسقط بسرعة شديدة وتكون لحظة ما قبل الارتطام مرعبة ومزعجة فأستيقظ متعرقاً وخائفاً وأحياناً وأنا أصرخ. وفي معظم الأحيان أتكلم وأنا نائم كما أخبِرت بهذا عدة مرات، ويكون كلامي مفهوماً تارة وغير مفهوم تارة أخرى.
*
رغبتي الجنسية محمومة وأمارس العادة السرية كثيراً لإطفاء شهوتي.
*
أقيم نفسي بأني عصبي، رغم إيماني بأن هذه ليست شخصيتي بل بالعكس أنا مرح وساخر وصاحب نكتة ولكني فقدت كل هذا منذ زمن حتى لم أعد أصدق أنني كنت ذلك الشخص.
*
قرأت في أحد المقالات التي تتحدث عن اضطراب الشخصية ما يلي:
"يوجد شيء في شخصية كل إنسان لا يمكن تغييره. إنه الهيكل الأساسي لشخصيته. وإن محاولة تغيير هذا الشيء أشبه بمحاولة تدريب الخروف على جر السيارة. توجد تعاريف كثيرة لتعبير الشخصية، وتعرّف حسب المعجم الطبي النفسي المعتمد من الجمعية الأمريكية للطب النفسي بأنها: الطريقة المميزة التي يفكر وفقها الشخص ويشعر ويتصرف على أساسها أي أنها النمط المتأصل للسلوك الذي يظهره كل شخص في الوعي أو اللاوعي كأسلوب لحياته أو كطريقة للتكيف مع المحيط". (انتهى الاقتباس) سؤالي هنا هو ما هذا الشيء أو الهيكل الذي لا يمكن تغييره في شخصيتي؟ وهل هو شيء صالح أم فاسد؟ وهل حقاً لا يمكن تغييره؟ ولماذا لا يمكنني أن أعرفه؟ وهل أنا وحدي الذي لا يستطيع تمييزه أم أن كثير من الناس مثلي؟ أرجو الإجابة على أسئلتي.
*
الآن وبعد كل هذه السنين من انعدام الثقة بنفسي وبأي أحد وحتى بأية فكرة، فإنني مستعد للمجازفة ووضع ثقتي في العلاج وأرجو أن يفلح الأمر. إني خائف يا دكتور وغاضب ومحبط ويائس وعاجز ومشتت ومعذب ومعطوب. أريد أن أكسر هذا الخوف وأنهي هذا العذاب بالإقدام على فعل يغيرني ويغير كل شيء تماماً، ولكني لا أعرف ما هو الفعل المناسب. وهذا هو ما أحتاج منك بل أرجوك أن تساعدني في الوصول إليه. أريد أن أعرف ما الذي يحدث لي؟ وهل حدث لغيري؟ وهل يمكن علاجي؟ أريد إجابات على كل أسئلتي دون استثناء، وأريد التحليل العلمي المبسط لكل ما جاء في استشارتي قدر الإمكان.
*
لم أقل كل شيء ولكن أكتفي بهذا وأختم بأني على استعداد تام لفعل كل ما يتطلبه الأمر لحل مشكلتي. مع كل الشكر والتقدير.
-------------------------------------------------------------------------
انتهت الاستشارة